طارق الاعسم
لمن لايعرف جزاء سنمار نقول: أراد النعمان ملك الحيرة (وهو من لخم هاجر للعراق من اليمن) أن يبني قصراً، يفتخر به على العرب، ويجعله في خدمة ملك الفرس, ووقع اختيار النعمان على سنمار لتصميم وبناء هذا القصر، وكان سنمار هذا آرامياً نبطياً من سكان العراق الأصليين، وهو مهندس بارع في البناء..إستغرق سنمار في بناء هذا القصر عشرين سنة، وهو المعروف بقصرالخورنق، وكانت الناس تمر به وتعجب من حسنه وبهائه, وحين انتهى سنمار من بناء القصر جاء النعمان ليعاين البناء, وأستعرض القصر وطاف بأرجائه، و يزعم كتاب السير أن سنمار قال للنعمان: إني أعرف موضع آجرة - يعني حجرة أو طوبة - لو زالت انقضَّ القصر من أساسه ! فقال له: أيعرفها أحد غيرك؟ قال: لا. قال: لأدعنَّها وما يعرفها أحد فأمر به فرمي من أعلى القصر فقضى نحبه.) ، فسقط سنمار وهو يقول في انفاسه الاخيرة: جزاني لا جزاه الله خيرا إن النعمان شرا قد جزاني, ومن يومها ضربت مثلاً عن الغدر فيقولون (جزاء سنمار).هذا المقال ليس مديحاً وان كان المعني بالقول يستحق كل الثناء والتقدير, ولكن الهجمة الشرسة التي يتعرض لها تيار من الرجال الصالحين والمصلحين هذه الايام تتطلب وقفة للتاريخ في حق اناس يبذلون المستحيل في سبيل اعلاء وطنهم ثم يجازَون جزاء سنمار.اُريدَ لبشير الوندي ان يكون وزيراً للداخلية فرفض الامريكان حسبما قيل آنذاك , فاصبح وكيلاً لشؤون الاستخبارات بالوزارة, وكانت هنالك مشكلة خطيرة في ايام العنف الطائفي تتمثل في مساومة الارهابيين واخراجهم من الاعتقال مقابل مبالغ خيالية فتولى حينها الوندي مهمة الحفاظ عليهم ومنع تسربهم.وفي احد الايام وردت معلومات عن شبكة تجسس اسرائيلية تعمل في العراق من داخل المنطقة الخضراء وبرعاية امريكية تحت غطاء شركة نجران(بالمناسبة فان نجران هي موطن اليهود في الربع الخالي تاريخياً) ويرأس الشبكة فلسطيني امريكي الجنسية اسمه فادي دخل مع القوات الامريكية كأحد مساعدي جي غارنر.تمت موافقة وزير الداخلية الاستاذ بيان جبر صولاغ ورئيس الوزراء الجعفري آنذاك على ان يتولى اللواء بشير الوندي مهمة القاء القبض والتحقيق مع الشبكة.كانت المهمة شبه مستحيلة ,فالوندي كان ممنوعاً (!!!)من قبل الامريكان من دخول المنطقة الخضراء المحصنة , رغم انه الوكيل المساعد لاستخبارات الداخلية, ورغم تقديم الوزارة لعشرات الطلبات بشأن اصدار تصريح دخول له, ولكن الاوامر من السي آي أي كانت صريحة بالمنع.لاأحد يدري للآن كيف استطاع الوندي من تنفيذ المهمة وخطف فادي وشركاءه السبعة من مقر شركتهم في داخل المنطقة الخضراء المطوقة من القوات الامريكية , وقيل الكثير حول الطريقة التي تمت بها العملية الفذة على يد رجال مجهولين يقودهم الوندي بنفسه , ورجح البعض انه خطفهم عن طريق دجلة ,ولكن الاكيد في الامر ان لاأحد يعرف على وجه الدقة تفاصيل عملية اعتقال سبعة اشخاص وتهريبهم خارج الخضراء ,كما ان الوندي يرفض الى الان الكشف عن الوسيلة التي خلعهم فيها من عرين الاسد,وكان يبتسم ابتسامة غامضة كلما سُئل عن ذلك(وهذا الامر اثار بعد انسحاب الامريكان من العراق حفيظة البعض ممن ظلوا الى اليوم يستشعرون بخطره عليهم رغم تحصنهم!).جيء باعضاء الشبكة الى ملجأ الجادرية وتم التحقيق الاصولي معهم وصدقت اقوالهم قضائياً , وسجل الوندي اعترافات فادي زعيم الشبكة الذي اعترف فوراً بانه عضو في الموساد الاسرائيلي وسجل الاعتراف على سي دي (والسي دي موجود في مكان لايعلمه الا الله والراسخون في العلم).كان فادي محترفاً ويعلم كيف يتصرف في هذه المواقف ويعلم ان لافائدة من الانكار , وكان مجمل ماإعترف به ,ان شبكة الموساد التي استلمها كانت تعمل منذ عام 1991 في العراق وانه تولى ادارتها بعد سقوط نظام صدام حتى القبض عليه.بعد 24 ساعة جن جنون الامريكان من اختفاء فادي وشبكته من مقر شركة نجران, وجرى البحث في كل السجون والمعتقلات العراقية ووردت معلومات لهم انهم قد يكونوا محتجزين في ملجأ الجادرية(والملجأ بالمناسبة لم يكن معتقلاً سرياً كما يدعي البعض بل كان معتقلاً علنياً بعلم الادارة الامريكية وفيه قاض تحقيق ويحوي اخطر الارهابيين وعددهم يربو على ال118 ارهابي خطير وقوائمهم موجودة لدى الامريكان ولم تكن تمر ليلة دون ان تأتي القوات الامريكية للملجأ للتأكد من سير التحقيقات)الخطير في الامر ان احد قادة الجيش الامريكي في بغداد وهو الجنرال (هورس) كان يهودي الجنسية وكان المهتم الاكبر بالافراج عن فادي وشبكة الموساد , وبالفعل ذهبوا للاستفسار من وزير الداخلية وابلغوا الوزير بانهم يبحثون عن فادي ثم ذهبوا مباشرة الى الملجأ وطوقوه واخرجوا فادي وعصابته (والغريب انهم اخذوا مع عصابة فادي احد المعتقلين العراقيين وتهمته السطو على احد المصارف وسرقة بضعة ملايين من الدولارات!).