حافظ آل بشارة
الدعاية الانتخابية هي عملية تعريف للمرشحين ، وكلمة (دعاية) اصلا تعني اقناع المقابل بشراء بضاعة او خدمة ما او انتخاب شخص او التعاطف معه ، ربما تقدم الدعاية مرشحا معينا كرمز للقوة مستوحى من موقف أمير المؤمنين (ع) في قوله : (الضعيف عندي قوي حتى آخذ الحق له) لكي يلتف حوله الناخبون الباحثون عن الحماية والعدل واسترداد الحقوق ، او تقدمه كرمز للمظلومية مستوحى من موقف الامام الحسين (ع) : (هل من ناصر ينصرنا ، واقلة ناصراه) ليلتف حوله المحبون والمتعاطفون والمشفقون والغاضبون ليتحولوا هم الى رموز للقوة والنصرة ، في كلا الطريقتين تلبي الدعاية رغبة المتلقي في اثبات الذات ، وفي كلا الاسلوبين الصدق مطلوب . الدعاية فرصة للتثقيف بتزويد المتلقي بمعلومات لم يعرفها او الفات نظره الى الواقع وما فيه من مشاكل كبيرة واسبابها وخلفياتها وكيفية اصلاحها فكثير من الناس يعاني من الأزمة ولكن لا يعرف حقيقتها بالارقام وما هو مصدرها وما هو المستقبل وما هي الحلول ومن يصنعها ، حتى يكون المتلقي جزء من عملية الاصلاح المنشودة وليس متفرجا عليها ، ولا تقدم الدعاية الناجحة حلولا انشائية بل تقدم برنامجا مستقبليا كاملا لادارة البلاد يتضمن تبويبا للمشاكل القائمة وطرق حلها ، ولا بد للدعاية من اثارة نقاش بين الجمهور ، وتحقيق نوع من التواصل بين اصحاب الرأي ، وابتكار رؤى وتحليلات جديدة ، فتصبح مادة الدعاية اضافة نوعية للرأي العام . والمعروف ان البلاغ الدعائي اما ان يكون بلاغا تعبويا يعتمد الاثارة بكل انواعها او يكون بلاغا معرفيا حافلا بالمعلومات ، ولا يمكن لكل من البلاغين ان ينجح منفردا بل لا بد من الجمع بينهما لتحقيق عملية الاقناع ، وفي ظل هذا التعاطي الدعائي الصحيح يتم تعريف المرشحين وتعريف احزابهم . هذا هو الشكل الفني للدعاية المؤثرة ، شكل متطور لمضمون متطور ايضا ، فلا ينجح هذا النموذج الا مع نوع محدد من المرشحين والاحزاب يمتاز بسمعة ايجابية وانجازات سابقة وغطاء شعبي ، ثم صياغة بلاغ نوعي مدروس وليس بلاغا كميا مملا . وفي الدعاية للانتخابات المقبلة تواجه القوى السياسية ظاهرة سقوط مصداقية ما يسمى (البرنامج الانتخابي المكتوب) لكثرة البرامج التي قدمت للجمهور في السنوات الماضية فلم يلمس الناس منها الا الفشل والتلكؤ وهيمنة الارهاب والفساد المالي والاداري . لذا سيكون البرنامج الانتخابي هو الأقل جاذبية في الدعاية الانتخابية المقبلة رغم اهميته ، ستكون أكثر الكتل مصداقية التي لم تشترك بقوة في الحكومة الحالية ، ولم تلوث سمعتها تهمة فساد مالي او ارهاب مدعوم او فشل تنفيذي او ظلم ، فهذه ارضية جيدة لتشكيل عناصر المصداقية السياسية ، وما عليها الا قطع الخطوة اللاحقة وهي تقديم دعاية رصينة لتعريف مرشحيها وبرنامجها ببلاغ نوعي مكثف وهادئ وخال من الصراخ والتوتر والاستعجال فالحكمة تقول : (تكلم بهدوء وانت تحمل العصا الغليضة) .
https://telegram.me/buratha