لا زلنا ندفع نحن العراقيين اليوم ثمن إنجرارنا وراء (الشراكة) المهترئة في تشكيل الحكومة، والتساهل مع المسيئين للوطن، والعابثين بأمنه وسلامته من ذوي الحصانات النيابية والوزارية وهلم جرّا، هؤلاء هم من يفتئتون على مائدة العراق الجديد، ممن فلتوا -في غفلة من الزمان- بعد السقوط من غضب الضحايا وذويهم الذين يعدّون بالملايين، ومن (الإجتثاث) الذي كان أبسط حقوق الضحايا في (تجريم) الجناة، ولكن المتحوّلين قاتلوا فيما بعد، وتمكنوا بدورهم من (إجتثاثه) من التشريعات والقوانين، وجعلوه حبراً على ورق، وأضحى الخوف قائماً أن يتحول الى (إجتثاث) للضحايا أنفسهم، فطموح المتحوّلين لا حدود له. ندفع اليوم فاتورة (عفا الله عما سلف)، ونحن كنا نرى في أعين (المتحوّلين)، من أيتام الطاغية خرائط المؤامرة وخناجر الغدر، وهم متربعين على كراسي السلطة الجديدة ومجلس النواب، وأيضا في سلك القضاء ومفاصل الدولة الحساسة الأخرى، فكان ديدنهم تسميم الأجواء، ووضع العصي في عجلة الدولة والمجتمع بما أوتوا من قوة، فيبتهجون حينما يعتل الوطن، ويتجهمون حينما يشمخ، وكانوا يحولون كل ايجابية في الوضع العام الى هدف لنيراهم وسهام حقدهم، وإثارة ألف علامة تعجب واستفهام للتغطية على تلك الايجابيات، ويزيدون عليها ركام وحلهم ورمادهم!
لقد خبرهم الشعب العراقي وقرأ بأن ما تخفي صدورهم أكبر، ولم ينس ان العمليات الإجرامية لترويع الآمنين والفتك بهم كانت لا تتأخر أكثر من 24 ساعة بعدما (يغضبون ويزعلون) في مجلس النواب، وكانوا بُعيد تلك الجرائم لا يكلفون أنفسهم حتى ترديد عبارات إدانة تلك العمليات الإرهابية -وإن صورياً- أو المطالبة بالاقتصاص من القتلة، بل كانوا يسارعون الى إدانة السلطة على (تقصيرها)، وبأنها المسؤولة الأولى والأخيرة على حفظ الأمن، أما السلطة، وبالفصيح شيعة السلطة، فكان عليهم أن يتلقوا بروح رياضية كل ذلك التعسف والتكالب من (المتحولين) شركاء الحكومة، والأنكى هو محاولة ترضيتهم وتطييب خواطرهم، بل ربما يصل الأمر الى مكافأتهم على تخفيف حدة غلوائهم وزعلهم! يا للعجب ويا للهول! فنحن الشعب الوحيد على هذا الكوكب، الذي يتقبّل باستسلام ملفت وبلافتة (حفظ المصلحة العليا) حقيقة ان (الشركاء) في الحكم ممسكين بمعاولهم على رؤوس الأشهاد وبشهوة الانتقام ليهدموا العملية السياسية، ويجرّوا البلاد والعباد الى مذبح أهوائهم وتواطئهم ومصالحهم، حتى لو كان الثمن جلب كل آكلي لحوم البشر الى مأدبة العراق والعراقيين.
* * *
جاء في مأثور الحكماء "ان الضربة التي لا تقصم الظهر سوف تقوّيه"، ولا مناص لنا كعراقيين من أن نضمّد جراحنا ونوقف النزيف العراقي بأيدينا، ولا ننتظر المنّة المشروطة من أوباما وطائراته بلا طيار، فلا تنقصنا -وللّه الحمد- العزيمة والغيرة والحمية في هذه الظروف، كما لم ولن تنقصنا البصيرة بأعدائنا واصطفافاتهم وغدرهم وخيانتهم، ولا تنمحي من ذاكرتنا مواقف رعاتهم من (المتحوّلين) الملوثة ثيابهم الرسمية بدماء العراقيين، والذين يتقاسمون التوحش والإجرام في العتمة مع الظلاميين والإرهابيين وداعش الوهابية وبعث الجريمة والنقشبندية البرابرة، يتقاسمون معهم مهام دراكولا في العراق، ويزرعون إرهابهم المدجج بفتاوى الذبح وجهاد النكاح!
* * *
علينا كعراقيين وكضحايا أن لا نسمح لكائن من كان أن يوزع علينا فيما بعد نظارات مضبّبة، وفي نيته ان لا نرى الأمور على حقيقتها، بل علينا ان نسعى بكل جهدنا بأن نبصر كل ما يلامسنا أو يؤسس لواقعنا على حقيقته، حتى لا نصحو على نكبة هنا ونكبة هناك بين فترة وأخرى، فعافية الوطن لا تحتمل مثل هذا المآل أكثر مما سبق!
نريد أن نرى السفاح والمتواطئ مداناً ومتهماً لينال جزاءه، لا أن يُكافأ بمنصب وحصة في (الشراكة الوطنية)، ولا نسمح ان ينفض عنه سخام المؤامرة وعار الخيانة، أيّاً كان هذا الكائن، النجيفي أو من لفّ لفّه.
نريد أن نعبر المحنة بعزيمة وإصرار، وأن نكون واثقين بأن مجلس النواب هو حصن الشعب الذي انتخبه، لا حاضنة للدواعش والإرهابيين والبعثيين، بواسطة من يمهّدون لهم ويمكّنون لإجرامهم من ذوي الحصانة النيابية.
نريد أن لا نأبه لتخرصات المقنّعين وأصحاب الأجندات المشبوهة والمصدّرة من عواصم محور الإرهاب، وأن لا ننصت للمتلفعين بعباءة (التعقّل) وتغليب (مصلحة الوطن)، وأن نلقم من يوصمنا بـالطائفية والتعصب و(اللاعقلانية) حجراً حينما نسمّي الأمور والوقائع بمسمياتها، وحينما نسمّي الخونة والغادرين وموظّفي مخابرات آل سعود وتميم قطر والسفاح أردوغان بأسمائهم.
نريد جيشاً وطنيا قلباً وقالباً، لا يخضع للمحاصصة بأية عناوين، وأن لا يأتمر العسكري سوى بأوامر قيادته العسكرية، وأن لا يُقدّم على واجب الذود عن الوطن والمواطن أي أمر آخر، وأن لا يُقدم أمر طائفته وقوميته والجهة التي سهّلت انتسابه للقوات المسلحة.
نريد أن نملأ قلوبنا بحب الشرفاء والمضحين وقواتنا المسلحة والجنود المجهولين في أي موقع يتفانون فيه لخدمة العراق، ونريد لهذه القلوب أن لا تتصالح مع القتلة والأفّاقين و (المتحولين) ذوي الجباه المدموغة بعار الغدر والخيانة، ولا نسمح لمن يريد أن يدافع عن هؤلاء بلافتة التسامح والوفاق و (فتح صفحة جديدة مع الجميع)، فلا تسامح مع القتلة، ولا توافق مع الخونة، ولا يلدغ المؤمن من جحر مرتين!
* * *
لقد كنّا فريسة سائغة لرعيل (المتعقلين)، اذ كانوا يحاصرونا بتهمة الطائفية حينما نطالب بالقصاص من القتلة ورعاتهم وحماتهم المعشعشين في قلب العملية السياسية، ألم تكشف التحقيقات فيما مضى ضلوع أحد نوابهم في تدبير جريمة تفجير مجلس النواب؟ الم نبلع ألستنا ورششنا جراحنا بالملح ودفنا ضحايانا وقدّمنا مصلحة العراق، مثلما فعلنا في 11 عاماً منذ السقوط؟ وكان أن كافأنا المجرمون باستباحة الدم العراقي، والتراب العراقي، ومقدسات العراق، وأخيرا الشرف العراقي عبر مؤامرة الموصل وتوابعها؟! ألم نكن أكثر سلمية من أي مدّعي للسلام في العالم ونحن نرى القتلة والسفاحين يتنعمون في فنادق الخمس نجوم في أربيل وعواصم محور الارهاب، ويدمنون الظهور عبر الشاشات المتواطئة ضدنا، ليكيلوا كل بذاءاتهم على الشيعة ورموزها، وعلى الشرفاء وقواتنا المسلحة.
* * *
بصراحة متخمة بالغصص، لم يتفاجأ الكثير من العراقيين صبيحة العاشر من حزيران بنكبة الموصل، وتسأل لماذا؟ لأنها النتيجة وليست السبب، نتيجة للتساهل والتراخي والتسالم مع الخونة والقتلة، من الداخل أو من خارج الحدود، ومعهم رعاة الإرهاب والمتواطئين جهاراً مع رؤوس الفتنة، ممن لا يتفوهون بكلمة سوء بحق رؤوس الإرهاب وقطعان الارهابيين، انها نتيجة التساهل مع الأنظمة التي زرعتهم ودعمتهم، وكان كرمها كبيراً في تجنيد وإرسال ذبّاحيها وقطعانها، وأفتت لهم وعبّدت بتلك الفتاوى الشيطانية طريق (الجنان) الذي يمر على أشلاء العراقيين.
انها نتيجة للمحاباة مع رؤوس الشر والخيانة (شركاء) العملية السياسية، وإنها نتيجة لارتخاء قبضة السلطة وترك الحبل على غاربه لرموز الغدر والخيانة لتسرح وتمرح كيفما يحلو لها، وبلا ضوابط رسمية أو تنسيق مع رئيس أعلى سلطة تنفيذية حين الأزمات، فالنجيفي لا يرى غضاضة أن يطير الى السفاح أردوغان والأخير في حمأة الهجوم على العراق دبلوماسياً، وعلاوي يحط في الرياض لتقديم تقريره وأخذ التعليمات من طويل العمر، وآخر يغادر الى الأردن ليلتقي بالضاري والضواري بعد أن يستلم تعليماته من الملك ومخابراته!
ولن نفصّل صفحة ساحات الأنبار وما احتضنته من رموز الإرهاب والدواعش وعتاة الإجرام، اذ كان صبر السلطات مطاطياً وكأنها تتعامل مع مجموعة من مثيري الشغب في ملعب لكرة القدم.
ولكن، سيتفاجأ (نضع تحتها خطا أحمر ساخناً) غالبية العراقيين حتماً لو تعاملنا مع الظرف الراهن بتكرار المجرّب، اذ (مَن جرّب المجرّب حلّت به الندامة)، وحينها لا مجال بأن نلوم غيرنا.
ان عراقنا الجريح يصرخ فينا اليوم بأن الناس اثنان، أحدهما مع العراق، والثاني مع الإرهاب، أما من يقف بينهما فهو إما إرهابي مقنّع، أو نسخة طور التشكيل من (المتحولين) الذين يتكاثرون حينما تأزف ساعة انهزام الشر والإرهاب، وهي قريبة بإذن الله.
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha