حسين الركابي
تعاقبت على العراق منذ فجر التاريخ إلى يومنا هذا عدة ملوك، وحكومات، وأحزاب، وشخصيات معظمها تسلك مسار واحد، وهؤلاء الحكام يعدون إن الحكم أو إدارة الدولة نفعي ورأس مالي، وصقلت نظرتها ضمن هذا المنظار الضيق؛ فلذلك نرى على مدى هذه العصور السالفة إلى يومنا هذا معظم الحكام تنظر إلى قيادة الأمة من هذا الباب. لكن هناك في المقابل قيادات كبيرة تمتلك الرؤية الثاقبة، ولا تزل أقدامها عن المسار الصحيح، وتقود أمه بعلمائها، ومفكريها، وأساتذتها؛ وهي لا تملك المال أو السلاح، وليس لديها ثكنات عسكرية، أو ترسانات بحرية، واستطاعة إن تقود أمه وشعوب على مر التاريخ، وهي المرجعية"الشيعية" التي اؤتمنت على منهج رسول الله(صلي الله عليه واله) ورسالته السماوية، وحافظت على بيضة الإسلام رغم كل الظروف التي مرت بها من قتل، وتهجير، واعتقالات على يد الحكام، والطغاة الحاكمة آنذاك. هؤلاء الحكام الذي أرادوا تجهيل المجتمع، وجعله همج رعاع ينعقون خلف الحاكم مهما كان حكمه أو منهجه، وكل حكومة من تلك الحكومات المتعاقبة نجدها تقتفي اثر السابقة؛ وان اختلفت الوجوه، أو الأساليب، أو طريقة القيادة؛ فمنهم من يحكم من خلال الحصار وتجويع الشعب، ومنهم من يحكم بإدخال الشعب في حروب داخلية وخارجية، ومنهم من يحكم بالطائفية، والحزبية، ويختزل الشعب جماعات، وقوميات متناحرة، ومنشغلة في ما بينها؛ حتى وصوله إلى غايته وما يصبو إليه. فإذا توحد الشعب على رؤية موحدة، وسلك المسار الصحيح لا شك هذا الأمر يهز مضاجع الحكام، والمنتفعين من تلك الأمور. فالمرجعية الشيعية أثبتت على مر العصور السالفة منذ الغيبة الكبرى للإمام المهدي(عج) إلى يومنا هذا هي المسار الصحيح الذي خالي من الشوائب، والمصالح، والإطماع التي يتداول فيها معظم ساسة العراق اليوم؛ وهي أول من حارب التخلف في المجتمع، والانحلال الأخلاقي، والاجتماعي. فأصحاب المصالح والإطماع الشخصية ينظرون إلى تصريح المرجعية من منظار المصالح الحزبية، والمكاسب الشخصية، ونرى بعض الأحزاب الحاكمة اليوم تتعامل بهذا الأسلوب؛ فتارة تتهم المرجعية وتوجة وابل من التصريحات التسقيطية، والاتهامات، والتشكيك في أنسابهم، والطعن في وطنيتهم، وبين الحين والأخر يجري الحديث عن تسفيرهم إلى بلدان أخرى؛ وتارة أخرى نرى نفس الأبواق تدافع عن المرجعية وتجعلها المثل الأعلى عندما تطلق المرجعية مشروع، أو مصلحة عامة تنسجم بعض الأحيان مع مصالحهم. تلك السياسة النفعية التي تبنتها الحكومة الأموية منذ عام 60 هــ وتلتها الحكومة العباسية، والحكومة البعثية، واليوم يحاول بعض السياسيين العراقيين بعد 2003 إن يركب هذه الأمواج التي حاربت العلم والعلماء، ووقفت عائقا طيلة تلك العقود أمام التقدم، والتطور، وبناء الإنسان، والأوطان...
https://telegram.me/buratha