د. رشيد الخيّون
تأسست هيأة النَّزاهة العام (2004) بقرار مِن الحاكم المدني بول بريمر (2003-2004)، على أنها هيأة مستقلة لا تخضع لرئيس الوزراء حسب الدُّستور، وكذلك البنك المركزي ناهيك عن القضاء، لأنه ما قيمة هذه المؤسسات إذا خضعت للسلطة التنفيذية؟ جاء في المادة (99) مِن الدُّستور العراقي: “تُعد المفوضية العليا لحقوق الإنسان، والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وهيئة النـزاهة، هيئاتٌ مستقلة، تخضع لرقابة مجلس النواب، وتنظم أعمالها بقانون”. ترأس هيأة النَّزاهة، خلال وجودها، أربعة رؤساء: القاضي راضي الرَّاضي، وعزل بظروف مشابهة، القاضي موسى فرج، ولا ندري ما هي التهمة التي أُخرج بها، لكنَّ ما نعلمه لم يكن فرج على مزاج السلطة التنفيذية لا فكراً ولا سلوكاً مِن الأساس، ثم القاضي عبد الرَّحيم العگيلي، وبعده تولى الأمر نائبه. كنتُ كتبتُ قبل إقالة راضي الراضي (2007) بشهور، وأشرت إلى أن الرَّجل عَقد ندوةً وسمعتُ منه استحالة هزيمة الفساد لأنه سُلطة عليا، وكأنه يقول البقاء للأفسد، وذكرتُ أنه لم يأت معه طاقم مؤسسته، ولا مرافقون، وكان لا زال رئيساً، أتت معه ابنة أخته، وهي تُقيم بالخارج مع زوجها وأولادهما كبقية اللاجئين العراقيين منذ الزمن السابق، فراح أحدهم مستشهداً بما كتبته وجعلها تهمة ضده، بأنه عينَ ابنة أخته في حمايته… يا إلهي ما هذا الجهل! حقاً أن البقاء للأفسد، فحتى هذه اللحظة، لم يُفتح ملف فاسد واحد، مِن الفاسدين الكبار، وبإقالة القاضي العگيلي تكون النَّزاهة رفعت رايَّة الاستلام، ومعنى هذا أن الخدمات تبقى ضحلة، والإرهاب يبقى على أشده، بنسبة كبيرة منه تتعلق بالفساد المالي والإداري. يختم القاضي العگيلي رسالته لمن لاذوا بالصَّمت بالآتي: “هذه تهمي التي جُند عشرات الموظفين، بل مؤسسات كاملة للعمل عليها على نار هادئة- منذ أكثر من سنتين- لضمان إسكات صوتي، وتشويه صورتي وخلط الأوراق على الناس، وظهرت لها أهمية جديدة حاليا هي منعي من الدخول في الانتخابات المقبلة، لأنهم لم يضغطوا لإخراجي من القضاء من أجل أن أعود لهم في مجلس النواب، ويا لها من غاية سامية تهم امن وسلامة البلاد ومصالحه العليا والطريقة الوحيدة لتحقيق ذلك هي إصدار حكم ضدنا في احد هذه القضايا الستة، وما أسهل ذلك إنما الأمر يحتاج للسرعة قبل تصديق مفوضية الانتخابات على المرشحين، وهم مستعجلون جداً. فادعوا لأخوتكم بالتوفيق، فلعل الله يخلصهم منا إلى الأبد أو يخلصنا منهم إلى الأبد”(موقع صوت العراق). لم ينته الأمر عند هذا الحد، بل وضع اسم العگيلي على قوائم الاجتثاث لمنعه مِن الترشيح إلى الانتخابات! فأي حلم يراود جفوننا! لكنَّ العگيلي صار مسؤولاً عما جمع ضده مِن تهم، فقد كتب وهو القاضي: بطلان الولاية الثَّالثة لرئيس الوزراء دستوريَّاً، وأن قانون الأحوال الشَّخصيَّة الجعفري سيطبق على كلِّ العراقيين، بمادة مخادعة فيه، لا يراها ويفضحها إلا قاضٍ نزيه. د. رشيد الخيّون باحث عراقي متخصص في الفلسفة الإسلامية. من كتبه "100 عام من الإسلام السياسي بالعراق".اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha