حيدر الفلوجي
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى :(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا): النساء، الآية:58.
وقال ايضاً :(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) : النحل، الآية:90.
ذكرنا فيما سبق ضمن سلسلة حلقاتنا بعضاً من مصاديق حكومة اهل البيت ع المتمثلة في حكومة امير المؤمنين علي بن ابي طالب(عليه السلام)، وذكرنا شيئاً يسيراً بما يجري في حكومة اتباع اهل البيت ع، واليوم سنُسلط الضوء على بعض التطبيقات العملية في حكومة اهل البيت بما يرتبط بأرحام امير المؤمنين، وسننظر الى كيفية التعامل مع الأقرباء والأرحام في ظل حكومة العدل وحكومة الاسلام المتمثلة بالقدوة الصالحة للحكم وهو علي بن ابي طالب ع، وبالنسبة الى الأرحام والأقرباء للحكام وكيفية التعامل معهم اثناء فترة حكم الحاكم، وقد أرسى اهل البيت القواعد لكل تلك الفروقات التي قد يُبتلى بها اي إنسان يحكم بقعةً من بلاد الله. ولدينا شواهد كثيرة على ممارسات الحاكم العادل والذي يحكم بما انزل الله، وكيفية اعطاء الأمثلة الحية لحكومة العدل في الارض، وذلك من خلال إظهار شيئاً من تلك الأمثلة الحية، لإعطاء دروساً واقعية لمن يحكم في الارض من ناحية، وتذكير اتباعه الذين يحكمون باسم اهل البيت من ناحية اخرى. فعلى مستوى الأرحام بدئاً من :
اولاً: (الأخ) وأقصد اخو الحاكم
كيف تعامل الحاكم القدوة مع أخيه، وأخوه كان من أوائل الذين اسلموا وله باعٌ طويل بالجهاد مع رسول الله وبالهجرة والحروب والتضحية من اجل الاسلام، وبعد استلام امير المؤمنين علي (ع) الحكم زاره الى الكوفة والقصة ستذكر ما جرى بينهما واليك القصة:
أخرج ابن شهر آشوب في (المناقب) عن (جمل أنساب الأشراف) قال:«قدم عقيل( اخو الامام علي) على علي (عليه السلام) فقال الامام للحسن (عليه السلام): اكس عمك، فكساه قميصاً من قميصه، ورداءً من أرديته.فلما حضر العشاء فإذا هو خبز وملح.فقال عقيل: ليس إلا ما أرى؟فقال(عليه السلام): أوليس هذا من نعمة الله فله الحمد كثيراً؟فقال عقيل: أعطني ما أقضي به ديني، وعجل سراحي حتى أرحل عنك.قال (عليه السلام): فكم دينك يا أبا يزيد؟قال: مائة ألف درهم.قال (عليه السلام): والله ما هي عندي ولا أملكها، ولكن اصبر حتى يخرج عطائي فأواسيكه، ولولا أنه لابد للعيال من شيء لأعطيتك كله.فقال عقيل: بيت المال في يدك وأنت تسوفني إلى عطائك؟ وكم عطاؤك، وما عسى يكون، ولو أعطيتنيه كله؟فقال (عليه السلام): ما أنا وأنت فيه إلا بمنزلة رجل من المسلمين.ـ وكانا يتكلمان فوق قصر الإمارة مشرفين على صناديق أهل السوق ـفقال لـه علي (عليه السلام): أن أبيت يا أبا يزيد ما أقول فانزل إلى بعض هذه الصناديق فاكسر أقفاله وخذ ما فيه.فقال: وما في هذه الصناديق؟. قال: فيها أموال التجار.قال: أتأمرني أن أكسر صناديق قوم قد توكلوا على الله وجعلوا فيها أموالهم؟فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): أتأمرني أن أفتح بيت مال المسلمين فأعطيك أموالهم وقد توكلوا على الله وأقفلوا عليها.ثم قال لـه علي (عليه السلام) في صيغة استثارة إيمانه وخلقه: وإن شئت أخذتَ سيفكَ وأخذتُ سيفي وخرجنا جميعاً إلى الحيرة فإن بها تجاراً مياسير، فدخلنا على بعضهم وأخذنا ماله.فقال عقيل: أو سارق جئت؟قال: تسرق من واحد خير من أن تسرق من المسلمين جميعاً.
انظروا بأحكام العالم الى هذ الحاكم، أيها المسلمون، أيها الحاكمون استفيدوا واعتبروا واقتدوا بهذه القدوة، والمثل الحي في العدل والإحسان وعدم المحابات على حساب الآخرين .
