حيدر الفلوجي
كانت آخر سفرة لنا الى العراق في قبل نهاية عام (2013) بعدة اشهر، وكنت قد راجعتُ عدداً من الدوائر الحكومية لمتابعة بعض الإجراءات لإتمام بعض المعاملات الرسمية، وكنت أُتابع الموظفين وكيفية تأديتهم لوظائفهم التي يتقاضون منها معاشاتهم الشهرية، وكنت استمع لسائقي سيارات الأُجرة لأنهم مطّلعون على الكثير من الأحداث التي تجري في العراق، وتنَقلتُ بين محافظات الوسط والجنوب، وبحكم علاقاتنا كنت أُلبي دعوات الكثير من الأصدقاء والأرحام، وكنت استمع لكل ما يدور من حديث عن وضع العراق، ومن خلال ذلك خرجت بنتيجة عن وضعية البلد، والنتيجة لا أستطيع ان اجزم بأنها شاملة، ولكنها محدودة بمحدودية تجربتي، والنتيجة هي: انني لم أجد شخصاً واحداً هو راضٍ عن مسؤولي الدولة العراقية، لا من الناس، ولا من موظفي الدولة، ولا من قبل أصحاب المهن الحُرّة، ولا من الكَسَبة ولا من غيرهم، لا من النساء ولا من الرجال، فمعظم طبقات المجتمع العراقي وجدتُه ناقماً على الوضع العراقي، ألكل ناقم على الحكومة العراقية وعلى المسؤولين.والشيء المضحك في الأمر، هو انك تجد حتى المفسدين من الناس تسمعهم ينتقدون الحكومة، ويطعنون بالمسؤولين، والشيء الأغرب من ذلك كله، انك تجد حتى المسؤولين ناقمين على بعضهم البعض، وكل طرف يتهم الطرف الآخر، من ناحية، والكارثة العظمى انك تجد المسؤولين يتهمون الشعب تارة بالتقصير، والجهل، وتارة أخرى بالبعثية وما شاكل.قبل عدد من السنين قام احد المسؤولين بزيارتي في منزلي، وهذ المسؤول كانت تربطني به علاقة قديمة وهو صديق قديم لي، فتناولنا أطراف الحديث وكانت الجلسة حميمية، فتوجهت اليه ببعض الأسئلة منها: اننا وبحمد الله أصبحت لنا دولة وأصبحنا أهل الحل والعقد فيها بعدما كُنّا مُشَرّدين، تتقاذفنا الأقدار من بلد الى بلد، ولكننا لابد لنا من قدوَة في الحكم، تُرى مَن هو قدوتُنا في الحكم ونحن أبناء علي والحسين ؟ فأجابني الرجل مباشرة: ان قدوتنا في الحكم هم اهل البيت ع، ومشروعية التزامنا مستمدة من نهج اهل البيت (عليهم السلام)فقلتُ له : أتقصد قدوتنا في الحكم هم آل محمد ؟ فأجابني : نعم.فقلتُ : هم عليٌ والحسنُ والحسين ؟ أجابني : نعم. فقلت له: ولكنّ امير المؤمنين لم يسكن في منطقة محمية وآمنة، ويترك الأمة التي كان يحكمها معرّضةً للقتل والسلب والنهب، وأنّ عليّاً لم يحفظ عيالَه ويؤمّنهم ويطمئن على سلامتهم، ويضعهم في مكان آمِن في بلد، ويهيأ لهم جميع مستلزمات الخدمة والرفاهية، كما يفعل المسؤولون اليوم في حكومة اتباع اهل البيت ع. فأجابني : قال سيدنا هذا الكلام يُرَدد في العراق، وأنّ البعثيين هم الذين يرَوجون له. فقلت له : يا سيدنا حينما خرج امير المؤمنين بجيشه الى الكوفة، ومعلوم حال الكوفة آنذاك، هل ترك امير المؤمنين عياله في المدينة المنورة او في مكة آمنين، أم جلبهم معه الى الكوفة؟ الجواب: بل جاء بهم الى الكوفة، ولكن وضعنا يختلف والزمن مختلف والظروف مختلفة، ثم قال : ان الذي يتكلم بهذا الكلام، يريد قتلهم، او يريد ان يعرّضهم للقتل، وهم إخواننا وأعزاء علينا فلماذا نفقدهم والبلد بأمس الحاجة اليهم.