حافظ آل بشارة
في اجواء دعاية انتخابية مبكرة ، وفي سياق حياة سياسية مرتبكة تفرخ الأزمات ، وفي مناخات مكهربة تسودها حالة فقدان الثقة والبراعة في صناعة الاعداء وطرد الاصدقاء ، في هذا الافق الدخاني الخانق تنفجر ازمة جديدة يباركها الاعداء ويأسف لها الاصدقاء ، انها أزمة الغاء مبلغ البترو 5 دولار ، ومعناه بالعربي الفصيح تخصيص 5 دولارات مقابل البرميل النفطي الواحد المنتج للمحافظة المنتجة ، وكان الرقم سابقا دولارا واحدا وقد أعلن رئيس الوزراء السيد نوري المالكي سابقا زيادتها الى 5 دولارات ، لكن مشروع موازنة 2014 المثيرة للجدل والذي خرج على ظهر سلحفاة متجها الى مجلس النواب كان خاليا من التخصيص الجديد ، وتلقاه بعض النواب بجزع كما يتلقون شهادة وفاة عزيز لا يريدون الاعتراف بموته ، وكان أشد الناس شعورا بالفاجعة هم اهل البصرة ، فاجعة فقدان الخمسة دولارات عن كل برميل ، كبار المسؤولين في المحافظة شعروا بهول المفاجأة ، فهناك وزراء اصلهم من البصرة ، وهناك نواب المحافظة في البرلمان ، والمحافظ ، ورئيس واعضاء مجلس المحافظة والمرشحون الجدد للانتخابات ، جميع هؤلاء شعروا بمسؤولية تجاه هذه القضية ، فأما ان تنجح دفاعاتهم في استرداد ذلك الحق أو يتهموا بالعجز عن حماية جمهورهم وحفظ حقوقه ، بل هناك من يخشى اتهامه بالتواطؤ في حذف هذا الاستحقاق من الموازنة ، بعضهم لم يعد يجيب على هواتف الاعلاميين ، وان اجاب مرافقه على الهاتف قائلا انه في الحمام او في اجتماع مهم فلا يمكنه البقاء في الحمام او الاجتماع الى يوم يبعثون ، لذا اضطر بعضهم الى القول بأنه قرأ المشروع لكنه لم ينتبه الى هذه الفقرة !!! وكأن تلك الفقرة بيت شعر ابو ذية ، المحافظات الأخرى التي حرمت من هذا الحق كميسان وذي قار وواسط وكركوك ، كانت هي الأخرى قد فوجئت وبدأت تحاول صياغة اعتراضاتها ، فمنهم من هدد بوقف الانتاج من حقوله احتجاجا . كان تشريع حصة البترودولار مستندا الى اعتبارات عالمية معروفة وابرزها ثلاثة اعتبارات الاول ان المحافظة المنتجة تضحي بأراضيها الزراعية او المراعي الطبيعية او فضاءاتها البيئية والجغرافية لكي تتحول الى مناطق آبار نفطية ومصافي ومساحات شريطية واسعة للانابيب النفطية او اراض محجوزة للتنقيب والاستكشاف ، الامر الذي يعني اضرارا بالغة باقتصاد المحافظة وبالزراعة والرعي والبيئة في المحافظة ، وكمثال فأن وزارة النفط تهيمن على 80% من اراضي البصرة ، اما الاعتبار الثاني فهو معاناة اهالي المحافظات المنتجة من التلوث في الهواء والماء والتربة بسبب النشاط الانتاجي اليومي للنفط وما يتركه من مخلفات غازية وسائلة وصلبة كلها تؤثر في الصحة العامة للسكان بجميع فئاتهم العمرية ، اما الاعتبار الثالث فهو الاختلال الذي يصيب سوق العمل في المحافظات المنتجة لأن النشاط الانتاجي الابرز في المحافظة هو النفط الا ان العمل في هذا المجال يحتاج الى خبرات ومهارات وتخصص ليست كلها متوفرة في المحافظة المنتجة التي يكثر فيها العمال غير الماهرين ، فيؤدي ذلك الى جلب عمال من محافظات أخرى ليكون نصيب عمال المحافظة المنتجة البطالة والفقر . لا يمكن ان يختلف اثنان حول وجاهة هذه الاعتبارات ، ولكن السؤال هو : لماذا حصل مشروع الموازنة الخالية من البترودولار على موافقة اغلب الوزراء لتذهب الى مجلس النواب على هذا الحال ؟ الا يوجد وزراء اصلهم من المحافظات النفطية فينحازون الى اهالي محافظاتهم ؟ ثم لماذا يستمر تفخيخ القوانين ؟ فالمعروف ان مشروع القانون الخلافي وغير المناسب عندما يذهب الى مجلس النواب على علاته يتحول الى عبوة ناسفة ، وللتذكير فأن اغلب المعارك الكلامية او الحذائية التي اندلعت في المجلس سابقا كانت شرارتها عادة مشروع قانون ملغوم ، هو في حقيقته مشروع معركة جديدة ، آخر صاعق ظهر من هذه العبوة النيابية المنتظرة تهديد كتلة او اكثر بالطعن في موازنة لاتضم البترودولار ، نسأل الله ان يهدي الجميع لمرضاته .
https://telegram.me/buratha