حكومة اتباع اهل البيت
اين أنتم من حكومة أمامكم وقدوتكم في كل شيء، اين أنتم من عدل امير المؤمنين؟ هل تعلمون ان أرحامكم يعبثون ويصولون ويجولون تحت عناوين وظائفكم، بعلمكم او من دونه؟حكّام اليوم نجدهم من الحاكم او المحافظ او مدير الناحية او قائد الشرطة او القائمقام وغير هؤلاء من وزراء ونواب ومسؤولين وغيرهم، نجد ان إخوتهم وأرحامهم يشاركونهم في مناصبهم، ونجد الكثيرين منهم من يختبأ وراء الحصانه (للمسؤول) والرشوة وصلة القرابة، انّنا نجد اخوة الكثير من المسؤولين هكذا، فالأخ للمسؤول والحاكم نجده اليوم في ظل حكومة اتباع اهل البيت هو الآمر هو الناهي في الكثير من القضايا وفي جميع دوائر الدولة، ونجد له خصوصية واعتبار وكأنه نازل من السماء الى الارض، نجد اخوة المسؤولين يصولون ويجولون، وكأن البلاد أصبحت ملكاً لهم ، وهنالك شواهد وأسماء كثيرة لا اريد البوح بها وأكتفي بما تذكره وسائل الاعلام عن فضح بعضهم. فارجعوا يا أبناء امير المؤمنين الى رشدكم واتركوا أفعالكم الدنيئة، وانا لا اقصد كل المسؤولين وإنما اقصد المفسد منهم وأقصد أُؤلئك الذين قدموا أنفسهم وأهاليهم على الآخرين من أبناء الأمة .
واليكم مثال آخر على كيفية معاملة الحاكم العادل مع أخيه، وهو أخوه عقيل بن ابي طالب.
فقد جاء في الخطبة(224) من (نهج البلاغة) قال امير المؤمنين في خطبة له ما يلي:
والله لقد رأيت عقيلاً وقد أملق(فقير) حتى استماحني من بركم(طعامكم) صاعاً، ورأيت صبيانه شعث الشعور، غبر الألوان، من فقرهم، كأنما سُودت وجوههم بالعظلم(صبغة سوداء).عاودني مؤكداً، وكرر عليّ القول مردداً.فأصغيتُ إليه سمعي، فظن أني أبيعه ديني، وأتبع قياده، مفارقاً طريقتي.فأحميت لـه حديدة ثم أدنيتها من جسمه ليعتبر بها.( لأنه كان أعمى)فضج ضجيج ذي دنف(ذي مرض)، من أَلَمِها، وكاد أن يحترق من ميسمها(حرارة المكواة).فقلت له: ثكلتك الثواكل يا عقيل.(فقدان الولد او الحبيب)، أَتَئِنّ من حديدة أحماها إنسانها لِلَعِبِه، وتجرني إلى نار سجّرها جبّارُها لغضبه؟أتَئِنّ من الأذى، ولا أئِنُّ من لظى؟»(اسم لجهنم).في هذه الجمل غرائب.. وغرائب يذكرها الإمام علي (عليه الصلاة والسلام) فيما لو أردنا أن نقيسها بما يمارسه الحكام، والقضاة، والموظفون، والمحافظون ورؤساء الكتل والأحزاب وغيرهم.
ثانياً: الحاكم العادل مع زوجته ( تعامل اهل البيت اثناء حكمهم مع زوجاته)
الزوجة في مفهومنا الحالي، وأقصد زوجة الحاكم التي تعتبر هي السيدة الاولى في المجتمع الذي يحكمه ذلك الحاكم او الرئيس او الملك وما شاكل، ونحن نشاهد اليوم كيف يكون مقام زوجة الحاكم بالنسبة الى المجتمع والمسؤولين، وكيف تتعامل معها دوائر الدولة وما شاكل... فزوجه الحاكم اليوم تستطيع ان تفعل الكثير من الأمور حتى في ظل حكومة اتباع اهل البيت ع، ولكن الامر مختلف تماماً عند امير المؤمنين، فشاهدٌ واحدٌ يكفي لإيضاح ذلك من حكومة العدل :
أخرج في (المناقب) عن أم عثمان ـ أم ولد(زوجة) لأمير المؤمنين (عليه السلام) ،قالت: «جئت علياً (عليه السلام) وبين يديه قرنفل مكتوب في الرحبة،فقلت: يا أمير المؤمنين هب لابنتي من هذا القرنفل قلادة.فقال (عليه السلام): هاك ذا، ونفذ بيده إليّ درهماً(أعطاها)ثم قال (عليه السلام): فإنما هذا للمسلمين أولاً، فاصبري حتى يأتينا حظنا منه فنهب لابنتك قلادة.هنا يقدم الحاكم نموذجاً عملياً، وواقعياً، وهو تقديم الأمة على نفسه وأولاده وأزواجه، ثم يكون هو وعياله آخر من يحصل على نصيبه من القسمة. اما اليوم فنجد النصيب الأكبر من ميزانية دولة اتباع اهل البيت، نجد النصيب الأكبر للحكام والرآسات الثلاث وأعضاء البرلمان وغيرهم في الوقت الذي نجد فيه الكثير من الفقراء والمساكين مع وجود مئآت الآلاف من عوائل الشهداء والمحرومين والمعوقين، وهم يئنّون أنين السليم.اما اليوم فلا يوجد وجه للمقارنة بين ما ذُكِرَ(من حكومة العدل ) وبين ما نراه نحن في حكومة اتباع اهل البيت ع ، فقد أصبحت بلادنا في ظل حكومة اتباع اهل البيت ومن خلال المندسين من بينهم ، أصبحنا اليوم في طليعة البلدان في الفساد الاداري والمالي ...وبحمد الله .
