بقلم : محمد أبو النواعير ..
لنا الحق بأن نفتخر بما توصل إليه بلدنا من مرحلة لا بأس بها في العملية السياسية الديمقراطية, بحيث أصبحت فكرة تغيير الأشخاص غير الفاعلين, ممن هم على سدة الحكم, وإبدالهم بآخرين فاعلين, عملية أكثر يسرا, وأكثر مرونة مما هي عليه الحال في معظم دول المنطقة. إضافة الى أن المواطن العراقي, أصبح اليوم يملك رؤية وصوتا نقديا واضحا, مكنه من تشخيص الأخطاء الممارساتية لرجال السلطة, مع حرية ونباهة في توجيه نقودات قوية, كانت في معظم الأحيان نازعة لثوب البراءة الذي التحف به أغلب السياسيين الجدد, من القائمين على إدارة الدولة والحكومة .ولم يعد خافيا على أحد, أن العملية الانتخابية تعد من أهم مفاصل وأشكال العملية السياسية المعاصرة؛ حيث يتم بموجبها اختيار أشخاص لتولي المناصب العامة, من خلال ما يسند إليهم من قوة تمثيلية تتيح لهم المجال للعمل على تغيير وتكييف الظروف والإمكانات في الدولة, بما فيه صالح لنهوض البلد ورفاهية المواطن؛ هذا يعد تقريبا التعريف أو التوصيف النظري لهذه العملية, إلا أن الموضوع يحمل عمقا أكبر من ذلك وفلسفة شديدة التعقيد, مبنية على عدد كبير من التشابكات المجتمعية والمعرفية, مغلفة في أكثرها بنوازع امتلاك القوة أو حب الهيمنة والسيطرة .العملية السياسية في العراق, عبرت عن مرحلة انتقالية في مفهومها الوظيفي والتمثيلي والممارساتي؛ من حقبة كانت كل الإمكانيات السياسية جامدة ومتوقفة في مسيرها ألزماني, متحركة بشكلها الوحدوي الدكتاتوري؛ إلى مرحلة أصبحت فيها الفواعل السياسية, كثيرة ومتحركة بكل الاتجاهات, فأصبح هناك دور كبير للمرجعيات الدينية والروحية , من حيث المشورة, ومن حيث الحث على الانتخابات أو من حيث التدخل لإصلاح معرقلات معينة في العملية السياسية, إضافة إلى بروز واضح لدور المرأة الحقيقي كفاعل سياسي, وظيفي سلطوي, أو كمشارك انتخابي. ولا يغب عنا, التغيير الحاصل في بنية وهيكلية المجموعات السياسية, وما رافقها من تعددية سياسية, وحرية في صياغة الرؤى والأهداف السياسية, والتعبير عنها من خلال مظاهر تنظيمية سياسية حزبية أو تياريه . ولا يمكننا إن ننكر ما حصل خلال هذه المرحلة الانتقالية, من صدمات وإخفاقات وردات فعل عكسية, وهي حالة تعتبر طبيعية جدا لوضع ولادة جديد, للتخلص من وضع قديم متشبث بقوة, في إداريات العملية السياسية في العراق .. ولم يعد خافيا علينا كيفية بروز دور المواطن العراقي, الذي تم تغييب صوته لعشرات السنين, كفاعل سياسي؛ وقد تحول في ظل نظام جديد إلى مساهم فاعل, في صنع الهيكلية التنظيمية للعملية السياسية, وبناء الدولة العصرية ... فهناك علاقة بين السلطة ومكونات المجتمع في عملية بناء الدولة, إذ أن المجتمعات والدول المعاصرة لا يمكنها بأي شكل من الأشكال رسم حيادا نهائيا وفاصلا تجاه مكونات المجتمع. وهذا الأمر لا يتعلق بالعراق فقط , بل هو أمر يعود إلى التحول الحاصل في مفهوم السلطة ومفهوم السياسة والعلاقة بينهما .. ومن هذا المنطلق, نستطيع إن تلمس شكل التحالفات السياسية القادمة في هذا البلد, خاصة مع وجود قانون سانت ليغو المعدل, والذي سيسمح للكتل المتوسط بالبروز في الانتخابات, كقوى تمثيلية لناخبيها, هذا الأمر سيعمد إلى تغير رسم خارطة التحالفات, فالكتل الكبيرة سوف لن تكون بتلك القوة السابقة التي أحكمت بها السيطرة على مفاصل العمل السياسي؛ إضافة إلى أن نظام القوائم المتبع الآن, سيكون مانعا للكثير من الرموز المسيطرة على العمل الحكومي من إعادة إحكام قبضتها ..إذا نحن الآن أمام متغير جديد, وتغير ايجابي في العملية السياسي في العراق .. فقائمة رئيس الوزراء نوري المالكي, مع ثقلها الوجودي باعتبارها الكتلة الماسكة بالسلطة ومقدراتها؛ إلا أنها ومع ما حصل من إخفاقات كراثية في إدارتها لمختلف ملفات الدولة؛ قد أصبحت في موقف ضعيف, لا يمكنها في رأيي من الحصول على نفس الامتيازات السابقة .. إضافة إلى ما عُرف عن هذه القائمة ورموزها, من استخدام الأساليب الملتوية في تعاطيها مع الخطاب الإعلامي المصدر للجمهور .