المقالات

سنجار.. شقوق في القناع الأميركي

1639 03:52:45 2014-08-17

كشفت الكارثة الإنسانية التي حلّت بالأهالي المدنيين في سنجار وجبلها، فصلاً آخر من فصول العدوان الإرهابي التكفيري الذي عصف بالعراق منذ نكبة الموصل، ولن يكون الفصل الأخير في ظل الواقع وتداعياته، حيث يندرج ضمن الجرائم المروعة  للإرهابيين وحماتهم، بموازاة فصل مشين آخر تسطره الإدارة الأميركية في المشهد العراقي، وتحديداً في الحرب الإرهابية المستعرة على تراب الوطن، بعد فصولها المشبوهة غير المنتهية، كدورها في نشأة تنظيم داعش والتمهيد لتمدده، بما يخدم نظرية (الفوضى الخلاقة) التي بشّرت بها الإدارة الأميركية، كوصفة لتزريق (الديموقراطية) لشعوب المنطقة في الشرق الأوسط الجديد، وبجرعة قاتلة هذه المرة!

سيطول المقام في سبر عمق المؤامرة التي أشعلت المنطقة، وما يحَظّر لها بأدوات داعشية مسنودة بالقاعدة وقطعان الإرهابيين التكفيريين، وبدعم مباشر من محور الإرهاب (قطر والسعودية وتركيا والأردن وإسرائيل)، وغير مباشر من أميركا وحلف الناتو، فكانت تلك المؤامرة قد بدأت فعلياً في سوريا، وتمددت الى العراق، كمحطة ليست الأخيرة في مسار تلك المؤامرة، ولكن الملفت في الأسابيع المنصرمة، هو التكلّف الواضح من الجانب الأميركي في ترقيع القناع الذي يلبسه، بعد أن كثرت شقوقه وبات يهدد بفضح ذلك الدور الذي يلعبه في المؤامرة القائمة، تلك الشقوق التي تشكلت بفعل نكبة الموصل، وأفرزه التباطؤ المشبوه في (المساندة) الأميركية لدحر العدوان، والتنصل المخزي من تفعيل بنود الاتفاقية الأمنية المشتركة مع العراق المبرمة في 2011، والاكتفاء بإرسال 300 (مستشار) أميركي، لا ندري هل حضروا لتحصين وحماية رعاياهم، بما فيهم منتسبي سفارتهم وقنصلياتهم، أم للاطلاع على ما يدور في غرف العمليات، اذ لم نلمس أي تحسّن يذكر في سير العمليات الكبرى منذ قدومهم والى الآن؟! 

خرج التخبط الأميركي في الملف العراقي عن التحكم مؤخراً، بما كانت أميركا ترتئيه من خلط الأوراق، فهي لم تعد مقنعة في (استعدادها) للتعاون مع الحكومة العراقية في محاربة الإرهاب، لأن خطواتها العملية أبعد ما تكون عن هذه المقولات والمزاعم، ولا باتت مقنعة أيضا في تبريراتها بشأن تخاذلها عن مساندة العراق عملياً وبجدية في مهام القتال، معززة بالجهد الاستخباري وتقنيات الأقمار الصناعية، ومن هذه التبريرات (عدم وضوح) المسار السياسي العراقي في الفترة المقبلة، او (تفشي النهج الطائفي) في التعامل مع الملفات الداخلية، وفي هذه الجزئية تستهدف أميركا دوما الأطراف الشيعية في الحكم لمآرب غير مجهولة، وعلى هذا المنوال ترحّل أميركا (التزاماتها) تجاه العراق، والتي تبجحت بها كثيراً في مناسبات عديدة قبل نكبة الموصل وتداعياتها، فكان لابد للجانب الأميركي المثقل بأصابع الاتهام التي تشير اليه، والبصمات التي تكشفت في خذلان الحق العراقي بمقارعة الإرهاب وتطهير العراق من دنسه، أن يستثمر أية فرصة سانحة يمكن أن تعيد ترميم المساحيق التي تغطي حقائق الدور الأميركي، وتنتشل هذا الدور من الافتضاح وتوابعه السلبية حاضراً ومستقبلاً! ولذا، رأينا الأميركيين لم يتباطؤوا هذه المرة حينما سقطت سنجار بضحاياها المدنيين اثر مجزرة داعشية مروعة، فكانت التفاحة التي سقطت، وعلى الأميركيين أن يتلقفوها، وشهد العالم الاستعراض الهوليودي المبرمج والمدعوم بكاميرات الإعلام الأميركي العابر للقارات، ليصوّر (إنسانية) العم سام، بمشاهد لن تجود بها الساحات الملتهبة كل مرة، وهو يلقي صناديق ورزم المساعدات على المنكوبين في جبل سنجار، ضمن عمليات (الإغاثة الإنسانية) التي تقودها أميركا، ومعها بعض الدول الاوربية التي لحقت بها كالتابع الذي لا يتأخر عن سيده، ومارست هي الأخرى ذلك الاستعراض (الإنساني) باستنساخ متقن! مثلما مارسوا جميعاً الاستغفال في احترام سيادة العراق حينما تصول طائراتهم في أجوائه بلا أي تنسيق مع الحكومة العراقية!