ثالثا: الحاكم العادل وتعامله مع صهره
في ظل حكومة اتباع اهل البيت نجد ان للصهر نصيب من الصولات والجولات، ويا ليتها تكون تلك الصولات والجولات لصالح المجتمع والوطن، وأتمنى ان يكونوا كذلك، وأننا نجد الصهر له موقع متميز في حكومات الدول الاسلامية عامة وفي حكومة اتباع اهل البيت خاصة، فصهر المحافظ له موقع، وصهر البرلماني له دور وموقع، وصهر الوزير له مقام ودور، وصهر الرئيس والحاكم وما شاكل فكل صهر لمسؤول له صولة وجولة إلّا ما ندر منهم، ولكي لا نظلم الخيرين منهم، فنحن نستثني القليل، ولكي لا يكون كلامنا يشمل الجميع ويكون بصيغة الكل او الإطلاق.
اما الصهر في حكومة العدل الإلهي، فشأنه شأن أبسط إنسان من أبناء الأمة واليك الشاهد على ذلك: عبد الله بن جعفر الطيار، هو ابن أخ الإمام علي ع وصهره، على ابنة عقيلة الهاشميين زينب الكبرى (عليها السلام). وكان رجلاً صالحاً مؤمناً، من سادات بني هاشم، كريماً يطعم الناس، وله سفرة مفتوحة صيفاً وشتاءً، وليلاً ونهاراً.ضاقت عليه الدنيا ذات مرة، فجاء إلى عمه أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال: يا أمير المؤمنين لو أمرت لي بمعونة أو نفقة فوالله مالي نفقة إلا أن أبيع دابتي.فقال (عليه السلام) لـه:لا والله ما أجد لك شيئاً إلا أن تأمر عمك أن يسرق فيعطيك.هذه هي سيرة أمير المؤمنين (عليه السلام) مع أقربائه . ان أتباعك اليوم يا امير المؤمنين قد امتلأت خزائن هم الخاصة من أموال بيت المال، حتى بلغ بهم الامر انهم لم يجدوا مخزناً(بنكاً) يخبئون أموالهم فيه خشية الفضيحة، لذلك نجدهم انهم قاموا بتهريب تلك الأموال الى الخارج لكي تكون في مأمن. فأي نموذج تقدمه لنا يا أمير المؤمنين اين انت من هؤلاء الذين يحكمون باسمك ويدّعون انهم من أتباعك يا سيدي .....
رابعا: الحاكم العادل وتعامله مع بناته
البنات هن الحسنات في هذه الدنيا لآبائهم ان أحسن تربيتهن، وهن كلاود زينة الحياة الدنيا، فالبنات اليوم أيضاً لها مواقع قد لا تصل اليها بنات الآخرين من أبناء الأمة، ولننظر كيف كان يتعامل الحاكم العادل مع بناته في ظل حكومته :
روى المؤرخون: «إنه بعث إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) من البصرة من غوص البحر بتحفة لا يدرى ما قيمته، فقالت لـه ابنته أم كلثوم: يا أمير المؤمنين أتجمل به ويكون في عنقي؟فقال علي (عليه السلام) لخازن بيت المال أبي رافع: يا أبا رافع أدخله إلى بيت المال.ثم قال لابنته: ليس إلى ذلك سبيل حتى لا تبقى امرأة من المسلمين إلا ولها مثل مالك.بنت أمير المؤمنين (عليه السلام) ينبغي لها أن لا تلبس ما لا تلبسه جميع النساء المسلمات. وهل نساء القادة يكون مستوى معيشتهن وملابسهن كأضعف نساء الشعوب؟هذه هي حكومة العدل الإلهي على الارض لينعم الجميع في ظل الكرامة الإنسانية التي جعلها الله لبني آدم . وأسأل الله تبارك وتعالى ان يصلح حالنا وحال إخواننا في الحكم وغيرهم ويجعلنا نقتدي بأسلافنا قولاً وفعلاً وقلباً وقالباً، ونسأل الله الهداية لهم ولنا وان يستبدل بنا غيرهم.
https://telegram.me/buratha