الحق المهتضم
إن الذي نعرفه من منهج الدراسة في الحّوزات العلمية هي الدروس المباشرة و البحث بعد الدرس و تقريرات الإستاذ .و أخيرا ً الشهادات العلمية للمراجع الذين حضر عندهم الطالب . و هذه من البديهيات . و لكن أن يواصل طالب الحوزة ( على وجه الخصوص ) و ليس طالب الدراسات الأكاديمية دراسته عبر الأنترنيت فهذا لم نسمع به من قبل ! إلا ّ أن يكون ( مراجع الأنترنيت ) يواكبون العصر و الحضارة بخلاف ( الحوزة المتقاعسة المتكاسلة التي لا تشعر بالمسؤولية ) لذلك ليس غريبا ً أن تسمع أو تقرأ عن هؤلاء كلمات البهتان و الإستخفاف و الإزدراء بالآخرين !لأن أفكارهم تشبّعت بما يدور في شبكات و مواقع الأنتريت من دبلجة و إتهام و منطق سخيف أسخف من عقولهم و هو منطق غير مسؤول . و هذا ما نسمعه هذه الأيام من هتك الحرمات و التطاول على رموز الشيعة المتمثل بالمرجعية التي هي إمتداد طبيعي لمذهب أهل البيت الأطهار ( ع ) . و يعزو هذا المتصابي عدم الوعي الديني للمجتمعات الإسلامية و الإبتعاد عن المنبع الصافي و نهج أهل البيت الأطهار ع هو تقصير هذه المرجعيات التي لم تقم صلاة الجماعة و لم تعرف غير مسائل الحيض و النفاس على حدّ تعبير البعض .و هنا أود أن أضع بين يدي القارئ الكريم في الردّ على مثل هذه التخرصات لضعاف النفوس و اللاهثين وراء الشهرة و طلب أمر ٍ يختاره الله و ليس بإختيار البشر ( الله أعلم حيث يجعل رسالته ) . ما قام به الإمام الخميني ( قده ) بعد رحيل المرجع الديني السيد البروجردي حيث أُثيرت قضية الأعلمية والمرجعية ورأى الأعداء أن السُبُلْ مُمَهَّدة لتضخيم هذه الأفكار المنحرفة ولإذكاء هذه النزاعات والصراعات فكان الرد حازماً من السيد الخميني ( قده ) الذي قضى على هذه الضجة وأطفأ نار هذه الفتن لأن البعض حاول أن يُصور السيد الخميني على أنه يسعى إلى التصدي لزعامة المرجعية فكان جواب السيد الخميني ( قده ) قاطعاً إذ قال :(( إني أحد طلاب العلوم الدينية وإني لأقبل أيدي الطلبة والعلماء وليعلم كل مَنْ يتعرض إلى المراجع بأنه خارج عن ولاية الله )) لمحات من حياة الإمام الخميني / ص 220 .و أحببت أن أضيف تجربة أذكرها بمرارة كلما سمعت نقيق أو نعيق البعض ممن يتطاولون على المراجع ـــو أشدها مرارة ممن يدعّي الإنتساب للحوزة من المتردية و النطيحة و يرتدي ( العمامة ) التي لم تزدهإلا ّ ضلالا ً و سقوطا ً في الهاوية .في عام 1972 كان لي صديقاً ( مسيحياً من أبناء الموصل يُدعى صموئيل صليوا ) طيبّ القلب و لطيف ،يراعي قواعد الأدب و يحترم المشاعر و إن إختلف معها . و كان برتبة ( شمّاس ــ و الشَّمَّاسُ من يقوم بالخدمةِ الكنسية . ومرتبته دون القسيس ) و كنا كثيراً ما نناقش قضايا عامة و حوار الأديان بكل أدب دون المساس بدين أو مذهب أو عقيدة . و في بعض الجلسات خطر ببالي سؤال ــ و ليتني لم اسأله إذ لا زلت كلما أتذكره يصيبني شعور بالتقصير غير المتعمد ــ وهو كيف يتمكن الراهب أو الراهبة في الإحجام عن الزواج و هو سّـنة الحياة و منه تستمد إستمراريتها ؟