المقالات

المصالحة الوطنية في العراق بين الشعار والتطبيق

2477 2014-09-15

يعود تعبير المصالحة الوطنية إلى الزعيم الفرنسي التاريخي شارل ديغول، وقد استخدمه فيما بعد على التوالي كل من جورج بومبيدو وفرنسوا ميتران، وذلك عندما رسخ عندهما الاعتقاد بضرورة تحمل مسؤولية محو ديون وجرائم الماضي التي وقعت تحت الاحتلال أو إبّان حرب الجزائر. واستخدم مانديلا هذا المفهوم في جنوب أفريقيا عندما كان قابعاً في السجن، إذ رأى أن من واجبه أن يضطلع بنفسه بقرار التفاوض حول مبدأ إجراء العفو العام، الذي سيتبع أولاً عودة منفيي المؤتمر الوطني الإفريقي ويطمح إلى مصالحة وطنية، بدونها سيكون البلد عرضةً لمزيد من الاحتراق وإراقة الدماء التي سيقف وراءها الانتقام بكل تأكيد.

ويطلق مفهوم المصالحة بشكل عام على الحالات التي يكون فيها  طرفان متعاديان ومتخاصمان ومتحاربان وليس مجرد مختلفين  في الرأي والرؤى الايديولوجيه وغيرها من الأطروحات الفكرية  حول قضية ما من القضايا . 

والمصالحة كمشروع طويل الأمد تعني انجاز توافق وطني  بين مختلف مكونات المجتمع ، وبالتالي فأن المصالحة ليس تعبير عن مرحلة معينة بذاتها وإنما إطار عام واستراتيجي وهي بالتأكيد تحتاج إلى توافق وطني يستهدف تقريب وجهات النظر المختلفة ، وسد الفجوات بين الأطراف المتخاصمة أو المتحاربة . فالمصالحة أذن درجةٌ ساميةٌ في درجات النضج السياسي للدولة وكذلك تشير إلى الوعي السائد بين أفرادها، وتدل على اكتمال رشد الدولة ومؤسساتها والتطور الثقافي والسياسي واستقامة الممارسات فيها . 

وهناك من يُعرّف المصالحة بأنها تنشأ على أساسها علاقة بين الأطراف السياسية والمجتمعية ، وتقوم على قيم التسامح، وإزالة آثار صراعات الماضي، من خلال آليات محددة وواضحة وفق مجموعة من الإجراءات الهدف منها الوصول إلى نقطة الالتقاء ، بينما يعدهاّ البعض الآخر صيغة تفاهم بين أبناء الوطن الواحد للوصول إلى برنامج متفق عليه لإنقاذ الوطن من أزمته ووضعه على الطريق الصحيح أما المصالحة بالمعنى الشامل فهي ، توافق وطني يستهدف تقريب وجهات النظر المختلفة، وسدّ الفجوات بين الأطراف المتخاصمة أو المتحاربة، وتصحيح ما ترتب عليها من أخطاء وانتهاكات وجرائم، مع إيجاد الحلول المقبولة، وذلك لمعالجة تلك القضايا المختلف حولها بمنهجية المسالمة والحوار، بدلاً من منهجية العنف وإلغاء الآخر، والنظر بتفاؤل إلى المستقبل والتسامح مع الماضي وترسيخ المشاركة وتعميق لغة الحوار . ويعتمد النهج الحقيقي للمصالحة الوطنية على إيجاد حلول للقضايا الأساسية في الصراع، والعمل على تغيير العلاقات بين الخصوم من الحقد والعداء والكراهية إلى الصداقة والوئام والشراكة، ولا بد أن يكون الجميع على قدم المساواة في الحقوق والواجبات ،

ومن هنا نقول أن المصالحة الوطنية الحقيقية التي نريدها ، لا تعني أن يتساوى فيها الضحية والجلاد ، لأنها في النهاية مصالحة مع الذات أولا ومع الشركاء الذين لا بد لهم من الإيمان بأن القتلة والمجرمين خارج نطاق المصالحة والتسامح . ولذا فأن المصالحة لا تعني نسيان الآلاف من الشهداء والمعتقلين والمجازر البشرية في الأنفال وحلبجة والمقابر الجماعية وسياسة الظلم الممنهج للإنسان العراقي والاضطهاد التي عاشها العراقيين في الحقبة المظلمة من نظام البعث الفاشي على امتداد 35 سنة من دون محاسبة قانونية أو تطبيق العدالة بحق مرتكبيها . كما لا يمكن أن نتصالح مع الإرهاب والمجرمين الذين سفكوا الدم العراقي تحت عناوين الجهاد والمقاومة ، وكانوا الامتداد الحقيقي للبعث وفلول النظام البائد الذين يحلمون بإعادة المعادلة السابقة في الحكم والتسلط . ولكي تكون المصالحة حقيقية وواقعية علينا تطبيق المسؤولية الجنائية والمدنية على جميع من ارتكب الإجرام والإرهاب بحق الإنسان العراقي ، والاعتراف الصريح بالمعانات التي سببتها تلك الأفعال وإدانتها .

فالمصالحة هي شكل من أشكال العدالة الانتقالية التي تكون ضرورية لإعادة تأسيس الدولة على أسس شرعية قانونية وتعددية وديمقراطية في الوقت ذاته. لكن المصالحة تتطلب نوعاً من الصفح والشخص الوحيد الذي يملك صلاحية الصفح هو الضحية، ولا يحق لأي مؤسسة أن تتدخل كطرف ثالث . وفي العراق نسمع الكثير عن مشروع المصالحة الوطنية والمشاركة في العميلة السياسية من اجل بناء عراق ديمقراطي اتحادي حر تعددي،ولكنها وللأسف الشديد لم تكن بمستوى المرحلة أو توازي الطموح ، حيث لم يتم التعريف الحقيقي للمصالحة ، ومع من تكون ، ولصالح من ، والكثير من مشاريع المصالحات كان حبر على ورق ولم نرى الآليات والبرامج الواقعية للتطبيق والتي يمكن لها أن تحوله من مجرد شعارات وخطابات سياسية إلى واقع عملي ومدروس يرتقي إلى ثقافة التسامح بين المكونات وحتى الأحزاب والتيارات السياسية المتنازعة والمتخاصمة على السلطة .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك