بسم الله الرحمن الرحيم
في مشهد لايخلو من غرابة انقض غراب ونورس على حمامتي سلام اطلقها اطفال كانوا برفقة بابا الفاتيكان بعد وعظ له حول اعمال الشغب في اوكرانيا وموقف الحكومة منها , حيث اطلق الاطفال حمامتين ترمزان للسلام وما ان انطلقتا حتى ظهر في الافق غراب ونورس هجما على تلك الحمامتين والصور تم نشرها في اكثر من موقع .
ان الامر لا ينحسر بالدهشة والصدفة والعجب والركن الى ان الامر فأل سيء كما اكتفى به اغلب المواقع الاخبارية التي نشرت الخبر بل يسحبنا الى حيث التحليل كونها صورة بحاجة الى تعليق وتحليل فالصورة التي جمعت بين الابيض والاسود والحياة والموت والخير والشر لم تكتف بالجمع بين المتناقضين بل وتجاوزت الى تسجيل جرأة ووحشية من قبل الغراب الاسود على نقاء الحمامة البيضاء في عقر دارها ! على الرغم من كون الغراب لا ينتمي الى تلك الساحة فأنه لم يكتفي بالاقتحام بل وتجاوز بالهجوم على الحمامة رمز دعاة السلام وأمام انظارهم .
وربما تصرف هذه الطيور بهذه الكيفية وبالتحديد في ذلك الزمان والمكان يعكس حال العالم وما يمر به من تغيرات يمكن اعتبارها جذرية وترسم على ارض الواقع جغرافية جديدة وتفرض عليه مفاهيم مطاطة تختلف بحسب المصلحة ومعطيات تجدد باستمرار فتختلط الاوراق ويذوب سواد حبرها ببياض الورقة فتظهر الورقة رمادية مجهولة المحتوى وهذا مالم يحصل بين الحمامة والغراب اذ ظل الاسود اسود والابيض ابيض والصورة لم تتطلب كثيرا من التدقيق لقراءة المحتوى بعكس ما يجري بين بني البشر فهناك تشابه في عموم من جهة بين الصورتين وهو الصراع بين الخير والشر واستيلاء الشر على مساحات اكبر والاقدام بجرأة ووقاحة في اغلب الاحيان ومن جهة اخرى سجلت الصورتان اختلاف في الخصوص اذ لم يختلط المتناقضان على الرغم من تواجههما فظلت الحمامة بيضاء ورمز السلام وظل الغراب اسودا ً ورمز للشر والتجاوز وبات الامر واضحا ً للمشاهد ولا خلط به ولا لبس لكن في حياتنا نلمس الخلط بشكل واضح نجد ان لعقل الانسان ولسانه سببا ً في تكوين اللون الرمادي الذي يصعب على الناظرين تميز محتواه فيقرئونه بكيفيات متباينة وتحصل الاختلافات .
ان المفاهيم والمصطلحات الدينية منها والسياسية اذا كانت ادوات في ايدي المفسدين ظهر الضلال بعد ان يجعلونها مرنة تتقبل اكثر من وجه وليس هذا وحسب بل وتتقبل المتناقضات من الوجوه وهنا الطامة , وهنا لنا وقفة مع الاعلام والاعلاميين فأن اعلامهم مدروس ومخطط له والبصمات اليهودية في كل مكان فهم يتعاملون مع عقولنا باللامحسوس بعد ان عرفوا اننا لا نتقبلهم فاتخذوا ولعقود مضت منهجا ً اخرا ً للتعامل معنا الا وهو الاعلام وبث مفاهيمهم ببطىء لتترسب بهدوء في عقولنا وباستخدام الاعلاميين وبعض من يحسبون على رجال الدين والسياسية العرب ومع الاسف .
في هذه الايام تفخر الجمهورية الاسلامية بثورتها قبل 35 سنة ولها الحق في ذلك والسؤال الذي يطرح نفسه كيف لايمكن اختراق المواطن الايراني تمهيدا لاسقاط حكم اسلامي هو شوكة في حلق الاستكبار , الجواب ان الجمهورية الاسلامية اعلامها حصن حصين وعليه مراقبة اسلامية دقيقة دقتها عميقة في اللامحسوسات اكثر من الظواهر والزائر العراقي يستشعر ذلك من خلال متابعته اثناء زياراته خاصة للقنوات العربية او المدبلجة للعربية التي تبث من ايران .
ابسط الملاحظات ان قبل كل عرض برنامج تظهر البسملة في القناة وربما يجد المرء ان هذا الامر لا اثر له بخلاف الواقع كما ان كل ما يظهر له ربط بالاخلاق وحث للانسان على الكمالات والتخويف من عقاب الله بطريقة رائعة ومشوقة ولنا في المدبلجات الايرانية التاريخية منها والاجتماعية امثلة كثيرة , فالاعلام كان وما يزال عندهم خطا ً موازيا ً للكثير من الخطوط الاقتصادية والصناعية والسياسة الخارجية والداخلية كلها خيوط نسجت سجادتهم المتينة .
اما نحن فكل ما حولنا مخترق اسواقنا ساحة لكل المنتجات الا العراقية التي اضافة لندرتها ردائتها قياسا ً بما هو موجود , اقتصادنا قصير النظر , سياستنا الخارجية والداخلية متخبطة واعلامنا حدث ولا حرج وهنا وان كنا نفضل اعلاما ً اسلاميا ص ولكننا ننتقد الاعلام بشكل عام الذي تنعدم فيه المنهجية فلم ينجح في توحيد الصفوف فهو فئوي بطبيعته كل قناة لها نهج ونهجها يتمحور بشخوص اكثر من مفاهيم وبذلك فخطوطنا متقاطعة ونسيجها مهترأ رغم كونه جديد عهد ورغم اننا بذلنا ومازلنا نبذل الدماء الغالية دونما نتائج تكافىء كل هذه التضحيات .
كثيرة هي الامور التي ليست بايدينا ولكن لا تخلي ساحتنا من مسؤولية تجاه المجتمع لابد من رفع مستوى الوعي لادراك الالوان ومعانيها بعيداً عن المخلوط منها وبامكانيتنا البسيطة ننتخب ما نتابع من الاعلام الرصين ونفرض على المجتمعات المفاهيم الالهية الصادقة والرصينة التي نؤمن بها ونفتح على انفسنا جبهات تتطلب كرا وفر لتحقيق تقدم على مستوى التطور الروحي كي لا نرى اللون الرمادي خاصة ونحن مقبلين على الانتخابات فبالبصيرة قبل البصر لابد من التفريق بين الغربان وحمامات السلام .
واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين, اللهم اجعل بلدنا امناً وانصرنا بنصرك انك خير الناصرين .
اختكم بغداد
https://telegram.me/buratha