لن يعارض المرء أية أعمال إغاثة للمنكوبين، بل من المنطقي أن يثني عليها، ولكن حينما تأتي من أطراف لها اليد الطولى في جعل آمني الأمس يتحولون الى منكوبي اليوم فالأمر يختلف كثيراً، بل ويتجه الى النقيض، ويتحول الى كوميديا سوداء، ويصدق القول حينها بأن "يدٌّ تُسبِّح، وأخرى تُذَبّح"!

لقد كانت سنجار وغيرها من المناطق الملتهبة والمستهدفة من العدوان الإرهابي، تستنجد وتحذّر من نوايا الإرهابين في الفتك بأهاليها، وكانت أميركا وحلفاؤها على علم قبل غيرهم بنوايا داعش بالتمدد في الإقليم وسهل نينوى، ولم تكن الكهرباء منقطعة عن أقمارها الصناعية التي ترصد كل ما يدور على أرض العراق، فما بالنا بتحركات قطعان داعش وعربات الدفع الرباعي المولعين بها! اضافة الى الكثير من المعطيات الميدانية التي لا تغيب عن البنتاغون، فماذا كان الفعل الأميركي، سوى مضغ العبارات الجوفاء التي سمعناها منذ نكبة الموصل الى اليوم، وذلك التدخل السافر في الشأن الداخلي، والذي أصبح مثيراً للقرف أكثر من أي شيء آخر؟ ثم جاء تكليف السيد حيدر العبادي، ليستثمره الجانب الأميركي هو الآخر في التسويف، ولكن بطريقة مقلوبة هذه المرة، فحواها ان المرحلة تبشّر (بتعاون وتنسيق أفضل) من المرحلة السابقة، ويبدو ان البعض قد بلع قرص المنوم هذا!

ينبغي الإشارة الى ان الحريق المشتعل في العراق والذي أفضى الى استباحة الأرض والمقدرات، ويهدد الإنسان قبل كل شيء، لم يكن بسبب جائحة أو كارثة طبيعية ضربت البلاد، حتى يتنادى (الشريك الأمني) الأميركي في تفعيل شق (المساعدات) فقط بهذا الاستعراض الملفت، كما لا يعوز العراق بثرواته أن تُلقى الصناديق والأكياس من الطائرات الأميركية على المنكوبين، حيث لم يتباطأ العراق لا رسميا ولا شعبياً في مهام الإغاثة وإيواء النازحين والمنكوبين، أما القصور الحاصل فتقع فيه أغلب الدول -حتى المتقدمة- في مثل هذه الظروف، كما ان استقبال المساعدات من الدول الأخرى غير معيب، ولا يشير الى عجز لدى الدولة، فهذا التصرف تنتهجه كل الدول إبان الكوارث والأزمات الإنسانية، مهما كان حجم تلك الدول او ثراؤها، ولكن حينما تشكّل هذه المساعدات عاملاً في التنصل من التزامات أكثر إلحاحاً وحيوية وستراتيجية، ويتحملها و(وّقع عليها) الطرف الأميركي في المعاهدة الأمنية المشتركة مع العراق، إضافة الى المسؤولية الدولية و(الأخلاقية) التي صدّعتنا بها أميركا، حينها تتولّد علامات الاستفهام المدببة، ويوضع التصرف الأميركي تحت مطرقة التشكيك، وكردّ فعل طبيعي، تتجه أنظار الأميركيين الى (الاستثمار) الذكي لعمليات (الإغاثة) في الترويج (لإنسانية) العم سام، وهذا الإعلان والترويج ثمنه تلك الصناديق التي تهبط من الطائرات الأميركية، والذي كان يكلف أضعافاً مضاعفة لو أنفقته الإدارة الأميركية على شركات الإعلان العابرة للقارات، وحتى هذا الاستعراض وضع له الرئيس أوباما حدّاً، وكشف ما جهدت السطور السابقة الى فضحه، اذ صرّح للصحافيين في ماساشوستس حيث يقضي اجازته الجمعة 15 آب: "الخلاصة هي ان الوضع في الجبل تحسن بشكل كبير، ويجب ان يفخر الاميركيون بشدة بجهودهم، لأنه بمهارة وحرفية جيشنا، وسخاء شعبنا تمكنا من كسر حصار تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام على جبل سنجار"، وأضاف "لقد ساعدنا في إنقاذ حياة العديد من الأبرياء، ومن غير المرجح ان نحتاج الى مواصلة عمليات إسقاط المساعدات الإنسانية من الجو على الجبل"! فهل ينتظر أوباما عبارة (شكر الله سعيك) بالانجليزية من العالم؟ وهذه كلماته تقطر استعراضاً، خصوصاً في عبارته "ويجب ان يفخر الاميركيون بشدة بجهودهم، لأنه بمهارة وحرفية جيشنا، وسخاء شعبنا.."، فهل هذه الصناديق ما يفخر بها الجيش الأميركي، والتي تلقى فوق رؤوس المنكوبين وعلى بقعة تخلو من أي عدو، بمهارة وحرفية؟ فماذا أبقى من عبارات الفخر والزهو ليرددها فيما -لو افترضنا- أنه دحر داعش وقطعان الارهاب عن بكرة أبيهم؟ وهل هذا الزهو المجاني الأميركي بـ "مهارة وحرفية جيشنا" كان مطلوباً بشدة في هذه اللحظة للتعويض عن الدور الحقيقي المفترض لأميركا في (محاربة الإرهاب وتحقيق الاستقرار العالمي)؟ ثم لماذا هذا الإنهاء العاجل لعملية (الإغاثة) والمعاناة لا زالت قائمة، فهل استنفدت عملية الإغاثة أغراضها الاستعراضية، أم غير مسموح العمل Overtime؟!