فقلت له : ان الامام الحسين حينما أراد ان يأتي الى الكوفة وهو عالمٌ بما سيؤول به الامر، به وبأصحابه، وعلى الرغم من ذلك فإنه جاء بـ (عياله) الى كربلاء وعرّضهم الى كل تلك المأساة. انتهى النقاشالواقع كنت على وشك ان ابدأ بكتابة تفاصيل اخرى لهذه الحلقة، ولكنني وجدت نفسي أقوم بذكر هذا الموضوع لكي يكون مدخلاً للمقال. أظن أنّ الرؤية أصبحت واضحة شيئاً ما، فقد عرّض امير المؤمنين نفسَه وعيالَه وجميعَ ابنائِه لمواجهة كل الأحداث وما يحفها من مخاطر .وارتأيتُ هنا ان اذكر شيئاً مما ذكره امير المؤمنين علي ع، لواليه مالك الأشتر حينما ولّاه مصراً، وأوصاه مجموعةً من الوصايا منها :(انصف اللهَ، وانصف الناس من نفسك، ومن خاصة اهلك، ومن لك فيه هوى من رعيتك، فانك الا تفعل تَظلِم، ومن ظلمَ عباد الله كان الله خصمه دون عباده، ومن خاصمه الله ادحض حجته، وكان لله حربا حتى ينزع او يتوب،وليس شئ ادعى من تغيير نعمة الله وتعجيل نقمته من اقامة على ظلم) نهج البلاغة: المعتزلي.. فهذا هو منهج اهل البيت (صلواتُ ربي وسلامه عليهم اجمعين).ان حُكم اهل البيت، او حكومة امير المؤمنين تعتبر هي الميزان الذي يمكن لنا من خلاله ان نزن أداء الحكومات الاسلامية. فأين نضع اداء المسؤولين في ميزان النص المذكور(أنصف الله، وأنصف الناسَ من نفسك، ومن خاصة اهلك......). السؤال: أين هو ذلك الإنصاف ؟ يا اتباع اهل البيت؟ومن اخطاء المسؤولين من اتباع اهل البيت، انهم لا يعاقبون المسيء لانه ينتمي الى الجهة الفلانية، اي الى حزبه او عشيرته ......... فالمحسوبيات والمنسوبيات والحزبيات، فكل تلك وغيرهنّ هي الحاكمة في ظل حكومة اتباع اهل البيت، فلابد لنا الان من ان نعرض ما يقوم به مسؤولونا في ميزان حكم امير المؤمنين، وذلك من خلال النص القادم وهو جزء من كتاب ولاية مصر لمالك الأشتر وهو :(ولا يكونن المحسن والمسئ عندك بمنزلة سواء، فان في ذلك تزهيدا لاهل الاحسان في الاحسان، وتدريبا لاهل الاساءة على الاساءة): نهج البلاغة. وفي ظل حكومة اهل البيت يقول حاكمهم وهو امير المؤمنين: (أأقنع من نفسي بان يقال: هذا امير المؤمنين، ولا اشاركهم في مكاره الدهر، او اكون اسوة لهم في جشوبة العيش؟). هذه هي المواسات الحقيقية من قبل الحاكم لرعيته، في ظل حكومة اهل البيت عاين هي هذه المواسات يا مسؤولون؟؟قبل شهرين من الان كانت الفيضانات قد دخلت الى البيوت والأزقة، وبالوعات الصرف الصحي قد اختلطت بمياه الشرب، وبالرغم من كل تلك الكارثة، فقد وقعت سلسلة من الانفجارات ، مع بقية المآسي.والأمر الجديد الذي وصل إلينا هو اثناء ذلك الوقت حدثت هزات ارضية اصبت الوسط والشمال من بلدنا وكان يُتَوقع حدوث سلسلة اخرى من الهزات الارضية قد تصيب العراق في وسطه وشماله: ولا ادري كيف سيواجه أهلنا ذلك النبأ، ولابد لحكومة الأتباع ان تقتدي بأمير المؤمنين حينما يقول:(أأقنع من نفسي بأن يقال: هذا امير المؤمنين، ولا أُشاركهم في مكاره الدهر)هل أكون قانعاً، من نفسي وأنا ارتضي لنفسي ان أكون مسؤولاً، فيُقال لي هذا الوزير الفلاني او الرئيس الفلاني، (وما يرتبط بهذا المنصب من تفرعات ومغريات)، فهل أرتضي ان يُقال لي هذا فلان من دون ان أُشاركهم في محنتهم ، وأعاني ما يعانون به.اكتفي بهذا القدر من سلسلة(حكومة اهل البيت، وحكومة اتباع اهل البيت) نكمل حلقاتنا القادمة ان شاء الله
https://telegram.me/buratha