و هنا إنفجر صديقي غاضبا ً و خرج عن هدوئه و صمته و إتزانه و صاح بوجهي :إني طيلة فترة علاقتنا و صداقتنا الحميمة لم أنظر إليك إلا ّ بالإحترام و الأدب و تبادل الآراءو لكن إسمح لي أن تنتهي هذه العلاقة .و فعلاً إنتهى كل شئ بسؤال ٍ لم أعني به الإساءة .بل هو مجرد وقوف على حقيقة هذا الأمر من أهله بإعتبار أن (صموئيل)رجل دين مسيحي و الأمر يُسـئل عنه أهله .و محل الشاهد هنا . أن هذا الصديق الذي لا زلت أتذكره اُكبر فيه غيرته على دينه و سمعته .علما ً أنه يعرف أني لم أقصد الإساءة لا الى الدين المسيحي أو لشخصه أو للكنيسة .و كم كنت أتمنى إن نتعظ بحكم الرسول الأكرم ص أو أهل بيته الأطهار ع و نراعي الحرمات من أن نهتكها .و لنقف قليلا ً على درر هذه الحكم للتذكرة فإن الذكرى تنفع المؤمنين .قال رسول الله (ص) :( لقد أسري بي ، فأوحى الله إليّ من وراء الحجاب ما أوحى ، وشافهني من دونه بما شافهني ، فكان فيما شافهني أن قال يا محمد ! ... من آذى لي ولياً فقد أرصدني بالمحاربة ، ومن حاربني حاربته ، فقلت : يا ربّ ومن وليك هذا ؟!.. فقد علمت أنه من حاربك حاربته ، فقال : ذاك من أخذت ميثاقه لك ولوصيك ولورثتكما بالولاية ).و قال الإمام الصادق (ع) :( من روى على مؤمن رواية ، يريد بها شينه وهدم مروته ليسقط من أعين الناس ، أخرجه الله من ولايته إلى ولاية الشيطان ، فلا يقبله الشيطان ) .و بودّي أن اضيف درساً ً من طفل ٍ عراقي في الثانية عشر من عمره كان يدرس في مدارس إبتدائيةأفتتحت في ( مخيم رفحاء السعودي للاجئين العراقيين ) إتفق أن زار ضابط برتبة كبيرة المدرسة و جرى ذكرالإمام الخوئي ( قده ) فأساء الضابط للإمام الخوئي ( قده ) صمت المعلم الذي كان عراقيا ً ( شيعيا ً ) و لم ينبس ببنة شفة ! فقام الطالب و توجه الى الضابط قائلا ً : إن مذهبي لا يسمح لي بالإساءة و إلا ّ كنت رددت عليك ، و لكني اخاطب المعلم : لماذا لم يردّ عليك لأنه يخاف على كم ريال من راتبه الذي تدفعوه له . ؟ و كانت هذه صفعة مؤلمة للضابط الوهابي الذي ما كان يتوقع أن يتلقى هذا الصفعة من شبلٍ شيعي غرس فيه هذا الولاء البرئ الصادق ، و كذلك هي درس بليغ لذلك المعلم الذي تزلف و سكت عن نصرة مذهبه بل خذله لئلا يحرم فتات بني قريظة .و لنا وقفة اخرى مع شـّـذاذ الآفاق من الأفاكين و الذين لا هّـم لهم إلا التطاول و لم يسلم من ألسنتهم كل مؤمن .و هم يعلمون أن السيد السيستاني أرفع و أعظم شأنا ً من أن يتنــّـزل الى مستويات هذه النكرات من خفافيش الظلامالذين باعوا دينهم لأجل شهوات نفسية . وهم أعلم من غيرهم بأن منصب المرجعية لا يأتي ببطاقة إنتخاب ،أو ترشيح حزبٍ عاش على سحت أموال اليتامى و الشهداء ، أو مفوضية كي يرّشح( إستاذا ً في العلوم السياسية حصل على شهادته في زمن الطاغية ، أو واصل دراستهو حصل على ما لم يتمكن عليه غيره ممن لم يسلم من سطوة النظام البائد و سيده الهالك )و كيف تدّرج هؤلاء بالوظائف الهامة التي كانت حكرا ً على الرفاق من عبيد عفلق و إبن العوجة ؟ .و ليتهم سكتوا حتى لا تنكشف أو يكشف المجتمع عوراتهم و تظهر سوآتهم ،و تفتضح سرائرهم قبل أن يفضحها الله يوم القيامة .
https://telegram.me/buratha