ربما لم يكن يكتمل الفخر الأميركي بدون إرسال 130 مستشاراً عسكريا إضافيا إلى أربيل "لتقييم حاجات السكان الإيزيديين بشكل أعمق" حسبما أعلن وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل على وقع كارثة سنجار، واللافت ان المستشارين في الأساس لمهمة إنسانية مثلما يُفهم من كلام الوزير، فهل صناديق الإغاثة تحتاج الى هذا العدد الكبير من المستشارين، ولماذا كل هذا التمويه، والكل يعرف انهم قدموا للتعاون مع قوات الإقليم في غرف العمليات؟!

ويحق لنا أن نمرّر هنا قصاصة صغيرة الى السيد أوباما، نذّكره فيها ان تلعفر عانت هي الأخرى قبل ذلك من مجازر مروعة من داعش وأعوانها، ومن تطهير عرقي وطائفي، ولم تجف دماء الضحايا بعد، فلماذا لم تتنادى بنفس الهمّة والاستعراض لـ(إغاثتها)، أم انك أصبحت طائفياً حتى النخاع، وترمي الشيعة بالطائفية حسب مقولة "رمتني بدائها وانسلت"؟ 

يذكرنا موضوع المساعدات الأميركية بالـ 500 مليون دولار التي قدمها الملك السعودي "كمساعدة إنسانية للشعب العراقي الشقيق المتضرر من الأحداث المؤلمة" حسب وصف الحكومة السعودية في أوائل رمضان الفائت، وأردفت بأن المبلغ "سيتم تقديمه عبر مؤسسات الأمم المتحدة للشعب العراقي"، وكان نصيب هذا الاستعراض هو التجاهل والاستهجان من غالبية العراقيين، الذين لا يبرئون السعودية ومحور الإرهاب في المنطقة من المؤامرة التي أفرزت العدوان الإرهابي المستمر في العراق، والملفت هو عدم تسليم المبلغ للقنوات الرسمية العراقية، لأن السعوديين كانوا يعرفون سلفاً الازدراء الذي سيواجهون به! وعلى ذكر الأمم المتحدة، ضاق السيد بان كي مون ذرعاً بتلك الازدواجية التي تقودها أميركا وحليفتها إسرائيل في موضوعة الحروب التي تشنها الأخيرة باستمرار ضد المدنيين الفلسطينيين، اذ دعا كي مون مؤخراً إثر الحرب الأخيرة في غزة: "إلى إنهاء معاناة سكان غزة، معلناً أن المنظمة مستعدة لإعادة بناء القطاع ولكن للمرة الأخيرة"، وأضاف "هل علينا أن نستمر على هذا المنوال، نبني ونهدم ثم نبني ومن ثم نهدم؟ يجب أن يتوقف هذا الآن". الأمين العام يعلنها صراحة، كفى استعراضاً بتقديم المساعدات و(إغاثة) المنكوبين، فمن يغيث الآخرين عليه ألا يكون في الأصل سبباً مباشراً أو غير مباشر في تحويل حياة الآمنين الى جحيم، ومن ثم نصِفهم بالمنكوبين!

وهذا ينسحب على السلوك الأميركي في سنجار، فالآمنين بالأمس لم تنجدهم الطائرات الأميركية، وبعد أن باتوا (منكوبين) تحركت طائرات الاستعراض الأميركي، اذ تهدف أميركا من صناديقها الملقاة على جبل سنجار أن تنقذ سمعتها، لا الإيزديين ولا الأقليات ولا الإنسانية كما تدّعي.
حفِظ الله العراق.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك