قيس المهندس
ثمة سيناريو ثالث هو الأرجح في ظل غياب الحكمة عن القيادة الأمريكية، فزمان (ولسن) و(ايزينهاور) قد ولى، ومضت معه صناعة الاستراتيجيات السياسية، حتى ان من خلفهم لا يجيدون استخدامها، ناهيك عن صنع استراتيجيات جديدة. فالميدان السوري اخذ يتبلور باتجاه بروز قوى جديدة في جانب المعارضة، شكلتها الجماعات المتطرفة كتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، وتنظيم احرار الشام، بالإضافة الى جبهة النصرة وفصائل إرهابية اخرى، والتي جند لها عشرات الالاف من المقاتلين من انحاء العالم. حيث بدأت تلك الجماعات بشق صفوف الجناح العسكري للمعارضة السورية، كما قامت بالتعرض للبلدات الكردية في الشمال السوري، والاستيلاء على المعابر مع تركيا، مع قيامها بالعديد من الاعمال الوحشية من خطف وقتل، وتفجير للمنازل والكنائس، واغتصاب النساء بداعي جهاد النكاح، مع ما يصدر من منظري تلك الجماعات من فتاوى تكاد تبيح جميع المحرمات الشرعية والإنسانية. وتلك الأفعال تثير حفيظة المجتمع الدولي، وتخل بالأمن الإقليمي. بالإضافة الى ان ورود الالاف من المقاتلين من دول اوربية، يثير خوف وقلق المجتمع الأوربي من عودة أولئك المتطرفين الى دولهم وقيامهم بإعمال إرهابية هناك. وبذلك أصبحت تهديدات تلك الجماعات المتطرفة من الموضوعات الحيوية، لذا نرى ان الولايات المتحدة صرحت بإدراجها لقضية مكافحة الإرهاب في مفاوضات جنيف2. وذلك يجعلنا على يقين بأن تلك التنظيمات المتطرفة أذرعا تديرها المخابرات الغربية، لغرض تحقيق هذا السيناريو.ومن جهة أخرى فان المملكة السعودية، تسعى الى ان تكون طرفا فاعلا في مفاوضات جنيف2، كي لا تخرج خالية الوفاض، وبالتالي تجد نفسها خارج ركائز توازن القوى الإقليمي. فالمملكة دخلت في ميدان الصراع عن طريق تنظيم (الجبهة الإسلامية)، والذي كما تشير المعلومات الى ان تلك الجبهة تتألف من بعض المنشقين عن القوى الأمنية السورية النظامية، وان المملكة السعودية امدت ذلك التنظيم بمئات الضباط والجنود والعشرات من عناصر المخابرات السعودية. ومن المفترض ان يكون تشتت المعارضة السورية وتناحرها من شأنه ان يضعف موقف الولايات المتحدة في المفاوضات، ويقوي من موقف روسيا وحلفائها، لعدم تمكن القوى المتفاوضة من الركون الى موقف موحد للمعارضة. لذلك ستلجأ الولايات المتحدة الى الاستفادة من نقاط الضعف تلك، وضرب المعارضة بعضها ببعض؛ من اجل تمرير فقرة الحرب ضد الإرهاب، وتلك التفاعلات الميدانية تنبئ بالخطر على التوازنات الإقليمية، مما يستدعي التدخل العسكري. لذا فإن المدى المنظور ينبئ باختراق أمريكا لميزان تدخلات القوى في سوريا، عن طريق حلفائها من جهة محور الشمال بدخول القوات التركية لحماية المناطق الكردية، ومن محور الجنوب، والجنوب الشرقي بدعم الجناح العسكري للمعارضة السورية (الجيش الحر)، بالإضافة الى الذراع السعودي المتمثل بالجبهة الإسلامية. ولكي تنفذ الولايات المتحدة ذلك التدخل؛ يتحتم عليها البحث عن السبل التي تجعل روسيا وحلفائها توافق او تصمت على اقل تقدير على تلك التدخلات.بعدها تستمر عمليات مكافحة الإرهاب، بالتقدم والاستيلاء على المناطق التي بيد الجماعات المتطرفة، وبناء استراتيجيات عسكرية وسياسية فاعلة، وإقامة حكومة انتقالية تمثل كافة الفصائل المعارضة، مع ضمان تمثيل واسع للقيادات العسكرية والسياسية المعارضة من البعثيين والعلويين، من اجل طمأنة الطائفة العلوية وبقية الأقليات، وبالتالي كسب الرأي العام؛ مما يضعف ذلك من فرص الرئيس بشار الأسد في البقاء في السلطة، وبذلك تكون الولايات المتحدة قد حققت انتصارا عظيما، وتقدما كبيرا باتجاه تنجيز مشروع الشرق الأوسط الجديد.
https://telegram.me/buratha