بقلم حسن الراشد
لعل من يقرأ العنوان وللوهلة الاولى يشرد به الخيال بعيدا والقول بان تنظيم داعش هو صناعة "صغيرية" نسبة لامام جامع براثا الكبير سماحة
الشيخ جلال الدين الصغير على غرار القول الذي يتكرر اليوم على السن حلفاء المملكة الوهابية بان "داعش" صناعة المخابرات السعودية فيما واقع الصراع على الارض في العراق وسورية يتحدث بعكس هذه البضاعة المغشوشة التي يسعى السعوديون تقديمها للعالم
وللتذكير ان جامع براثا قد تعرض لعدة مرات لعمليات ارهابية كانت تستهدف المصلين وعلى رأسهم امام الجامع العلامة الشيخ جلال الدين الصغير ..
مشروع داعش غير يتيم له آباء كثر يتولى كل واحد منهم بتبنيه حسب متطلبات الوضع الاقليمي والسياسي في المنطقة الا ان مما لاشك فيه ان هذا الاخطبوط الداعشي في الاصل قد خرج من رحم البعث وايتامه ولذلك تجد ان الداعشيين قد انطلقوا من المنطقة الغربية في العراق وبدأت مسيرتهم التدميرية فور سقوط صدام باستهداف المكون الاول في العراق تحت اسم "تنظيم الجهاد في ارض الرافدين"
وكانت عملية تفجير موكب الشهيد الفقيد اية الله السيد محمد باقر الحكيم باكورة العمليات الانتحارية والارهابية في العراق ومن يومها انتشرت ظاهرة المفخخات في العراق وبدأت بضرب الاخضر واليابس واستهداف كل شيء يتحرك على الارض العراقية ولا يستسيغه "الداعش " الاسم الذي كان في طوره الجنيني ورغم جذوره البعثية الا ان السعودية بحكم تقاطع المصالح والاهداف تبنت المولود غير الشرعي ورعته وغذته بالمال والاسلحة وتمويل متكامل لا نقيصة فيه والهدف هو ضرب العملية السياسية الجديدة في العراق والحؤول دون نجاح المكون الاول في ادارته للبلاد
ولم يكن في وقته من كان يقرأ الاحداث جيدا من زاويتها التاريخية سوى اشخاص معدودين كانوا ومازالوا يتمتعون بالرؤية الواضحة لسير الاحداث ومنبجساتها كان الشيخ الصغير هو احدى ابرز الشخصيات التي كان يقدم قراءة سليمة و"خطيرة" لها تستند الى الحقائق التالية : الاولى:
"مدرسة التاريخ "..العودة لقراءة التاريخ ومحاولة موضوعية ومنطقية للاستفادة من المنهج العلمي لدعم اسقاطاته وبحذر على الاحداث وقد كان موفقا لحد بعيد في سعيه رغم بعض العوائق والتحديات ورغم ما اثاره بعض المنفعلين السلبيين في وجهه اثناء تفسيره حول رواية المارقة والتي لا علاقة لها مطلقا بالشعب الكردي الذي حرم المرجع الكبير الفقيد اية الله العظمى السيد محسن الحكيم الاعتداء او شن اي حرب ضده و"الصغير" من ذات المدرسة التي لا تقبل باي حال من الاحوال الدخول في صراع مع ابناء هذا الشعب الابي .
الثانية : "المدرسة الواقعية" ..القراءة الواقعية لما يجري اليوم من احداث وتطورات بالغة الاهمية من حيث ابعادها السياسية والفكرية والسعي لربط المدرستين للوصول الى محصلة تمنحنا رؤية واضحة في مواجهة الاحداث . هذه الرؤية والقراءة الصائبة للاحداث قابلتها قراءة انتهازية استندت على المصالح الذاتية لم تضع المصلحة العامة في الميزان فاضاعت الهدف ولم تأخذ في حسبانها كل المعطيات التاريخية والواقعية وكان همها الوحيد هو الحفاظ على الفتات من المكاسب في مقابل خسارة قد تكون كارثية وتاريخية للعراق والمكون الاول الذي اخذ على عاتقه مواجهة المولود غير المشروع الذي تحول الى اخطبوط لم يستطع من يحمل تلك القراءة الفاشلة ان يواجهه ويوقف زحفه الذي اخذ يهدد العراق وخاصة جنوبه وهو ناقوس دق خطره حتى المرجع الديني اية الله السيد محمد تقي المدرسي يوم امس عندما قال " ان المدن والمحافظات الآمنة في العراق مهددة بالخطر ويجب أن يستعد الشعب العراقي لمواجهة الخطر القادم من الإرهاب " .
وفي هذا السياق يبرز خطر الداعش الذي لديه مشروع متكامل مدعوم اقليميا ويتفاقم يوما بعد يوم ذلك الخطر ويتعاظم دوره في العراق يقابله بالطبع المشروع الذي يحمله من هو على مستوى واع لقراءة الاحداث يتجاوز الاطر الحزبية الضيقة والفئوية البغضية التي لا تحمل مشروعا واضحا وتحركها مرهون باجندة القوى الخارجية والدولية أما صاحب القراءة التاريخية السليمة فان له قراءته التي اثبتت الاحداث انها صائبة ومعمقة .
وعودا للبدأ نقول ان خطر داعش لا يستطيع مشروع المالكي وائتلافه مواجهته لانه في الاساس فشل خلال 8 سنوات من حكومته من فعل اي شيئ لسحق هذا التنظيم الارهابي ولما استفحل خطره على مصالح القوى الكبرى وبرزت بوادر الاستحقاقات الانتخابية تحرك ولكن بغباء وبالتقسيط الذي اعطى لداعش فسحة للانتشار اكثر والتوغل نحو المناطق الامنة ..
ان الذي يقرأ لخطابات خطيب وامام جامع "براثا" يستطيع بذكاءه البسيط ان يفهم ان صاحبها لديه مشروع حضاري تاريخي يستطيع مقارعة مشروع داعش والوهابية الذي خطره بدأ يهدد المحافظات العراقية
وكأني ارى هناك مقاربة وتوافق بين كافة المرجعيات الدينية الشريفة في هذه القراءة وهنا ليس غريبا ان تأتى قراءة السيد المدرسي لتصب في ذات الرافد الذي يقودنا اليه المجاهد الكبير جلال الدين الصغير وفيما يدعوا السيد المدرسي "المحافظات الامنة للاستعداد النفسي لمواجهة التنظيمات الارهابية المتمثلة في داعش " فان خطابات الشيخ الصغير غدت مدرسة متكاملة في علم التاريخ والسياسة وفي منهجية الصحيحية لفهم الاحداث .
ونستطيع القول ان داعش كمدرسة وهابية متطرفة لا يستطيع من يحمل فكرا اخوانيا ان يواجهها لاسباب موضوعية فيما المدرسة التي تستلهم من التاريخ المهدوي الاصيل لا المزيف ولا اصحاب الدعوات الضالة والعميلة المدعومة وهابيا مثل الصرخي والحسني والكاطع بل من الفكر الذي لا يهادن الارهاب ومدرسة الدجال والسفياني وهي القادرة على هزيمة داعش ومن يقف خلف داعش ومن هنا ايضا فان داعش لا يستهدف المنطقة الخضراء ولا تاج المالكي بل يستهدف المدرسة التي ينتمي اليها الفقراء والمخلصين الثوريين ومن يرى فيهم الخطر القادم
ولعل ما قاله سماحة الشيخ جلال الدين الصغير في خطبته الاخيرة في جامع براثا اشارة واضحة الى ما تريده هذه المدرسة الواعية حيث يقول سماحته " ان" مايحدث في الانبار هو تكرار للتجربة السورية والإرهاب في سوريا ، وقد بدأوا يضربون جميع المناطق وينهكون قدرات الجيش". وأكد انه" لابد لنا من مراقبة دقيقة لكي لاتمر علينا خدع هولاء الإرهابيين حتى نحظى بالنتائج الاستراتيجية الأساسية ولايوجد جيش يقتل منه مجاميع ولاينتقم لنفسه "، مبينا ان" إسرائيل لديهم جنديين حاربت بشتى الطرق استعادتهم من لبنان لكن الحمد لله لم يستطيعوا ".
https://telegram.me/buratha