المقالات

على معرفتها دارت المعارف

492 06:07:00 2014-02-19

حسن الهاشمي

أمر غريب مستغرب، أراني للوهلة الأولى وبعدما طرقت مسامعي قوله... أكاد لا أفكر في شيء إلا به، فكأن كلماته تحوم حولي كالفراشة لا تفارقني هنيئة، تتبعني في كل خطوة أخطوها، ولقمة أزدردها، ونفس أتنفسه، وفي كل شهيق يدخل رئتي، وفي كل خيط من الخيوط التي تستر بدني... وكأنني ألمسه في كل ما ألمس، وأبصره في كل ما أبصر وأسمع، واستنشقه كلما تنفست الصعداء، ولكم فكرت وتعملت فيه مليا، ولكنني كلما توغلت فيه تفتحت أمامي أبواب وأبواب، ولكن تفكيري كلما توغلت فيه توغل في داخلي وأخذ مني مأخذة عظيمة...لقد كنت أختالها علة لأدرسها وإذا بها اليوم علة تدرسني، كانت بعيدة مني فاقتربت، وكانت بيننا أسما وفي كرور الأيام تحولت إلى رسم منحوت في القلوب الوالهة والذوات الطامحة إزاء كل ما هو جديد مفيد حصيف، تعالي يا نفس نتسامر ونتحاسب؟! النفس لبيك يا صاحبي!! لِمَ كل هذا الهيام لبضع كلمات قيلت لقرون مضت؟! كلا... إنها كلمات طرية لا زالت تصك آذاني وهي تعاودني صباحا ومساء، ذهابا ومجيئا، أينما حللت واينما ذهبت واينما رقدت، إنها كلمات خالدة لأنها ارتبطت بالخلود، تعنيني لأنها من صميم ديني وأخلاقي وعلاقاتي وحركاتي وسكناتي، إنها مظهر رضا الله تعالى ومظهر غضبه، ما هذه العظمة وما هذه المنزلة!! إنها بحق ليست مسيل لعاب المؤمنين الصالحين فحسب بل مسيل لعاب حتى الأنبياء والمرسلين، وهذه المقولة ما انطلقت من إنسان عادي بل صدحت من الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى... كثيرة هي المناقب والكمالات والمراتب العالية التي تبوأتها فاطمة الزهراء عليها السلام، فهي روح النبي الأعظم التي بين جنبيه وهي بضعته التي يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها ومستودع سره، بل هي محور الخلق وحجة على أهل الدنيا، والكلام يطول ويطول في سرد مناقبها ومفاخرها عليها السلام.جاء في إحدى زياراتها: السلام عليك يا ممتحنة امتحنك الله تعالى قبل أن يخلقك وكنت لما إمتحنك صابرة.إذ نفهم من هذه الزيارة امتحان الزهراء عليها السلام قبل خلقها، لإظهار مقامها حيث امتحنها فكان لها المقام السامي فأصبحت الصابرة، والمعروف إن الامتحان يُمتحن به الإنسان ليعرف مدى استعدادته وقابلياته، وهذا ما جرى مع فاطمة الزهراء عليها السلام حيث امتحنها الله تعالى لكي تكون حاملة لسر مكنون فيها إقتضت إرادة السماء ذلك نتيجة لنجاحها في الامتحان حيث استحقت لقب الصابرة قال تعالى: إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب.يعني أنه لا يوجد أجر محدود للصابر وللصبر، بل أجره مفتوح وهذا يؤدي إلى أن الصبر يكون في أعلى مقامات الفضائل الأخلاقية، ومن هنا كان الصبر أم الأخلاق بل هو أفضلها وأحسنها في كل شيء فما من شيء إلاّ ومقرون الصبر معه، فالصلاة مقرونة بالصبر عليها والطاعة كذلك، والإيمان لابد من الصبر عليه لإثباته على النفس الإنسانية، ولذلك جعل الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد كما ورد في الحديث الشريف، فإذا كان الصبر هكذا مقامه فانه سوف يكون الأساس لكثير من الأخلاق.فالزهراء عليها السلام حجة على الخلائق من جهة صبرها في عالم الغيب والشهادة وصبرها في الدنيا على ما جرى عليها من المحن والظلم، وهذا أيضاً ما أثبتته الشواهد فنحن نجد إن الكثير من الأنبياء كانوا يدعون الله تعالى أن يطّول عمرهم وهذا بخلاف فاطمة الزهراء عليها السلام حيث كانت مستبشرة عندما أخبرها النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم إنها أول أهله لحوقاً به، وأيضا كانت تردد في آخر حياتها: اللهم عجل وفاتي سريعا، ومن خلال ما سبق يمكن رصد الأمور التالية:1ـ الأمة وقتذاك لم تقدر الزهراء حق قدرها، لذلك فإنهم بإجحافهم إياها واحجامهم عنها واغضابها لما فيه من اغضاب الله تعالى والرسول الأكرم، قد فرطوا بهذه الجوهرة الثمينة في وجودهم.2ـ الزهراء عليها السلام على يقين كامل بالحساب والمعاد يوم القيامة، إذ أنها قدمت الأمر الغيبي على الأمر الحسي، بل استأنست بالغيبي عندما أخبرها الرسول بأنها أول أهله لحوقا به.3ـ الصبر ـ مثلما أوضحناـ إنه مفتاح كل خير، واذا ما حاز الإنسان عليه وتسرب إلى كل أجزاء حياته اليومية، فإنه قد حاز على الخير كله، ومن الطبيعي إن مثل هكذا صابر يوفى أجره من الله تعالى بغير حساب، أي تنهمر عليه البركة والرحمة الإلهية من كل حدب وصوب دنيا وآخرة، وقلة هم الذين تبأوا هذا المقام السامي، والزهراء بلا أدنى شك منهم. أضف إلى ذلك ورد في الحديث الشريف المأثور عن أهل البيت عليهم السلام انه: ما تكاملت نبوة نبي من الأنبياء حتى أقر بفضلها ومحبتها وهي الصديقة الكبرى وعلى معرفتها دارت القرون الأولى.يعني ما تكاملت نبوة نبي ـ والنبوة خلاصة التوحيد ـ إلا لمن أقر بفضلها ومحبتها والإقرار هو الشهادة على النفس والاعتراف منها للغير، وإقرار العقلاء على أنفسهم جائز، فهذه شهادة من الأنبياء لها بالفضل والمحبة، والفضل يعني إنها كانت لها زيادة في الفضائل على الأنبياء بل هي صاحبة الفضل عليهم بأنه لم تكتمل نبوة نبي إلا بها عليها السلام، فهنيئا لأمة قد عرفت قدرها وسارت على نهجها، فإنها شافعة مشفعة تلتقط محبيها والسائرين على نهجها من بين المحشر كما يلتقط الطير الحب الجيد من الحب الرديء، فهي تجلي رحمة الله تعالى للعباد في كل زمان ومكان.

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
كلمة
2014-02-19
السلام على فاطمة وابيها وبعلها وبنيها احسنتم
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك