سرمد الطائي
المؤتمر الصحفي لائتلاف دولة القانون المنعقد بفندق الرشيد امس، يستحق وقفة مطولة، وخاصة الكلمة التي القاها سلطاننا نوري المالكي، والتي صار فيها شاكياً متألماً من الواقع المر، وراح يضع خلالها "شروطه" لتسلم الولاية الثالثة.
الاوضاع في كلمته بدت "بالمقلوبي" وأتمنى منكم ان تعذروا الرجل، فهو يطلق حملته الانتخابية، لاهثاً بعد ان انهكه شوط طويل من الركض في كل الاتجاهات، محاولاً اقناع العراقيين بأنه المنقذ الاكبر. وهاهو يبلغ لحظة الاختبار القاسي لمجهوداته غير المشكورة، قلقاً ووجلاً من ان يتفاقم تراجع رصيده كما حصل قبل سنة في انتخابات مجالس المحافظات، ومرتاباً من ان ينجح خصومه في تنسيق مواقفهم اكثر فأكثر، كما حصل حين طردوه من حكومتي البصرة وبغداد.
وقبل ان يلقي المالكي كلمته مع مرشحي دولة القانون، حرص على ان يضمن وصول "قانون الطوارئ" الى البرلمان. وهو اذ يدرك ان توازن القوى لن يسمح بتمريره، فإنه يصمم رسالة الى الخصوم بأنه مستعد لاعلان الطوارئ، حتى لو استند لقانون لم يمرر، طالما تتطلب "مصلحة البلاد" تزويده بصلاحيات اكبر وأكبر، وتعطيلاً لضمانات وحصانات، مشروعة وغير مشروعة.
الرجل لا يكتم جرأته على القانون، وانزعاجه من القيود، وكل ما يحتاجه في هذا الاطار هو الحديث عن "نهاية العراق" كما قال امس حين حذر من "محاولات لتأجيل الانتخابات"! والوضع "المقلوبي" يبدأ هنا بالتحديد، اذ ما من سلطة او قوة يمكنها ذلك يا معالي السلطان، سوى سلطتك ومغامراتك، مع الخصوم في الانبار، ومع الخصوم الذين تدخلت لحرمانهم من الترشح، متخلياً عن اي فروسية متبقية في "مضيف العشيرة" او سجل الجهاد.
ويواصل المالكي قلب الصور والاشكال في كلماته، منتقلا الى "فلسفة الحكم". فبينما يسخر منه العراقيون لانه استولى على كل ملف الامن وملف المال، وابتلع هيئة النزاهة ووسائل اعلام الدولة، وطرد القاضي الرحيم والدكتور سنان،
واصبح يدير كل الدولة بالوكالة، يقلب المالكي الصورة ويشتكي قائلاً انه يريد حكومة يختار وزراءها الاكفاء بحرية، و"من دون املاءات عليه"! ومن الذي املى عليك وأجبرك على شيء، منذ مغادرة اخر الاميركان؟ ألم تصبح "وحدك لا شريك لك" الى درجة انك شعرت بالعزلة والوحشة، ورحت تتقرب الى المشبوهين والمنبوذين والمطرودين؟ وأي حرية تريد في اختيار المسؤولين والوزراء، اكثر من تلك التي خولتك طرد سنان وتقريب مشعان، وجعلتك مختاراً في تسليم امانة العاصمة، ودونما معارضة تذكر، الى السيد عبعوب، صاحب اهم نظريتين في نهاية عهدك، وأعني بهما "الصخرة" الشهيرة، و"مدن الزرق ورق"؟
السلطان في هذه الفقرة يريد ان يبدو امامنا زاهداً في الولاية الثانية، واضعاً شروطه للحصول عليها. ومن سيمنعك من تشكيل حكومة اغلبية، لو نجحت في اقناع نصف البرلمان بدعمك؟ وهل كنت لتقلق كل هذا القلق، لو كنت مطمئناً الى حصولك على تأييد نصف البرلمان؟ ومن سيعارض حكومة الاغلبية، لو توفرت في الدولة مؤسسة قضاء مستقلة وجيش شرعي ومعايير توفر الحد الادنى من متطلبات الدولة، امام المتعطشين لخرق القانون والتشبث السيء بالسلطة؟
في نهاية كلمته، قال المالكي "حذار من بيع بطاقة الناخب، فمن باعها كمن باع شرفه"! ويحي، وأنا كنت اتصور ان الحديث عن امكانية بيعها واستخدامها في تزوير ارادة الناخب، جزء من الاشاعات والمبالغات؟ وهاهو السلطان يعترف بهذا ويحذر منه! وهل هناك من يقف على حقيقة الامر اكثر منك يا دولة الرئيس، وأنت العارف الوحيد في مملكة الذاهلين عن الحقيقة؟ وهل لمنافسيك نفوذك وحجم تمويلك لو دخلتم في تسابق على شراء البطاقات والذمم والمواقف حتى يوم الاقتراع
https://telegram.me/buratha