فلاح المشعل
تشارك العالم اليوم بغصة حزن واستذكار مأثرة ثورية وانسانية عظيمة اسمها الثائر الأفريقي نلسون مانديلا ، الذي عاد ليؤثث برحيله معنى قيم الوجود وروح التسامح وثقافة المحبة والمصافحة والجمال ، بعد ان افتقدتها المجتمعات في زحام الضغط التقني والثورة الرقمية وتكلس المشاعر، وانتشار المجاعات ومخيمات الاجئين والإرهاب والموت المشاع .نلسن مانديلا يقف على مفترق تاريخ لمسيرة مجتمع ينتقل حضاريا وروحيا ، من سياق ثقافي ولغة ثأر ومسيرة تحدي ثوري ناقعة بالدم وتاريخ الظلم والأحزان ، الى وطن ينشد الحرية وتحقيق العدالة عبر سياسة التعايش ونبذ العنف وانتصار إرادة الشعب عبر المصالحة واستثمار النظام الديمقراطي في مقاومة الفصل العنصري والتفاوت الطبقي .تنكيس الاعلام واعلان الحداد في أرجاء الكوكب الأرضي ، يعني ان الشعوب والمجتمعات الحية لم تفقد ذاكرتها بعد ، بإستثناء الدول العربية التي لم تكلف نفسها ان تقول كلمة رثاء بحق هذا المناضل الذي ساند القضية الفلسطينية والكثير من قضايا العرب .مانديلا من جيل الثوار الذين أصبحوا يشكلون تراث المجد للقرن العشرين والتاريخ الأنساني و بعض عجائب الاساطير المنقرضة ، امثال تشي جيفارا والمهاتما غاندي وهوشي منه ونهرو وجمال عبد الناصر والخميني ولينين وغيرهم ممن اثروا الحياة بتجارب نوعية وانعطافات غيرت المجتمعات ومسيرتها ، وشكلت شواخص مهمة في العصر الحديث .رجل من نوع نلسن مانديلا تعكس تجربة حياته دلالة تؤكد بأنه قد تخطى حدود بلاده وقارة افريقيا ، وتحول الى وطن لمشاعر جميع سكان الأرض الذين يحنون الى الهدوء الروحي والسلام المفقودة .مانديلا مستودع الطمأنية والقوة الروحية التي اسقطت التصنيف التاريخي للسود وجعلتهم يؤكدوا للعالم قدرتهم على دحر المستحيل ، و صناعة مجتمع يتشارك بنشيد السلام والحب ويتصافح بأسم المواطنة وبناء الحياة وإعمارها ، مجتمع ينفتح على المستقبل بعقد إجتماعي ينتصر على ماضي الأحقاد و ينبذ الإختلاف والعنف ويقوم على المصالحة وروح العفو والإرتفاع على الجراح والضغائن .مانديلا درس أخلاقي وتربوي وثقافي عظيم ، كان يجب على العراقيين ان يتعملوا منه في مشروع التغيير ، كبديل عن الإحتراب والصراع الطائفي والتنابذ القومي والإرهاب وسلوك القتل والخراب .سيبقى مانديلا خالدا ابدا لأنه صنع الحياة بقوة الروح على هذه الأرض .
https://telegram.me/buratha