أما بالنسبة للكتلة الصدرية, فمع أنها في هذه الدورة الأخيرة, وعلى مدى 4 سنوات؛ لم يصدر عنها أفعال وممارسات سلبية, يمكن أن تحسب عليها كما حصل في الدورة السابقة, إلا أني أرى أنها قد مرت في هذه المرحلة, بحالة جمود وظيفي؛ فلم تكن بتلك الحركية والفاعلية التي تدعيها في شعاراتها المرفوعة, بل أنها مرت بمرحلة ضبابية الهدف, وارتباك الخطاب؛ فمن مفهوم الدولة الإسلامية كمشروع تبنته, إلى مفهوم الحقوق المدنية وملف الخدمات, الذي لم تحسن قيادته بالشكل الأمثل .. فوضعت نفسها في موقف الارتباك وازدواجية الخطاب .. إضافة إلى ما شاب بعض شخصياتها, من سوء إدارة الملفات المناط بهم في الدولة .. أما كتلة المواطن؛ فمع انها بقت ولسنين أربع, بعيدة عن مصدر التأثير والقرار, إلا إن إعلانها عن النهوض ومحاولة التغيير, وتبني رؤى عصرية لا تتعارض مع الثوابت الدينية, في أهدافها المشروعية لإقامة دولة عصرية عادلة؛ إضافة إلى قيامها وعلى مدى السنين الأربع الماضية, بدور تشخيصي ودور رقابي واضح, لكل الأخطاء والإخفاقات الحاصلة في العملية السياسية, إلا أني أؤشر وجود مشكلة كبيرة في هذا التيار, من ناحية التصدير الإعلامي الحرفي لأفكار مشروعه؛ إضافة إلى اعتماده فقط على محبوبية ومقبولية واحترام رموزه العليا في قلوب الناس. فأدواته الإعلامية باقية كما هي, ولم تكن ناجحة في رأيي الى الآن, في تصدير وعي بمفهوم الدولة العصرية العادلة, بحيث يكون هذا التصدير الإعلامي, كبديل لحالة اليأس والإحباط الذي أصاب الكثير من المواطنين؛ علما أن مضامين مشروع الدولة العصرية, الذي عملت على نحته وإنشائه كتلة المواطن؛ هي مضامين عالية ومتلائمة مع طبيعة ووضع وحالة وظرف بلد كالعراق, مع تلائم جميل جدا مع الثوابت المجتمعية والأخلاقية ..ما أتوقعه من خارطة التحالفات القادمة, لن تخرج عن تداخل وتشابك المصالح والرؤى, فلن نستطيع أن نعزل الجانب البرغماتي عن بعض أحزاب السلطة المحبة للغايات النفعية, فهي أطراف موجودة؛ ولن نستطيع كذلك إلغاء وجود الأحزاب والتيارات, ذات البعد والمشاريع القائمة على مفهوم بناء دولة المؤسسات .. ولكني أرى أن تقارب وتباعد هذه الأطراف في الانتخابات, سيحكم بعوامل متعددة, أهمها ما يحصل عليه كل طرف من أصوات, يرسم خارطة القوى الجديدة . ولكن على العموم أرى أن التيار الصدري, قد أصبح بعيدا جدا عن كل متبنيات دولة القانون, ولا أعتقد أن من مصلحة هذا التيار إعادة تحالفه مع القانون, وإذا نجح التيار في هذه الدورة من التنصل من مسؤولية إخفاقات الأداء الحكومي, لا أعتقد أن تحالفه الجديد مع القانون, سيمكنه هذه المرة من الخروج من طائلة الإتهام الشعبي والجماهيري .. أما بالنسبة لدولة القانون, لا أعتقد أن معطيات الواقع تجعله قريبا من الحصول على رئاسة الوزراء, أو مناصب وزارية مهمة؛ لذا فأستبعد أن يغامر التيار الصدري بوضع يده مرة أخرى, مع جهة لم تعد تملك تلك المصداقية في القول والعمل, بل وأعتقد أن ذلك يعد انتحارا سياسيا للتيار .. أما تحالف التيار مع المجلس الأعلى وكتلة المواطن؛ وإن كان في رأيي فيه عدد من السلبيات؛ ولكني أراه هو الأقرب الى الحالة الصحية, فكلا التيارين أقرا بأن لديهم أخطاء في الأداء, استوجبت منهما إعادة الهيكلة وإعادة الخطاب السياسي الموجه, وتجديد النمطيات لكليهما .. إضافة الى تقارب التيارين من حيث الأهداف المشتركة, أو الغايات النهائية, مع توافق ما يحمله كلاهما, من أسس فكرية سياسية وعقائدية ..يبقى كل ما قلناه هو عبارة عن تكهنات وقراءات للظاهرة السياسية في العراق ... ويبقى انتظار نتائج الانتخابات, ومدى إقبال الناخب العراقي على صناعته لمستقبله السياسي, هي المعيار والأساس في رسم التشكيلة السياسية والحكومية الجديدة .. وما نتمناه هو العمل بروح الفريق الواحد, وهذا هو في اعتقادي, ما تفتقده العملية السياسية في العراق, كمقوم من مقومات نجاحها ..
محمد أبو النواعير - ماجستير فكر سياسي أمريكي معاصر- باحث مهتم بالآديولوجيات السياسية المعاصرة
https://telegram.me/buratha