علي محسن الجواري إعلامي وناشط مدني
التاريخ، الإرث المتبقي من الأمم الغابرة، القصص والعبر، الرجال والمواقف، الحروب والصراعات والأزمات، وكتابه، وألوانه، وأزمانه، وأحكامه، يجبرنا على قراءته والتأمل فيه، بل وكثيرا ما يجبرنا على إعادة القراءة لأكثر من مرة والتفكر بمحتوياته، نمر على محوره، وندور حول محيطه، ونتفحص جوانبه وزواياه.
وكثيرا ما ظلم التاريخ رجالاً، فإما أن يكون تغافل عنهم أو لم يفهم مواقفهم، أو ربما ظلم نفسه وباحثيه وقراءه بإسرافه في تمجيد من لا يستحق المجد، وابعد من دائرة الضوء رجالاً كالشموس الساطعة.
ولان الشهادة دائما ما تكون وفق موروثنا الإسلامي، ومواريث كثير من الأمم، هي مسك الختام لحياة عظام الرجال، ربما كانت هي التصحيح الإلهي، لأخطاء البشر وتاريخهم الغير منصف في كثير من الأوقات، ومن بين هؤلاء الرجال شهيد المحراب آية الله العظمى محمد باقر الحكيم (قدس)، وبعيدا عن التقليدية والكتابة السردية لنشاته وتربيته وتاريخه الجهادي المشرف في التصدي لأبشع الطواغيت على مر العصور، تبرز شخصيته العلمية، التي نهلت من روافد عدة، أولها بيت مجاهد يصدح فيه القران وروايات الفضيلة وأحاديث العلم، وليس أخرها مجالسة ومخالطة جهابذة العلماء والمجاهدين، وكان المسك بشهادة في المحراب، على خطى الفائز برضا رب الكعبة.
كان سماحته يرزح تحت حمل ثقيل، همه وطنه وأبناء شعبه، مهما كانت انتماءاتهم، فخطابه كان موجها لكل العراقيين، ولا يخفى على احد قريبا كان أو بعيدا هذا الأمر، سعى منذ أيامه الأولى ، بل منذ أن خطت رجله أول خطوة على أول شبر من تراب الوطن، سعى لوحدة العراقيين وكثيرا ما تضمنت خطبه هذا المضمون علناً لا تلميحاً، لقد استشعر الفقيد الغالي، جوانب الخطر المحيطة بالوطن ووحدته، فكان أول المتصدين لدعاة الفرقة والشتات، وتجمع حوله من يؤمنون بمشروعه الوحدوي، ومن يدركون كبر حجم الخطر المحدق بالأمة، ونبه مراراً وتكراراً، لمخططات الأعداء الرامية لتمزيق وحدة الشعب، وتمزيق خارطته الوطنية بأبعادها المختلفة، وصدقت قراءته المستقبلية.
واليوم نعيش كل الأخطار التي حذرنا منها شهيد المحراب (قدس)، فرغم وجود الديمقراطية في بلادنا، إلا أن الفرقة تسودنا، والأهواء تجرنا، وعاد حب الرياسة والتسلط والتحكم بمقدرات الآخرين، ليملا عقول الكثير من ساسة البلد، وليبقى المواطن العراقي رهين المكرمة والهبة والمنحة، التي يتفضل بها عليه أولي الأمر.
أما دعائه الذي كان يردده دائما، ورغبته بدولة كريمة، يعيش فيها الإنسان بعزة، فهو أمانة بأعناقنا، نعم، قد نيأس أحياناً، وقد يتسرب في نفوسنا الوهن، ويبعدنا التعب والنصب أحياناً أخرى، ولكنا لن نتخلى ولن تزل أقدامنا عن طريقك بعونه تعالى، فسلام عليك يوم ولدت، وسلام عليك يوم استشهدت، وسلام عليك يوم تبعث حيا..سلامي
https://telegram.me/buratha