علي غالب بابان وزير التخطيط السابق
هل نقولها بصراحة..و نجاهر بالحقيقة التي باتت ماثلة للعيان..؟؟هل نعلنها بوضوح..بعيدا عن كل مكابرة و تزييف للوقائع..؟؟الديمقراطية بنسختها الغربية غير صالحة لمجتمعاتنا..فهي صارت قرينة الفوضى و الإنقسام و الصراعات..نظرة واحدة إلى المشهد العربي الراهن ينبئ بتلك الحقيقة فلقد خلقت النظم الديكتاتورية التي توارت حالات من التشرذم السياسي و الإجتماعي لا نظير له و بات مصير تلك الكيانات في مهب الريح بسبب ذلك ..
قد يأتي الرد بأن ما تشهده تلك المجتمعات هو ( ركام الديكتاتورية) و ( حصادها المدمر) و إذا قبلنا بهذا التشخيص فأن السؤال يبقى قائما ..ما السبيل للخروج من هذه الحالة..؟؟( الصوملة) لم تعد قاصرة على الصومال فهي موجودة بصيغ و درجات مختلفة ..في سوريا ..و ليبيا ..و اليمن..و مصر..و السودان..و تونس..و القائمة تطول.ما نشهده لا يمكن أن يكون ( ديمقراطية) بأي حال من الأحوال بل هو صيغة من صيغ ( إنحلال الدولة و إضمحلالها) .لا نريد أن يفهم ما نذكره على أنه ( شرعنة للتسلط) أو ( تبرير له ) و لكنه مجرد تشخيص لواقع قائم بات تجاهله باهظ التكلفة ..هل على الشعوب أن تتنازل و تتخلى على حقوقها السياسية مقابل ( بقاء الدولة) التي توفر الحد الأدنى من الإستقرار ..؟؟ .مثل هذا الخيار ( بائس) بكل ما تعنيه الكلمة و هو يتنافى تماما مع المنطق السليم و روح العصر وابسط مستلزمات العدالة و حقوق الإنسان ..المشكلة في مجتمعاتنا هي التشرذم بكل أنواعه و صوره ..إنقسام يلد إنقسام ..و صراع ينتج صراع..و المسلسل لا يتوقف عند حد.. هنالك نزوع للتمحور حول ( الهوية الأدنى) و ( الإطار الأضيق) و لكن حتى مع ذلك فالجماعات الصغيرة ( تفرخ) ما هو أصغر منها..و عملية التشظي أفقيا و عموديا كأنه لا نهاية لها..تبدو عبارات مثل (القيم الوطنية) و ( الدولة الجامعة) غائبة و غريبة و سط هذه الصراعات المحتدمة و الحروب الداخلية الملتهبة ..حيث يشعر كل فريق ( أنه الفرقة الناجية) .تناقضات مجتمعاتنا تنفجر بطريقة لا تبدو ( مسيطرا عليها ) و تتحول حمما و براكين تحرق كل ما حولها ،..لا منهجية ( لإدارة الخلافات) ..ولا تقاليد ( لإحتواء التناقضات) ..ولا ( قيم عليا متفق عليها) يمكن أن تلجم الصراعات .الحرب الكونية الثالثة مستعرة بين الشيعة و السنة من إفغانستان و حتى تخوم الشام..و على إمتداد الساحة العربية و الإسلامية هناك صراع العلمانيين و الإسلاميين ..اليسار و اليمين ..و داخل الصف الإسلامي هناك ملل و نحل ..و توجهات و مدارس..مشهد العالم العربي شبيه بصورة عرب الجاهلية بحروبهم و إنقساماتهم و قبائلهم المتصارعة ..و العرب يعيشون بالفعل (جاهلية القرن الحادي و العشرين) .كان الشاعر نزار قباني دقيقا في وصفه عندما قال..لبسنا قشرة الحضارة و الروح جاهلية..!!و يبدو هذا الشطر تلخيصا للحكاية كلها..الأمر مرتبط بالتحضر ..و نجاح الديمقراطية مرهون بشعوب متحضرة..و حركة الديمقراطية ينبغي أن تسير بخط مواز مع مشروع للتحضر..و الإرتقاء بخصائص الإنسان ..و كسر القيود المادية و الفكرية التي تحيط بعقله و فكره..معجزة محمد بن عبدالله عليه الصلاة و السلام كانت في بناء الإنسان بالدرجة الأساس.. و علينا أن لا نقفز على الحقائق ..التحدي الحقيقي في مجتمعاتنا هو بناء الإنسان..و المعركة الفعلية هي في تحضر المجتمعات ..و ليس ما نذكره تعقيدا للمهمة أو بثآ لروح اليأس في الإصلاح..ففي آخر المطاف تبقى الحقيقة هي الحقيقة لا يمكن سترها بغربال.لا حلول سهلة .. هذا هو ملخص الرسالة ..و الذين يبحثون عن حلول سهلة يضيعون وقتهم و جهدهم..أنها ليست قصيدة رثاء للديمقراطية.. و لكنها تذكير بـ ( التحدي الأكبر) و ( المهمة الأصعب..) ولا مناص من قبول التحدي.. و الرضاء بالمهمة ..فمستقبل شعوبنا مرهون بذلك..
https://telegram.me/buratha