حافظ آل بشارة
قلت وانا أغادر ضريحه بعد دفنه بلحظات :حيٌ وان ضمت البيداءُ هيكله / قل لي بأي ترابٍ يدفن الجبلُ في مثل هذه الايام من سنة 1988 رحل الى جوار ربه الشهيد السعيد المجاهد ابو ذر الحسن ، كان يحمل هذا الاسم المستعار ، لكي يغب عن أجهزة السلطة ولا عن احد من اخوانه المجاهدين انه المجاهد والمفكر كنعان علوان التميمي ، فالاسماء المستعارة لا تحجب اسماء الرجال ولا تصادر حقيقتهم ، كثير من الشخصيات الكبيرة لا نعرف حجمها الا بعد ان ترحل فتترك ذلك الفراغ الكبير ، وفي العوالم السياسية والاعلامية المزيفة الحافلة بالضجيج قد يسعى المؤمنون واصحاب المبادئ للاعتزال والانزواء هاربين بدينهم ، وقد يلعب الاعتزال دوره في تغييب ذكرهم وهم احياء ، لكنهم يعودون الى الواجهة بعد رحيلهم ليكون حضورهم حضور القيم التي انحازوا اليها وذابوا فيها ، فالاضواء الدنيوية تحقق حضورا جسديا للاحياء لكنها تتحول الى غياب تام بعد موتهم ، اما القيم فقد تغيب وسط الزيف والصراع لكنها تتحول الى حضور قوي بعد رحيل اصحابها ، هذه المعادلة الخالدة تنطبق على قصة نشوء بطل جميل رائع محبوب ذو هيبة وابتسامة آسرة وكاريزما خاصة تهيمن على روح من يراه لاول مرة ، واليوم نرى ان ابا ذر قد تحول الى جيل كامل من المجاهدين والمثقفين ودعاة التغيير ، فهي لقد عرفت ابا ذر في ايام الشباب الاول كان سياسيا بالفطرة ومفكرا ومثقفا وملما بشؤون امته وازماتها ويحمل على عاتقه قضية شعب مظلوم ، كان يكابد ويعاني من هيمنة نظام صدام على العراق ، وقد عملنا ضمن خلية صغيرة من اجل اعادة تنظيم جهدنا بعد ان سحق نظام صدام التنظيمات الاسلامية بمرجعيتها وعلماءها ومساجدها ومثقفيها وكادرها التنظيمي من كل المستويات ، تجربة كاملة التهمتها المشانق والزنزانات والمهاجر ، الا ان محاولتنا اجهضت وتم اعتقال ابي ذر ومجموعة من الشباب ، وقدر له ان يتسلل من سجن التوقيف في معسكر المنصورية عبر قصة فيها الكثير من معاني اللطف الالهي ، ومن هناك غادر الى المهجر الايراني ، وفي اطار المجلس الاعلى وقيادة شهيد المحراب (قدس) تألق ابو ذر وكان لولبا نشيطا يعمل ليل نهار حتى نال ثقة القيادة والمجلس فاصبح المسؤول التنفيذي للمجلس الاعلى ، كنا نلتقي في المقرات الحدودية ضمن عملنا الجهادي ونستعيد ذكرياتنا ، كنا نقف سوية تحت شمس الشتاء في ذلك المضيق الجبلي نرقب المعابر الوعرة التي تكسوها ثلوج شديدة البياض ، حيث يقع خلفها الوطن ، من هناك تبدأ وديان بنجوين ، من الصعب حقا ان يقع العراق خلف جبل تغطيه الثلوج البيضاء تخرقه طرق كطرق النمل يسلكها رجال يحملون بنادقهم وعدة قتال كاملة ويتسلقون الجبل رغم انفه ، من هناك اخترق ابو ذر الجبل نفسه ليشارك في معارك حاج عمران التي خاضها المجاهدون في معركة حرب عصابات قل نظيرها ، لم يجد الصداميون الجبناء الا النذالة في مواجهة هزيمته أمام تلك الاسود الضارية ، فقصفوهم بغاز الخردل ، فلحقت بابي ذر اصابة قاتلة ادت الى انهيار جهازه التنفسي وقلبه تدريجيا حتى استشهد رضوان الله عليه ، لا استطيع ان اصف لحظات تشييعه في طهران ، كان اوسع تشييع نظمه المجلس الاعلى وشاركت فيه جميع الحركات الاسلامية والمهاجرين العراقيين ، وغطته وسائل الاعلام الايرانية والعربية وبعض الوكالات الاجنبية ... ابو ذر الحسن نموذج للحضور الاستشهادي المتألق ، برحيله شعرنا اننا نفتقد رجلا لا يمكن تعويضه ، وانا على المستوى الشخصي شعرت اني فقدت أخا آخر بعد فقدي أخي الشهيد ابو يعرب ، كنت وانا اشارك في تشييعه الى جنة الزهراء (مقبرة طهران الرئيسية) قد اصبحت فريسة لمشاعر مختلطة شعور باليتم ، شعور بالغربة تبرز مدججة بالرعب ، شعور بفقدان كل شيء ، شعور من قتل اهله وعشيرته في لحظة خاطفة . تعزية خاصة بالمناسبة الى أخي وشقيق الشهيد الاستاذ اسماعيل علوان ، والى شقيقته وامتداده في الفكر والصدق والحماس السيدة تهجد التميمي ، وهي مناسبة لاستذكار شقيقه الشهيد حسين علوان رحمه الله .. مدرسة الشهيد ابو ذر الحسن ثمارها شهداء ومثقفون في الأسرة ، وشهداء ومثقفون في الوطن ، انه العطاء الذي لا ينتهي ...
https://telegram.me/buratha