كلنا يتذكر ان شرارة تدويل الفكر الوهابي التكفيري انطلقت اثر الغزو السوفيتي لافغانستان، وبعد انتصار الثورة الاسلامية في ايران عام 1979، بينما كان قبلها محصوراً بين السعودية وباكستان والاتجاهات القطبية في مصر.
بدأ التدويل عندما طلبت الولايات المتحدة من حليفتها الايديولوجية المملكة السعودية تقديم العون للفصائل الافغانية في مواجهة السوفيت بمساعدة شقيقاتها الخليجيات وباكستان ومصر والاردن، ابرز حلفاء الغرب في المنطقة لانشغال تركيا بوضعها الداخلي والعراق بحربه المفروضة على ايران.
ففي تلك الفترة زرعت بذرة طالبان والقاعدة والجماعات التكفيرية المقاتلة في كل البلدان الاسلامية.. حينها لم يكن الافغان بحاجة الى مقاتلين اجانب، فقط مساعدات او على حد قول احد قادة الجهاد الافغاني: اجرة ومصرفات الجهاديين العرب، الذين كانوا يتحولون الى عالة على المقاتلين الافغان! لكن الاميركي والسعودي والباكستاني كانوا يفكرون بشئ اكبر، شئ مثل: قنبلة نووية بشرية او سلاح جرثومي عقائدي، بامكانه ان يدير الصراع العالمي والاقليمي لاحقاً!!
وهو ما صرحت ببعضه رئيسة وزراء باكستان المغدورة " بي نظير بوتو" بعد سنوات عندما قالت ان طالبان صناعة اميركية بريطانية باكستانية سعودية!
وايضا الجميع يعرف الفلسطيني عبد الله عزام الذي يعد الأب الروحي لاسامة بن لادن مؤسس القاعدة ومعروف من دفع بهم وامدهم بالفتوى والمال، فالكثير من هؤلاء المفتين والمبشرين بالجنة والحور العين والغداء مع النبي (ص) لايزالون بين الاحياء ولايزالون يخرجون بفتاواهم الشاذة على قنوات الفتنة، وان كانت الفتاوى الجديدة تغيرت بوصلتها الى العراق والشام ومصر مؤخرا، وبعض استحال من التكفير والقتل الى جهاد النكاح وشرعنة الادوات الجنسية وعدم جواز قيادة السيارة من قبل المرأة وضرورة ان لا تلمس النساء الخيار والجزر قبل تقطيعه...!!!!
ان جميع الدلائل وبما يقطع الشك، تشير الى ان تنظيمات مثل طالبان والقاعدة وأخواتها قامت على اساسين رئيسيين، هما:
1 ـ حاجة وطلب اميركي ـ غربي، لتهديد الامن القومي الروسي والصيني ولصناعة نموذج اسلامي مزيف بنسخة سنية لمواجهة النموذج الاسلامي الايراني الاصيل ذو الأسس العقائدية والفقهية الشيعية، والذي فاجأ الغرب بأنتصاره في ايران وأخل بالمعادلة السياسية والامنية في الشرق الاوسط.
2 ـ عقيدة وفتاوى نجدية واموال خليجية وخبرات قتالية واستخبارية مصرية وباكستانية واردنية..
وعلى اساس ما تقدم، يصبح الحديث عن مكافحة الارهاب والاصولية من قبل الاميركيين مجرد "كذبة"، فمصلحة الاميركيين والغربيين بوجود هذه العصابات المرتبطة بالنهاية بوكالة المخابرات المركزية الاميركية وسائر اجهزة المخابرات الدولية والاقليمية.
ولعله من المضحك ان نسمع اليوم ارسال شحنات اميركية الى العراق لمواجهة داعش (حتى لو كان الشعب العراقي يدفع ثمنها) او مهاجمة طائرات بدون طيار أميركية لبؤر ارهابية في باكستان واليمن، لان قائمة المصالح الاميركية طويلة مع هذه التنظيمات الارهابية، واليكم بعضاً منها:
1 ـ مواجهة النفوذ الروسي والصيني وتهديد امنهما القومي من خلال الاقليات المسلمة الموجودة فيهما والتي ترتبط بدورها بمراكز التبشير الوهابي في السعودية وباكستان ومعسكرات التدريب في تركيا والاردن.. بدون ان تتحمل الولايات المتحدة وسائر البلدان الغربية تبعات الصدام المباشر مع روسيا والصين.
2 ـ بناء نموذج اسلامي متطرف يستطيع تشويه الاسلام الاصيل والثوري الحقيقي المنطلق من ايران الثورة الاسلامية، من خلال الشعارات الجهادية اولا، والدفع بالتناقضات الاسلامية والفتنة الشيعية السنية ثانياً.
3 ـ ملئ الفراغ الايديولوجي الذي تركه انسحاب المعسكر الاشتراكي من ساحة المواجهة الدولية مع الرأسمالية الغربية، وصناعة عدو وهمي، مسيطر عليه تأسيساً لمشروع صدام الحضارات الذي اعلنه صموئيل هانتينغتون اواخر ثمانينيات القرن الماضي.
