لطيف عبد سالم العكيلي
مع احتدام الجدل بين الكتل السياسية، وبخاصة المؤثرة في المشهد العراقي حول التوجهات العامة للسلطتين التشريعية والتنفيذية حيال مختلف القضايا الخاصة بمسار العملية السياسية، تدخل مناقشة قانون الموازنة العامة في العراق لعام 2014 م العراقي جلساتها الحاسمة تحت قبة البرلمان بعد أن تنامت شدة الخلافات التي ما تزال قائمة حول طبيعة فقراتها منذ ارسالها منتصف كانون الثاني الماضي من الأمانة العامة لمجلس الوزراء إلى رئاسة مجلس النواب الذي لم يفلح حتى الآن من قراءة القراءة الأولى لهذا القانون الذي قد تستغرق الخلافات والمقاطعات بين الكتل السياسية بشأنه وقتا طويلا على الرغم قصر المدة المتبقية من عمر مجلس النواب في دورته الحالية التي لا تسمح بمزيد من فرص تعطيل القوانين المقدمة إلى البرلمان التي يشكل قانون الموازنة العامة أبرزها؛ بالنظر لكونها تعبِّر عن برنامج العمل، السياسي والاقتصادي والاجتماعي، للحكومة خلال الفترة المالية، ما يعكس أهميتها بتطوير الأداء في المنظمات العامة؛ بوصفها الأداة الرئيسة التي يمكن بوساطتها نجاح الدولة في تحقيق أهداف السياسية والاقتصادية والاجتماعية، حيث تشكل الموازنة وإعدادها رافدا أساسيا في اغناء السياسة والجهد التنموي وتلمس الاحتياجات وأولويات التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وهو الأمر الذي يفرض على جميع الكتل السياسية ضرورة تغليب المصلحة العامة على المنافع الخاصة وغيرها من رؤى ومراهنات الطبقة السياسية التي أفضت إلى تحميل البلاد كثير من الأزمات، حيث أن العراق بحاجة إلى قانون موازنة يقوم على البحث والتحليل بعيدا عن رغبات وتوجهات النخب السياسة.
وبالاستناد إلى التسريبات ضيقة الحدود التي أعلنتها اللجنة المالية النيابية، فإن إجمالي التخصيصات المالية المقترحة لقانون الموازنة العامة يصل إلى أكثر من ( 174 ) تريليون دينار عراقي، وهو ما يعادل ( 160 ) مليار دولار امريكي، خصص منها ما نسبته ( 63 % ) إلى أغراض ( النفقات التشغيلية )، في حين لم تتجاوز تخصيصات ( النفقات الاستثمارية ) في هذا القانون حاجز الـ ( 36% ) من القيمة الكلية للموازنة العامة التي تزامنت عملية البت في إقرارها مع اقتراب الانتخابات النيابية العامة التي من غير المستبعد استثمارها وتوظيفها من بعض الكتل السياسية لأغراض تتعلق بالدعاية الانتخابية في نهج مرفوض شعبيا؛ لما يحمله من معان وتوجهات من شأنها الإضرار بالعملية السياسية وتحجيم التجربة الديمقراطية الفتية التي دفع من أجلها شعب العراق تضحيات جسام، أثبتت تجربة السنوات الماضية غيابها عن أجندة بعض النواب!!!.
ومثلما أفضت إليه طبيعة بناء قوانين الموازنة العامة الخاصة بالأعوام الماضية، كان أبرز ما يميز موازنة العام الحالي المقترحة هو زيادة نسبة النفقات التشغيلية على حساب الحصة المقترحة للنفقات الاستثمارية، ما يفرض على كاهل السلطتين التشريعية والتنفيذية النظر بجدية إلى ضرورة البحث في مهمة ردم الهوة الواسعة بين تخصيصات الموازنة العامة بشقيها التشغيلي والاستثماري، فضلا عن العمل على زيادة نسبة النفقات الاستثمارية؛ بغية توافقها مع حاجة البلاد إلى مشروعات البناء والإعمار والخدمات البلدية والاجتماعية التي ينبغي أن تتضمنها استراتيجية التنمية الوطنية من أجل إقامة وتأهيل بنى البلاد الارتكازية التي تعرضت أغلب موجوداتها إلى الانهيار بفعل جسامة التداعيات التي أحدثتها سنوات الحروب والعقوبات الدولية التي عاش تحت وطء شدتها شعب ما يزال يضغط على جراحه وهو يواجه العمليات الإرهابية وغيرها من التحديات المحلية والإقليمية والدولية.
ومما يستلفت الانتباه أن الخط البياني لحجم النفقات التشغيلية من إجمالي قوانين موازنات الأعوام المنصرمة في تصاعد مستمر منذ عام 2003 م؛ بالنظر لطغيان عقدة الصفة الاستهلاكية على الفعاليات التي تعكس توجهات وزارات الدولة ودوائرها، فضلا عن غياب المؤسسات الانتاجية التي بوسعها أن تشارك إيجابيا بإضافة موارد إلى الدخل في ظل الحاجة إلى زيادة تخصيصات الفعاليات الاستثمارية وتوظيفها بتخطيط علمي منظم يتيح للقيادات الإدارية إمكانية توجيه إدارات مختلف القطاعات الانتاجية لتنمية مواردها وتطوير كفاءة اداءها.
إن مهمة دعم المشروعات الاستراتيجية والتنموية في العراق الذي يتميز بتشتت قدراته، وتهالك القسم الأعظم من بناه التحتية تستلزم رصد تخصيصات مالية كافية لتأهيلها وتحديث قدراتها المادية والبشرية والفنية والتقنية، بغية المساهمة في ممارستها الخيارات المتاحة ، واستثمار ما تملكه من عوامل بوسعها التأثير في مهمة تدعيم الاقتصاد الوطني، ما يجعل الأمر منوطا بالقيادات الإدارية للشروع في بحث وتحليل تجارب عمل السنوات الماضية عبر الاعتماد على مراكز الدراسات
https://telegram.me/buratha