بقلم : محمد أبو النواعير ..
أكمل العراقيون عشرة أعوام, ودخلوا في العام الحادي عشر, ولا زالت قضية الملف الأمني, من الملفات التي فشلت الحكومات المتتالية في إيجاد حلول رادعة لها, سواء أكانت هذه الحلول متعلقة بالجانب السياسي, أم متعلقة بالجانب العقائدي والفكري, المؤسس للقناعات المتطرفة عند الجماعات الإرهابية؛ بحيث أضحى التدهور الأمني معبرا عن حالة (السادة والعبيد), المذكورة على مر التأريخ؛ ولكنها هذه المرة ليست من حيث جوع البطون وتخمتها, للطبقات المكونة للمجتمع! وإنما أصبحت من حيث سهولة هدر دماء العبيد(الشعب), بعدم الإهتمام لحياتهم, وعدم وجود جدية من قبل القائمين على ادارة البلد, من أجل إيجاد الحلول الناجعة للحفاظ عليهم من الإنقراض؛ وفي الجانب الآخر, نجد النموذج المضاد, وهو الحفاظ على دماء السادة (المسئولون الحكوميون), وأصحاب السلطة, المتمترسون بجيوش جرارة من الحمايات, مع توظيف كامل لكل الأجهزة الأمنية, من أجل توفير الحياة الآمنة لهم ولعوائلهم .
ولم تجد السلطة والقائمين عليها, من الحلول الناجعة لهذا الملف, إلا اللهم ما كان مقصودا منه تلميع الوجوه (الكالحة) في إدارة البلد, فأصبحت سمة الفاشلين في هذا الملف, هي اللجوء الى العنف! واستخدام القوة العسكرية, لإعطاء جرعة مهدئة للمواطن, ناسين أو متناسيين أنها لا تجدي نفعا في هذه المواقف .
وقد يكون الخوض في الأسباب الظاهرية للمشكلة الأمنية, من باب التكرار الممل؛ فقد أصبح واضحا للقاصي والداني, والجاهل والعالم, أن أسباب تدهور الملف الأمني في العراق, قائم على الكثير من الأسباب الظاهرة, منها: انتقال البلد من وجود قوة عسكرية مطلقة, إلى فراغ عسكري مؤسساتي كامل, عندما قام الإحتلال الأمريكي بحل المؤسسات الأمنية كلها؛ ومن جانب آخر أيضا, محاولة الجانب الأمريكي إقصاء كل المخلصين, حيث انها كانت تتخوف منهم, تمكنهم من قلب المعالدة, وتحقيق إستقرار وتطور نسبي في البلد.
من جانب آخر كان للدول الإقليمية دورها المهم, والذي كان ينبع من منطلقات مصالح عديدة لهذه الدول, منها المنطلقات الطائفية, ومنها المنطلقات النفعية الإقتصادية, ومنها منطلقات فرض السطوة والقوة في المنطقة, وأهمها: منطلقات تصفية الحسابات مع الدول الخصوم لها, وعلى أرض العراق! .
ومن جانب آخر, إذا أردنا أن نحلل ونفكك منظومة الإرهاب كفكر وممارسة, سنجد أن القوة المنطلقة من فكر الجماعات التكفيرية المسلحة, قد غيرت كل شيء, إلا أنها لم تغير طريقة تفكيرنا, حيث إننا بحاجة الى اسلوب جديد جذريا في التفكير, إذا أردنا أن نعيش في هذا البلد بسلام, فالقضية لا يمكن حلها بمجرد اللجوء الى التقنيات العسكرية, بل يجب العمل على إيجاد حالة التكامل والتناغم التنسيقي, بين جميع مفاصل عملية إستأصال هذا المرض؛ فالمسعى الأخلاقي مثلا, يستوجب منا إحداث إستقصاء في اصل النفس البشرية (انتروبولوجيا), وتقصي الجذور العميقة للعدوانية الجماعية, التي بدأت تظهر على شكل عقل جمعي مؤمن بأن الآخر يريد إقصائه, وتحولت بعدها الى مسألة وجود: (نكون أو لا نكون) .
هناك ضابطتين يمكن النظر لهما, على أنهما الأساس في هذا الأمر؛ الأولى: التمسك بمفهوم أو عقيدة (الحرب العادلة ) ضد الإرهاب؛ والتي ينطلق أصحابها من فكرة الإستحالة المطلقة, لوجود أي حالة تسوية, مع أي طرف, فيلجؤون إلى إستخدام القوة العسكرية المدمرة؛ والثانية: منطلقة من موجب اخلاقي أساسي, يقوم على مبدأ وجوب الحياة في المجتمع, وهو : موجب السلم المجتمعي؛ بحيث يحاول أصحاب هذا الإتجاه, قطع الطريق على كل الأساليب, للمعاملة الغير إنسانية, وللفظاعات والقتل الذي يكون أغلبه عشوائي, وغير مفيد في حل المشكلة, فيجب عدم اللجوء اليها بإفراط, حتى وإن فرضتها السلطة التراتبية, حيث يترتب علينا وجدانيا رفض تنفيذها؛ وأصحاب هذا الإتجاه يرون دائما, ان الحل الناجع إنما يقوم على التوفيق البارع, بين تحريك جانب الإطمئنان الجماهيري, لما يمثل من حواضن مؤقتة, وبين التلاعب الخفي والممسوك بالقوة العسكرية؛ وقد فشلت القوة العسكرية العراقية, في استخدام اسلوب استراتيجي عملي وتكتيكي, بهدف تفكيك تنظيم العدو أو القضاء عليه, وغالبا ما كان يتبع اسلوب (الكتلة) التي تتصرف بأعلى درجات العنف في الصدام, والصدام هنا لم يكن وكأنه تصادم كتلتين متواجهتين, وبأقصى سرعة, بل كان وببساطة سعي (المهاجم), أو هو قبول (المدافع) النزال وجها لوجه, فالعملية هنا بنيت على أساسين : كتلة ودفاع .. بينما كان من المفترض, أن يكون الذهاب بإتجاه التحول من مفهوم الحرب العادلة, إلى مفهوم الدفاع العادل .
وإذا أردنا تفكيك مفهوم الإرهاب, سنجده عبارة عن حالة خوف مستثار, وذلك في حالة تحوله الى (عمل), حين يتخذ استراتيجية خاصة تدعو الى الإستعمال المنهجي للعنف,
https://telegram.me/buratha