قاسم ال بشارة
الديمقراطية التوافقية بحسب كثير من الاطروحات "تفضي الى تقسيم المجتمع التعددي الى عناصر أكثر تجانساً واستقلالية، وهي ليست نظاما مثاليا، ولكن في المجتمع التعددي يعتبر التعايش الديمقراطي السلمي أفضل بكثير من السلام غير الديمقراطي ومن ديمقراطية غير مستقرة يمزقها التصارع بين المكونات المختلفة".
كما يتصور البعض ان التوافقات السياسية في الساحة العراقية غير ممكنة، ويسوق هذا البعض عدة عوامل واسباب لتعزيز ذلك التصور واثبات صحته، منها ان عدد التيارات والاحزاب والحركات والشخصيات السياسية العراقية كبير جدا، بحيث يصعب تصور اتفاق وتوافق كل تلك التيارات والاحزاب والحركات والشخصيات على رؤية او رؤى مشتركة لكم هائل من القضايا التي تتشعب لتبدأ من عملية اقرار الحريات الفردية وتشخيص حدودها وضوابطها، ولتمتد الى صياغة مناهج التربية والتعليم، ودور المؤسسات الدينية في توجيه المجتمع، وحرية المرأة ومشاركتها في العمل السياسي، وموقع ومكانة وسائل الاعلام، لتنتهي عند مسائل أخطر وأكثر اثارة للجدل والسجال حول جملة من المسائل المهمة في الدستور التي تعد موضع نقاش وسجال وجدل ي كاد يكون متواصلا ولا ينقطع، ناهيك عن التنافس والصراع على المواقع انطلاقا من السعي الى تحقيق اكبر قدر من المكاسب والامتيازات والنفوذ.
اما بالنسبة الى تطبيقات الديمقراطيات في مجتمعات متعددة القوميات والاثنيات والعرقيات والاتجاهات السياسية في أوربا وغيرها، جديرة بالتأمل والدراسة في اطار السعي المتواصل لترسيخ اسس وركائز النظام السياسي الديمقراطي في العراق، من خلال تصحيح وتعديل المسارات من داخل الاطر الدستورية وليس من خارجها، مع اهمية التذكير والاشارة الى ان طريق التوافقات طويل وشائك وفيه الكثير من المطبات، لكنه افضل بكثير من طريق يفضي الى متاهات وانفاق مظلمة مثل طريق التصادمات والصراعات، يبدو ان اجزاء من العالم العربي مقبلة على بفعل الثورات والانتفاضات الجماهيرية على السير في طريق التوافقات من اجل ان تصحح مساراتها الخاطئة طيلة عقود سابقة من الزمن.
فالعراق منذ عام 2003، تلعب فيه عملية التوافقات السياسية بين التيارات والقوى المختلفة في الساحة السياسية دورا كبيرا وربما محوريا في اشاعة الامن والهدوء والاستقرار، وحل ومعالجة المشاكل والازمات الاجتماعية والاقتصادية والامنية والسياسية التي هي اما افرازات ومخلفات طبيعية لمرحلة الاستبداد والديكتاتورية، او نتاج لحالة غياب السلطة ووجود الفراغ الاداري والسياسي، او باعتبارها استحقاقا طبيعيا لمخاضات تشكل وتبلور الدولة الديمقراطية والنظام السياسي القائم على التداول السلمي للسلطة.
وقد تكون أهمية التوافقات السياسية أكبر في البلدان التي يتميز نسيجها الاجتماعي بالتنوع القومي والمذهبي والطائفي والسياسي. ان ما يحرك الشارع السياسي اليوم في هذه المرحلة هي عملية الانتخابات وما سبقها من تداعيات وصراعات بين الكتلة المتنافسة والمرشحين، والتي أثرت سلبا على تقبل الانتخابات كممارسة ديمقراطية تنتج التعايش المستقبلي للعراق، وبالرغم من هذا كله، نجد أن بعض الكتل طرحت برامجها الانتخابية المستقبلية والتي لقت قبولا جماهيريا واسعا.
التغيير عبر الانتخابات اليوم هو مطلب أساس في مرحلة حرجة يجب أن يقطف ثمارها المواطن أولا، ولنطبق مفهوم الديمقراطية التوافقية بشكل صحيح لمستقبل أفضل.
قاسم ال بشارة
https://telegram.me/buratha