محمد مكي آل عيسى
وأنا أستمع للقرآن لفت انتباهي قوله تعالى وآتوا حقه يوم حصاده !!وذلك في قوله تعالى :وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأنعام : 141[لم أتوقف على معنى الحق ومقداره وكيف يُعطى وإنما توقفت على تحديد إعطاء الحق بيوم الحصاد بالذات , وبالتأكيد فإن أمر القرآن بإعطاء الحق يوم الحصاد بالذات ليس إلا لوجود هدف وغاية له تعالى بذلك ونحن نعلم أن لكل حرف في القرآن وزنه فلا بد أن يكون هناك غرض يعلل لنا الأمر بإيتاء الحق يوم الحصاد.فراجعت بعض التفاسير المعتمدة لأرى آراء العلماء في ذلك فوجدتهم قد تعرضوا للحق ومقاديره ولم يتعرضوا ليوم الحصاد وخصوصياته.والذي سبق له ظني أن القرآن الكريم قد أمر بهذا الأمر إلى حالة الإنسان النفسية وما تمليه عليه وتدفعه إليه في ذلك اليوم , فلو تصورنا يوم الحصاد وحاولنا أن نعيش مع المزارعين في يوم كهذا لوجدنا أنه يوم شاق من العمل يقضي فيه المزارعون الساعة تلو الأخرى ليجنوا الثمار ويقطفوها أو ليحصدوا الحب والسنابل بل قد يقضي المزارعون أياما في الحصاد والجني مع ذلك التعب والمشقة.لكن لو دققنا أكثر لوجدنا أن لهذه الأيام ميزة تختلف عن باقي أيام العمل فهي أيام جني ثمرة التعب الذي بذلوه طيلة فترة الزرع من حرث وسقي وعناية وتسميد فحتى التعب في هذا اليوم يكون تعبا تخالطه اللذة . . . لذة الكسب والربح وجني الأتعاب مع الأثمار.ومع هكذا شعور بالسرور والغبطة عند الحصاد والجني والفرحة بما بارك البارئ جل وعلا والمحصول المجني يملأ العيون تكون الرغبة بالعطاء على أوجها والأسارير منشرحة بما وهب الله والنفس مطمئنة حامدة شاكرة مندفعة نحو العطاء والجود ولا ينقص الخير العطاء.فتكون نفوس المزارعين أطوع للعطاء في يوم الحصاد من الأيام التي تليه لذا امتدح البارئ من يسارع في الخيرات في كتابه حثا على الجود العاجل بمجرد أن يأتي خاطر العطاء في البال ذلك الخاطر الرحماني الذي لو لم يتمكن في النفس قد يضعف وتدحره خواطر الشيطان .أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ [المؤمنون : 61]و قوله: و لكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات: ] البقرة[: 148ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ [فاطر : 32]ولم يخفَ ذلك عن أهل البيت صلوات الله عليهم فطفقوا بدورهم يحثون على الخير العاجل كما ورد عنهم في ميزان الحكمة فعنالإمام علي عليه السلام : بادروا بعمل الخير قبل أن تشغلوا عنه بغيره وعن الصادق عليه السلام : كان أبي يقول: إذا هممت بخير فبادر، فإنك لا تدري ما يحدث وعن رسول الله صلى الله عليه و آله من فتح له باب خير فلينتهزه، فإنه لا يدري متى يغلق عنه وعن الإمام الباقر عليه السلام : من هم بشيء من الخير فليعجله، فإن كل شيء فيه تأخير فإن للشيطان فيه نظرة وعن رسول الله صلى الله عليه و آله إن الله يحب من الخير ما يعجلوعن الإمام علي عليه السلام بادر الخير ترشدعلى هذا فأن فعل الخير يحتاج التوفيق والهداية له وعلى الإنسان أن يستثمر هذه الهداية فقد تزول سريعا مخلفة وراءها الأعذار وهنيئا لمن عرف نفسه وعلم منها ما ينفعه في سوقها وقيادتها نحو صالح العمل وفعل الخير ومن اللطائف دعاني نفر من المؤمنين للحضور عندهم عاجلا وعلى وجه السرعة فأعلموني بأنهم قد هموّا بعمل من أعمال الخير وسارعوا للاتصال بي لأكون شاهدا وطرفا بالعمل وصارحوني أنهم يخافون أن يغيروا رأيهم فإنهم لا ثقة لهم بأنفسهم للثبات على ما عزموا عليه إلا بعد أن يشرعوا بالعمل ليصبح الامر مما لا رجعة فيه .فنرى ذلك الكتاب الذي ما ترك كبيرة ولا صغيرة إلا أحصاها قد أحصى علينا حتى انفعالات النفس وتقلبها من حال لحال متأثرة بما يحيط بها من الظروف تهم بالخير فإن لم تفعله فالتقهقر يكون من نصيبها لذا قال لنا . . . . وآتوا حقه يوم حصاده .والله العالم
https://telegram.me/buratha