منذ عام 2003 وحتى الان لازالت الانبار رقماً صعباً في خارطة العراق السياسية، ولا نريد ان نغوص في التاريخ القريب او البعيد، فهي التي لم يهدأ بال صدام من رجالاتها، على الرغم من انه لم يعلن عن ذلك لأسباب يعيها جيدا انذاك.
وبالعودة الى الازمة الحالية لهذه المحافظة قد تكون الانبار اليوم تتجه الى مصير معلوم وهو اتساع رقعة المواجهة والمطالبة بالحكم الذاتي مع نظيراتها من المحافظات الاخرى او المجهول الذي قد يعيدها الى المربع الاول ابان وجود القوات الاميركية وسيطرة التنظيمات المسلحة المتطرفة عليها، خاصة وأن الانبار تشهد سقوط مئات الضحايا من ابنائها وابناء المحافظات الاخرى على مختلف التوجهات، والعدد مرشح أن يكون بالالآف إن بقى الوضع على ما هو عليه من سياسات حكومية غير حكيمة كانت منذ سابق الازمة وحتى الان.
وبين ماهو معلوم ومجهول تختلف التسميات وكل طرف يقول انا على حق، فالحكومة تقول أنّ المسلحين في الانبار هم داعش، والمسلحين يقولون نحن ثوار، وبين الحكومة والثوار داعش تصول وتجول وتستبيح ارواح واموال العراقيين في الانبار وبغداد وغيرها، وكأن الحظ يسير بالبلاد لصالح هذه المنظمة الارهابية التي يختلف ويتوافق المحللون في تحديد مصادر تمويلها وجذورها. وفي ظل اختلاط الاوراق تُصبح وتمسي الانبار على القتل والنزوح والظروف الانسانية السيئة.
ان الصورة في الانبار اليوم اصبحت اكثر ضبابية ويصعب التمييز فيها وهي اشبه بالمسبحة التي انفرطت خرزاتها بعد ان جُمِعت في عام 2006 على يد السياسي الشهيد فصال الكعود محافظ الانبار الاسبق الذي عرف بحكمته وصلابته وجرأته، والذي ادركت القاعدة خطره عليها واغتالته بعد ان كسرها في الانبار بمشروعه، الذي تم تجييره الى اشخاص آخرين تصورتهم الحكومة انهم هم من ارسوا الامن في الانبار من دون ان تفكر ملياً وترجع الى حقيقة أنّ الانبار هي من قررت ان تهدأ بسبب ممارسات وفكر تنظيم القاعدة الظلامي فعُزل هذا التنظيم فيها ثم اجتُث.
وهذه الحقيقة اكدتها الازمة الامنية في الانبار اليوم، وانكشف الامر ميدانياً للحكومة التي استخفت بردت فعل الانبار، وعلى الرغم من ذلك فان فرص حل الازمة لازالت ممكنه حتى الان على الرغم من تعقيد المشهد، فان اتخذت الحكومة اجراءات معينة فقد تهدأ الانبار مرة اخرى خاصة من خلال الذهاب الى ما ذهب اليه الشهيد فصال الكعود في ايجاد الالية المناسبة للتوفيق بين الاطراف لعزل القاعدة، وعلى الحكومة هذه المرة الايفاء بعهودها الى الشعب لأنه لن تكون هناك مرة ثالثة.
ان اي مبادرة لحل ازمة، يكون لها ظروف، قد تتوفر في وقت ما، وتؤدي الى نجاحها، ولكن قد تصبح تلك المبادرة لا معنى لها عندما تفقد ظروفها، وهكذا جاءت زيارة رئيس الوزراء العراقي للانبار، اذ لو كانت في وقتها اي قبل عشرة أشهر تقريبا لكُنّا تجاوزنا هذه الازمة والتي شرعت الان بالاتساع في محافظات صلاح الدين ونينوى وديالى، ولحفظت الكثير من دماء العراقيين،
وقد يلوم البعض رئيس الوزراء العراقي في ذلك، وبعض اخر لا يلومه خاصة الذين وجهوا الدعوة له لزيارة الانبار ولكن من يحيطه من طوابير وحلقات طائفية متسلطة ابعدته عن الحل، ورسمت له هالة وقصص غريبة عجيبة عن اهل الانبار، فأخطأ التقدير، واصبح اهل الانبار بين داعش ووعاض السلاطين ومستشاريين لايقفهون شيئا، فسلك كل من الطرفين مساره من أجل الحقوق او السيادة او المصالح او غير ذلك، وتحالف لأجلها مع حزب الشيطان أو الغادرين كما يتم الوصف أو حتى داعش.
وبناء عليه لم تكُن هناك ادارة حكيمة من قبل الدولة بسلطاتها للتعامل مع أزمة الانبار، كما لم تكن هناك ادارة حكيمة للتظاهرات في الانبار ايضا، فضاعت الحقوق واشتدت الفتن وفُقد الامن والامان. اما مسؤولية وصول الامور الى ما هي عليه اليوم فالقائمون على تلك الادارتين هم من يتحملها. ولو كانت واحدة من الادارتين حكيمة لعبرنا ضفة النهر وفوتنا الفرصة على اعداء العراق مهما كانت سرعة التيار.
كان على الحكومة العراقية أن تعي أن لا احد من الشعب العراقي يستطيع ان ينفي ان العراق اليوم هو ما كان يطمح له الشعب بعد التغيير، كي تتعامل الحكومة بهذه الطريقة مع المطالب المشروعة، بل ان الليالي السود في زمن النظام السابق اصبحت بيض عند اغلب افراد الشعب العراقي، وتأكيد لذلك يقول احدهم بالجلفي ان "صدام راح بالوجه الاسود والجماعة اليوم بيضو وجهه" ، وهذا واقع لايمكن اي عاقل ان ينفيه الا ان يكون منتفعا منه،
ان الشعب العراقي عندما سمح للقوات الامريكية بدخول بغداد في 9/4/2003 ليس من أجل أن يكون هناك عراق يعاني من الفساد والسرقة والارهاب وضعف الخدمات والرشوة والمحسوبية والحزبية والطائفية والانتهازية والظلم والقهر والتهميش والخراب والتمزيق والتهجير واعتقال الابرياء واطلاق المجرمين. او عراق يُحكم من حكام يسكنون منطقة أسموْها بالخضراء يحمون فيها انفسهم، ولا يتمكنون من حماية شعبهم في عراق اصبح منطقة حمراء، وغير ذلك. بل كان التغيير لأجل بلد متحضر يُحترم فيه العراقي كمواطن تصان فيه حقوقه وكرامته، ويسلم ويأمن فيه، كباقي دول العالم.
https://telegram.me/buratha