فارس حامد عبد الكريم
تسعى الدول الديمقراطية إلى فرض هيبتها المادية والمعنوية على الصعيد الوطني والدولي من خلال انفاذ القانون وتقنين اغلب مظاهر الحياة الاجتماعية بصورها المختلفة وتطبيقه على الكافة، وإذا مست دولة اجنبية سيادة دولة اخرى فان قواعد القانون الدولي من معاهدات ومواثيق مقررة كفيلة إلى حد ما بردع تلك الدولة المعتدية، وإذا فقدت الدولة هيبتها المادية بان فقدت سيطرتها على اجهزتها المدنية والعسكرية بان اصبح لتلك المؤسسات مراجع متعددة وولاءات غير منضبطة أو فقدت هيبتها المعنوية بان اصبحت مؤسساتها السياسية سواء كانت على منصة الحكم أو كانت في المعارضة في خصام ونزاع دائم لا تكون مرجعيته المصلحة العامة وانما مرجعه تحقيق مصالح فئوية ضيقة تحاول كسب منجزات لحساب فئة على اخرى، فان الدولة تفقد تدريجيا السيطرة على زمام الامور ولا تستطيع تحقيق اية مكتسبات عامة نتيجة تعارض ذلك مع المصالح الضيقة التي تجري المساومات عليها خلف الكواليس فتصاب الدولة بالشلل وتكون عاجزة عن تحقيق الاهداف، وفي مثل هذه الاحوال البائسة تفقد الدولة احترامها ويتجرأ عليها هذا وذاك قولاً وفعلاً.... وتصبح الدولة اشبه بمسرحية هزلية يؤدي الادوار فيها ممثلون بائسون، وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن من المعروف في فقه الانظمة السياسية ان النائب وهكذا كبار مسؤولي الدولة بغض النظر عن قوميته أو دينه أو طائفته انما يمثل أيا منهم الشعب بأكمله، وعلى هذا النحو من الفهم للأدوار الوطنية، فإن النائب من القومية العربية هو ممثل لكل القوميات والطوائف والنائب من القومية الكردية هو ممثل لكل القوميات والطوائف لا ممثلاً لقوميته أو طائفته فحسب، ومن ثم ينبغي عليه ان لا يعول على ثقافته ومعتقداته الشخصية حصراً عند التعامل مع حاجات وآمال وطموحات عامة ابناء الشعب، فعليه ان يدرك ان من بين ابناء الشعب هم على غير ديانته أو معتقداته أو اراؤه السياسية، فهو عند انتخابه لا يعد ممثلاً لطائفة أو حزب ما بل هو ممثل لكل الشعب.وإذا كنا تؤمن بشرعية المظاهرات والآراء الحرة والتعبير عن المواقف السياسية والاجتماعية فعلينا ان نؤمن بمضمون شرعية تلك المظاهرات وشرعية مضمون التعبير الحر عن الارادة ايضا بما يضمن هيبة الدولة التي هي من هيبة الشعب، لا أن يستعمل البعض في تلك المظاهرات أو عند التعبير عن الرأي عبارات أقل ما يقال عنها انها مخجلة وتخالف الذوق العام والآداب العامة، وتصل إلى حد (الفشار) والاسفاف خاصة وانها تجري بالمطلق، وتنقلها وكالات صحفية عالمية.فالمعروف عرفاً ان الدولة مهيبة الجانب يعامل رعاياها معاملة من الدرجة الأولى في السفارات والمطارات واينما حلوا وارتحلوا.فقد جمعتني الصدفة ذات مرة على مائدة الفطور في فندق في مدينة القاهرة مع احد الفلسطينين مما يعرف بعرب سنة 1948 وروى لي انه تعرض في موسكو لاعتداء من احد المافيات الروسية فبعد ان اشبعوه ضربا وركلاً استخرجوا حافظة نقوده فوجدوا فيها جوازه الصادر من السلطات الصهيونية، فما كان منهم إلا ان اعتذروا منه اشد الاعتذار وأعادوا اليه امواله وجوازه وتوسلوا اليه ألا يقدم شكوى ضدهم إلى السفارة الإسرائيلية!!!!وترتبط الحريات العامة بما يعرف في فقه القانون بقواعد النظام العام والآداب العامة، والقصد من النظام العام هو مجموعة من القواعد الجوهرية التي يبنى عليه كيان الجماعة سواء تعلق الأمر بالجانب السيـاسي أو الاقتصادي أو الاجتماعـي أو الثقافي أو الخلقي وتهدف الى حماية المصلحة العامة و استمرارية المجتمع ومؤسساته وصد ما يهددهما أو يؤدي بهما إلى الانهيار و الزوال. والتخلي عن فكرة فرض النظام العام تنتج عنه الفوضى في الحياة الإجتماعية. وعليه ينبغي على كل الحكومات أن تبذل كل ما بوسعها من أجل أن تبسط سيادة النظام العام واحترامه من طرف الجماعة مهما كانت لأهداف و الدوافع التي أدت إلى الاضطراب والتي يجب مقاومتها، الا ان فكرة حفظ النظام تقوم على مبدأ توقع حدوث الاضطرابات قبل التفكير في وسائل قمعها.اما الآداب العامة في لغة القانون فهي مجموعة القيم التي تدين بها امة ما في زمان معين والنابعة من المعتقدات الدينية والأخلاقية المتوارثة اجتماعياً والعادات والتقاليد والأعراف المتأصلة في المجتمع والتي يعد الخروج عليها انحرافاً لا يسمح به المجتمع، وتعد الآداب العامة جزءاً من النظام العام ومن ثم ينبغي ان تتوافق معه لا ان تتعارض معه فيحل الخراب في الدولة، فهي ناتج متوازن للسلوكيات والآداب التي تخص فئات متعددة في المجمتع مصهورة في بودقة واحدة ولا تعبر أو لا ينبغي ان تعبر عن مضمون احداها فقط.
وختاماً نقول مع كل الود... ايها المعبرون عن حرياتكم الدستورية ان هيبتكم بين سائر الامم هي من هيبة دولتكم، وان هيبة دولتكم من هيبة رجالها القائمين على امرها، وان ممارستكم للحريات العامة ينبغي ان يعبرعن حضاراتكم الزاهرة المتعاقبة وتقاليدكم الاخلاقية والدينية التي ترسخت عبر الزمن.
https://telegram.me/buratha