لم يكن بشير الوندي في الملجأ ساعتها, كان الامريكان بحاجة الى بروبغندا اعلامية للتغطية على شبكة الموساد الاسرائيلي , فانطلقت الاصوات المسعورة في حملة شارك فيها الامريكان والاسرائيليون من خلال عملائهم , وانطلت على الكثير من الساسة والعراقيين حول وجود معتقل سري اسمه معتقل الجادرية , ونسج الاعلام الامريكي القصص حول الملجأ ووجد الارهابيون (واعضاء من الحزب الاسلامي وبعض النواب كعدنان الدليمي وخلف العليان وطارق الهاشمي مدعومين من دول الجوار) ان فضيحة ملجأ الجادرية (!!!) فرصة سانحة لتلطيخ سمعة الحكومة بالوحل واتهامها بذبح السنة (كذا!!), فتلقفوا القصة الامريكية حول سرية الملجأ وطبلوا لها , وصنعوا رأياً عاما يهلل ويهول, وتشكلت لجنة تحقيقية حول الملجأ, ولكن احداً لم يجرؤ بالحديث عن شبكة تجسس الموساد اطلاقاً, وبالفعل انطلت الكذبة الكبرى على الكثير من البسطاء الى اليوم. وللامانة فقد كان موقف الدكتور الجعفري شجاعاً في مؤتمره الصحفي حيث اشاد برجال ملجأ العامرية وحاول بكل جهده ان يدافع, لكنه هو الاخر لم ينطق بكلمة واحدة عن شبكة التجسس الاسرائيلية.اما اللواء بشير الوندي فجلس في بيته, ولم يجرؤ الامريكان على المساس به او اعتقاله (ولو صح ماقالوه حول الملجأ لكان الاولى اعتقال المسؤول الاول عن القضية ) لعلمهم بان مثل هذا التصرف سيجر عليهم وبال نشر سي دي اعترافات فادي في الاعلام.بقي الوندي منذ ذلك الوقت (عام 2006 اي اواخر حكم الجعفري) مجمداً في منزله, لايسند له اي منصب بحجة جاهزة مفادها (ان الامريكان لايرضون باسناد اي منصب له), وبرغم انسحاب الامريكان بعد سنوات من تجميده ورغم التوصيات الكثيرة استمر التملص من اسناد المناصب اليه فأمريكا (كالريمونت كونترول ) يمكن ان تزعل عن بعد وقد تغضب عن بعد.لم يبخل الوندي طيلة فترة السبات تلك عن اية استشارة حكومية فيما يخص الامن والاستخبارات من علمه الغزير, رغم مايراه من حوله من رتب تعطى جزافاً , حتى اصبح عقداء الامس برتبة فريق (وهو يحمل لعشرة سنين رتبة لواء ركن دونما ترفيع رغم ان كل محبيه يعتبرونه فريق ركن رغم انف جداول الترفيع) , حتى صار العراق من اكثر الدول في العالم التي تمنح رتبة فريق , وكان ضباط النظام السابق والبعثيون يتسنمون من حوله اعلى المناصب واخطرها وهو في مكانه (محلَّك سر) , ورغم ذلك لم ينحن مدركاً ان احد اخطر عيوبه انه لا يتوانى عن الرد والممانعة والاعتراض وهي صفات منبوذة في هذا الزمن الرديء (روى لي وهو يضحك ملء شدقيه انه في احد الايام كان هنالك اجتماع برئاسة بريمر حول ملابسات استشهاد المرحوم محمد باقر الحكيم , وحضر اللواء الوندي مع الدكتور عادل عبد المهدي , وحين ترجل من السيارة صادف وصوله مع وصول اياد علاوي(رئيس مجلس الحكم آنذاك )، فبادره علاوي بقوله (هلو كرومي) لان الوندي كان يلقب ب(ابي اكرم) فاستهجن الوندي هذه(الميانة الزايدة) واجابه سريعاً (هلو ايّودي) ودلف الى الاجتماع!!.فتخيلوا كيف يمكن ان ينجح مع الحيتان وانصاف الالهة في هذا الزمان؟!انتقل للتأليف ليصدر له عام 2013 اخطر كتاب على الاطلاق في الطرق العملية الكفيلة باستتباب الامن في العراق ضمن رؤية استراتيجية والمعنون بـ (الامن المفقود ..دور الاستخبارات والتنمية في تعزيز الامن)وهو تحت يد القراء في مكتبة الكوثر في المتنبي ورابطه على الانترنيت: http://issuu.com/tariqalaasam/docs/_________________________/0 وسيصدر له في قابل الايام كتاب خطير ومهم عن علم الاستخبارات .اخيراً,وبالتزامن مع التصالح مع البعثيين واعادة ضباطهم للخدمة وبالتزامن مع معركة الانبار وحاجة الدولة لحشد كل الجهود , صدر قبل ايام كتاب رسمي من مكتب القائد العام للقوات المسلحة مخصص باحالة شخص واحد على التقاعد قبل بلوغه السن القانوني وكان هذا الشخص هو.. بشير الوندي !..وانها لقسمة ضيزى.
https://telegram.me/buratha