أ.د. وليد سعيد البياتي
ربما سيضج البعض بالصراخ ضدي قائلين: كيف تقول ذلك يادكتور وانت استاذ تاريخ الحضارة؟فمنذ الدراسات الابتدائية وكل ما نسمعه من الاهل حين كنا اطفالاً وكل ما نقرأه في الكتب العلمية والتاريخية يؤكد لنا ان العراق بلد حضاري يحملا تاريخا عميقاً تترسخ جذوره في اكثر من سبعة آلاف عام من الفعل الانساني.والعراق يمتلك مقومات تاريخية اقل ما يقال عنها أنها تشكل الاكثر تنوعاً وتأثيرا في حياة الانسان، وهو يمتلك كم هائل من المواد الاولية التي تصلح لان يكون العراق احد اكبر البقاع الزراعية والصناعية في العالم.والى جانب الطبيعة المادية للتكوين التاريخي للعراق نرى ان الجانب الروحي قد شكل موقعاً مهما في الترافد التاريخي للنبوات والرسالات على هذه الارض.من هنا لم يجافي المؤرخون الحقيقة حين وصفوه بارض السواد وارض الرافدين وبلاد الرافدين، وبلاد الخيرات وهبة دجلة والفرات وغيرها. ومن هنا نفهم طبيعة الصراع التاريخي والإنساني في حدود هذه الارض.والان التساؤل المؤلم، إذا كان العراق بهذا الزخم التاريخي والانساني فكيف تراجع عن مساراته المتقدمة ليصبح في الخطوط الخلفية في عملية الصراع؟كيف فقد العراق زخمه التاريخي والحضاري ليتسلق جدرانه شذاذ الافاق؟ كيف صارت ارض الرسالات منذ أدم ونوح وأبراهيم الخليل عليهم السلام بهذا الانحطاط الفكري حتى صار القتل والتمثيل بالجثث وتقطيع الرؤوس عادة يومية لا تثير في نفوس الناس الاشمئزاز والقرف بما يمر عليهم كل يوم؟كيف صارت لقمة الخبز تؤكل ملوثة بالدم دون النظر في قضايا الحلال والحرام حتى من قبل مدعي التدين؟كيف انحدر الوعي الجمعي بحيث تراجع الانسان عن إنسانيته وطموحه في التحرر والسعي لحياة افضل؟كنت اقول لطلبتي ان الفعل الحضاري هو الفعل الايجابي في حركة التاريخ وأن كل الافعال السلبية لاتملك قيمة حضارية في حياة الانسان.لن نكون حضاريين إذا لم يكن لهذا الانسان قيمة في حركة التاريخ أكثر من الرصاصة التي تطيح برأسة او شفرة السكين التي تحز رقبته.لن نعود حضاريين إذا أستمر قتل الفلاسفة والمفكرين وتشريدهم في بقاع الارض، لنكون نحن إلا إذا تخلصنا من سلبيات التفكير وأنحطاط الرؤية. لن نكون حضاريين مرة أخرى إذا بقينا مجرد خيول سباق تساق عبر المضمار، لن نعود حضاريين إذا لم نخرج من مسلخ القتل اليومي.غير ذلك فاننا نمتطي ظهر الجاهلية من جديد.***أ.د. وليد سعيد البياتيالمملكة المتحدة - لندن
https://telegram.me/buratha