رياض رحيم العوادي
نخدع انفسنا عندما نصدق خرافة أن القضاء العراقي مستقل ونزيه. فمنذ سقوط النظام السابق، بل وقبل ذلك، ظل القضاء في العراق ألعوبة بيد الحاكم وعصا غليظة يهش بها عن عصاباته ويضرب بها خصومه.لانحتاج الى جهد كثير لنبرهن على أن المحاكم الخاصة في العهد البائد كانت تأتمر بأمر رئيس النظام وتحكم بلسانه وتعدم خصومه من دون أدلة. اما محاكم هذا النظام فأنها لاتقل سوءاً عما سبقتها، وكل ما طرأ من تغيير على محاكم النظامين هو تغيير المستبد الاول بالمستبد الثاني. ومع أن القضاء قد تم توصيفه مستقلاً بالدستور النافذ. ألا أنه: لا القضاء ولا الدستور مستقلان عن سلطة رئيس الحكومة الحالي.كلنا على اطلاع بما يتعامل به القضاء العراقي مع خصوم المالكي، واحكامه صارت في معظمها موضع شك، وقد استغل رئيس الحكومة القضاء وخاصة المحكمة الاتحادية منه أسوأ استغلال وجعل منها وسيلة لتفسير الدستور العراقي حسب رغبته وآلة للأنتقام من مناوئيه وخصومه السياسيين.قبل أيام أصدرت محكمة النشر التابعة لمجلس القضاء الاعلى أمرين بالقاء القبض على القاضي السابق والمحامي الحالي منير حداد. وأمراً آخراً بالقاء القبض أيضاً على الصحفي سرمد الطائي. والتهمة الموجهة لكليهما هي التشهير برئيس الوزراء بناء على شكوى أقامها أحد محاميه.المستهجن هنا هو إن محكمة النشر قد استعملت الوسيلة الاقسى لأحضار المشكو منهما وهي أمر القاء القبض عليهما وخّول الاجهزة الامنية تنفيذ الامر، بدلاً من الاستدعاء المتعارف عليه والذي كانت تعمل به المحكمة نفسها في دعاوى نشر عديدة ، حيث كانت تبلغ الطرف المشكو منه من خلال أحد موظفيها شخصياً أو توجه كتاباً الى الصحيفة او المطبوعة التي نشر فيها المقال المشكو منه، وتحدد في كتابها او تبليغها موعداً لسماع افادة (المشّهر). لكن الأمر إختلف عندما يكون المشتكي هو رئيس الوزراء وهنا لجأت المحكمة الى اقسى وسائلها وهي أمر القاء القبض على القاضي السابق والصحفي المعروف، وسلكت المحكمة هذا الطريق: إما تملقاً لرئيس الوزراء أو انها تعده مواطناً بأمتياز يختلف عن غيره من المواطنين، مع أن الدستور قد جعلهم سواسية !كان يفترض بالمحكمة أن توجه كتاب استدعاء لحداد والطائي، خصوصاً وإنهما شخصيتان معروفتان مكانةً ومكاناً. إلا أنها انساقت وراء سلطة المالكي وداست المهنية بقدميها. خصوصاً وأن الشكوى محل نقاش ولا يمكن عدها قطعية، مثل أي جريمة مثبتة على الجاني. فالمالكي قال أنهما قد شهرا به، وهذا يستوجب أن لايصدر أمر القاء القبض قبل التأكد من ذلك. والتأكد هو سماع افادتيهما، فلعل هناك رداً مقنعاً عند أحدهما يدحض ما ذهب اليه المالكي في شكواه. ولعل لديهما دليلاً على صحة ما ورد في المقالين أو المقالات التي ادعى المالكي إنها تتضمن تشهيراً به.سمعت من زملاء لسرمد الطائي، أنه على استعداد لتقديم قرائن وأدلة على صحة ماورد في مقالاته أو مقاله المشكو منه. وكان العدل هنا يوجب أن يستمع قاضي محكمة النشر المكلف بالتحقيق في الشكوى، وعلى اساس قناعته في صحة او عدم صحة قرائن المشتكي وادلته ودفوع المشكو منه يصدر القاضي أمراً بالقاء القبض على الطائي وحداد.. وما حصل لايعدو كونه الا استخفافاً بالقضاء العراقي وأهانةً للدستور الذي ساوى بين العراقيين . وتملقاً من القاضي لرئيس الوزراء .
https://telegram.me/buratha