4 ـ استمرار التواجد العسكري في المنطقة والسيطرة على مصادر الطاقة بما يوفر هيمنة على كل العالم الصناعي المستهلك لطاقة الشرق الاوسط، وايضاً لدعم سياسات حلفاءها في مواجهة اي مشروع اقليمي أخر يتعارض مع مصالحها، وبذريعة مكافحة الارهاب.
5 ـ استنزاف مصادر وثروات البلدان الاسلامية من خلال نقل الصراع الدولي اليها، او بعبارة اخرى تدجين النزاعات تحت مسميات وعناوين جديدة( قومية وطائفية)، وجعلها افقية بين المكونات الموجودة في المنطقة الاسلامية، بما يفتت هذه الكيانات ويجزئ هذه البلدان اكثر، وذلك لضمان أمن الكيان الصهيوني في مواجهة حركة الصحوة.
6 ـ افشال مشاريع مناهضة الاستعمار الغربي الجديد او الأمركة من خلال الصاق تهمة الارهاب بها، وتشكيل محاور لمناهضتها وضربها.
وعندما يتحدث الاميركيون والغربيون عامة بشكل صريح عن الدعم السعودي والخليجي والتركي و... للجماعات المتطرفة والتكفيرية، التي وضعت كل جهودها من اجل محاربة المسلمين والتغاضي عن العدو الرئيس والاول للامة الاسلامية والعرب والاحرار ( الكيان الاسرائيلي) يتبادر بسرعة هذا السؤال: لماذا لا يضغط الغربيون وخاصة الاميركيون على هذه الانظمة التابعة لهم بوقف الدعم للجماعات الارهابية؟!
فهل يعقل ان تعجز اميركا عن الضغط على السعودية وقطر وتركيا وباكستان من اجل وقف دعمها للارهاب والتصدي له؟! بصراحة مثل هذا الفرض يكون مزحة سخيفة والجميع يعلم ان الولايات المتحدة تتدخل في تسعيرة برميل البترول في "اوبك" وفي تنصيب هذا الامير واقالة ذاك، وحتى في سياسات المؤسسات الاعلامية الخليجية والمناهج الدراسية في هذه البلدان!!
كيف يعقل ان اميركا والغرب يحاصرون الجمهورية الاسلامية لمجرد انهم يشكون بسلمية البرنامج النووي الايراني، قبل ان يوقد بمفاعل بوشهر مصباح كهربائي واحد! في حين ان "السلاح الجرثومي الوهابي" يقتل ويذبح وينشر الفوضى على مرأى ومسمع العالم باجمعه دون ان تمس اميركا مصادره!!
بالله عليكم.. لا اقول ايران، ماذا لوكان علماء الوهابية في الجزائر بدل السعودية وكان الــ 16 ارهابياً سعودياً في حادثة الحادي عشر من سبتمبر(من مجموع 19 ارهابي هو العدد الكلي) جزائريين؟! هل كانت الجزائر تسلم من الغزو او على الاقل الضربات الصاروخية الاميركية وبلدان حلف الناتو؟!!
فلماذا لم تضرب السعودية؟!! لماذا هاجموا افغانستان والعراق ونسوا السعودية وشقيقاتها؟!
الاجابة واضحة.. كانوا يريدون نشر هذه الحالة اكثر من خلال توزيع من كانوا موجودين في افغانستان.. ومن خلال تفريخ عدد اكبر منهم في الحواضن الخليجية.. ولذلك لم يعاقبوا السعودية.
بالعكس منحوها دوراً اكبر في اليمن والازمة السورية والوضع المصري، على حساب قطر وتركيا، لان الاخيرتين لا تستطيعان تقديم اداء وهابي مميز!!
ان المعالجات الجزئية الاميركية والغربية لمقولة الارهاب والتصدي لبعض مفرداته هنا وهناك، دليل دامغ على ان الارهاب صناعة اميركية ممتازة ولا تزال تشعر بالحاجة اليه لضرب بعض البلدان ضمن استراتيجية عامة واهداف مرسومة من قبل في دوائر صناعة القرار لديها، وهذا اخر مانشرته وسائل الاعلام عن حقيقة الموقف الاميركي من الارهاب في سوريا " الـ"سي آي إي" تدير برنامجاً سرياً لتدريب المسلحين في سورية وواشنطن تدرس استئناف المساعدات غير الفتاكة للمعارضة...".
لذلك فان كل من يراهن على موقف أميركي واوروبي لانهاء الارهاب والتطرف الوهابي في المنطقة واهم ومخطئ.. الحل يكمن فقط في ضرب حواضنه وتجفيف مصادره ومعاقبة البلدان التي تصدره.. والسلام
..................................
21/5/140112 / تحرير علي عبد سلمان
https://telegram.me/buratha