كاصد الاسدي
غريب عالم السياسة , صراعات ,نزاعات , مزايدات , ومما يزيد الاستغراب والدهشة هو تناقض الآراء
في هذه الأزمنة المليئة بالغرائب, المتخمة بالمفاجآت, حيث كثرت فيها شخصيات غريبة الأطوار, عجيبة في تصرفاتها ومزاجها . يخيل إليك وأنت تستمع إلى حديثه, إن الحكمة قد ملأته من رأسه إلى أخمص قدميه, وأن الطيبة فاضت من قلبه كما هو ماء الينبوع .
فيحدثك بلسان الواعظين ومنطق الحكماء والمصلحين ,وأحيانا يصورُ لك نفسه من دهاقين السياسة ودهاتها
( يريك من طرف اللسان حلاوة ... ويروغ منك كما يروغ الثعلب ) ( سيف مسلول يعجب منظره ويقبح أثره)
وأنا انظر إلى هذه الشخصيات المزدوجة تبادر إلى ذهني مصطلح (الديماغوجية ) .
ومع إن علماء السياسة قد فسروا معنى هذا المصطلح, بأنه خداع الجماهير ,وتضليلها بالشعارات والوعود الكاذبة . فبالإمكان أن نضيف شيئا آخر فالخداع بالمظهر والمنطق وحتى الملبس وفلسفة الكلام . يقع في إطار هذا المصطلح الديماغوجية.
والكلمة من أصل ( ديمو ) الشعب و( غوجيا ) قيادة . وهي إستراتيجية لإقناع الآخرين بالاستناد إلى مخاوفهم وأفكارهم المسبقة إضافة إلى أنها سياسة الحصول على السلطة والكسب للقوة السياسية من خلال مناشدات المتحيزات الشعبية معتمدين على مخاوف وتوقعات الجمهور المسبقة , عادة عن طريق الخطابات والدعاية الحماسية , محاولين إثارة عواطف الجماهير
والمعروف إن الديماغوجي, يسعى لاجتذاب الناس إلى جانبه عن طريق التملق وتشويه الحقائق
ما نراه إن هذا الزمن, قد كثرت فيه هذه الصور وباتت موزعة في كثير من مواقع المجتمع, كما ازداد في هذه الأزمنة محبوا الزعامة والوجاهة والمتصدون والمتسلقون إلى المواقع والباحثون عن الإمارة (ولو على الحجارة ) كما يقول المثل الشعبي
هذه النزعة تعد من سمات هذا الزمن وصوره الأكثر بروزاً , أصبحت قوية وواضحة في هذه الحقبة بالذات وربما لها ما يعللها ويفسر أسبابها وفي مقدمتها غياب المعاييرو انعدام كافة مقومات تقييم الشخصية المجتمعية
الصحيحة . وانكفاء أصحاب المواهب والكفاءة ,حتى أراد العصفور أن يصبح نسراً كاسراً ( وردتك رجل يكعيم عن وحشة الليل )
وربما السحر المادي دفع بكل من هب ودب للبحث عن موقع ويحضى بالامتيازات , ونافسوا بذلك أهل الخبرة والمقدرة . لان الأبواب مشرعة لمثل هذه الشخصيات, كي تزاحم وتبحث عن الزعامة والوجاهة ولو عند
قاريي الكف أوقارئة الفنجان . فقد يسعفه الفنجان بالأمل ويدفعه ويشحن همتهُ بالجرأة ويندفع معتقدا أنه بحق من أهل السيادة والوجاهة والمقدار.
فعصرنا مأساوي جداً, وكأننا نعيش في غابة وفق منهج البقاء للأقوى, وهذا ما يتنافى مع فوانيين البشرية التي تروم العيش بوئام وسلام عندما يكون الأصلح خيارها , حيث أصبح عصر طلب الإمارة والبحث عن الألقاب , واختلط الحابل بالنابل إلى أن طفت على السطح اغلب المتضادات . زمن امتزج فيه الغث بالسمين , واقترن الفنجان وتعاليم الدين بالخرافة والعلم بالشعوذة ,والباروسايكولوجي بقراءة الكف .
أما العلم والعلماء, والأدب والفن , والفراغ المناسب ومن سيشغله اعتقد أصبحت من الشعارات المؤجلة واخشي أن أقول معطلة .
https://telegram.me/buratha