بعد أن تشكلت الحكومة الجديدة، برئاسة حيدر العبادي، القيادي البارز في حزب الدعوة، تأملنا أن يكون خير خلف لشر سلف، فثمان سنوات عاث سابقه فساداً بما يكفي.
التشكيلة الحكومية، لن نتحدث عنها لكثرة من كتبوا فيها، وكل منهم يغني على ليلاه، فمن لم يجد له ناصراً في الحكومة الجديدة؛ وصفها بـ"الدكتاتورية والبعيدة عن رأي المرجعية"، متناسين إن هنالك أحزاب وكيانات وكتل سياسية لها القول الفصل في كل شيء.
ثمان سنوات؛ عشنا صمت كبير، متنازلين عن أبسط حقوقنا، لم نرى معارضة لحكومة نوري المالكي، حتى وصلنا إلى مرحلة بتنا نشابه حكومة ما بعد 2003، بحكومة النظام البعثي البائد، ألذي كان يقطع رأس كل من وقف ضده، واستمر الحال هكذا لحقبتين من الحكم المالكي، إلا أن وصلنا السنة الأخيرة ما قبل انتخابات نيسان الماضي، لنشاهد إن هنالك موقف اسبوعي تسجل في ساحة التحرير ببغداد، مطالبين بالتغيير، ممتثلين لأمر المرجعية العليا، ألتي طالما طالبتهم بالسعي له، والوقوف بوجه الفساد والفاسدين، ليكونوا معارضة لأجل العراق، وليس لأجل المناصب، إلا إن معظمهم أنكر سماعه لصوت المرجعية، واصفاً إياها بـ"الصامتة"، التي لا يهمها أمر العراق والعراقيين!
التغيير تم، وأُزيح الصنم، بدعم المرجعية للساعين من أجله، وبسواعد غيارى العراق من أبنائه، ولكن؛ لم يمر سوى عدة أيام على تسنم العبادي زمام الأمور، حتى واجه بركان غضب المطبلين، مطالبين إياه بكل ما عجزوا عن الفصح به لثمان سنوات سابقة، يريدون تحقيق مطالبهم بغضون أيام، ولم يرفض، ولكنه طالبهم بإعطائه المهلة الكافية، وليكونوا خير عون له.
30/ من أيلول / 2014، موعد مظاهرة الغضب كما أسماها البعض، ألتي ستخرج مطالبة بإسقاط حكم العبادي، باعتباره خائن للبلد، بطاقات شبابية مجيرة، وسواعد شابة مأجورة، وأصحاب نفوذ فاسدين، وأحزاب وتجمعات كانت تحسب مثقفة، إلا إن موقفها هذا جعلها في خانة جهلاء العقول، هؤلاء هم من سيتظاهرون، مطالبين العبادي بما لم يفعله، ومحملين إياه ما لا علاقة له به، ولكن المفاجئة جاءت؛ في إن هنالك اتفاق "بعثي-مالكي" من أجل إسقاط حكومة العبادي، وقد يصل الامر بهم إلى اغتياله، واصفين إياها بأنها اثبتت فشلها في إدارة الدولة، عبر وثيقة لحزب البعث المنحل، تحث اتباعهم على إسقاطها، وإقامة حملة مظاهرات واسعة لأفشالها، وتنحيته!
كل من طالب بتغيير العبادي أو تنحيته، هل فكر في إنه لم يمض سوى شهر واحد، على تسنمه رئاسة الحكومة الجديدة؟ وكتوضيح بسيط لمن يجهل أمر المدة، إن فترة تكليف العبادي التي استمرت لشهر واحد لا تحسب فترة تغيير، أو تحقيق مطالب، لأنها مخصصة لتشكيل الكابينة والبرنامج الحكوميين، ولعل الأغلب، رأوا إن هنالك جهات سياسية متنفذة، كانت تعمل مع الحكومة السابقة برئاسة المالكي، ومستفيدة منه، هي من تمول هكذا مظاهرات لمعارضة الحكومة الجديدة، لم يمر على تسنم العبادي المنصب سوى شهر واحد، وهذه الفترة ليست بكافية لحصول أي تغيير في أمور الدولة، وعكس السياسة الفاشلة للحكومة السابقة.
كل ما يجري في البلد من سلبيات؛ تتحمل مسؤوليته الحكومة السابقة، ألتي قضت ثمان سنوات، لم تثبت خلالها إلا فشل سياستها في كل أمور الدولة، وجدارتها في إثارة النعرات الطائفية، وتفشي الحقد بين مكونات المجتمع.
ألمحزن في الأمر، أن تصبح عقول الشباب مسيسة ومسيرة، ويمكن شراؤها، من قبل جهات متنفذة، عمدت على تأسيس معارضة لحكومة التغيير، ودعمهم لإفشالها، ومن البديهي أن يكون حزب البعث المنحل؛ هو أحد أبرز المستفيدين من ذلك الفشل، سيما إن هنالك علاقة وثيقة، تربطه مع التكفيريين (داعش)، فالمظاهرات لا حق لهم فيها، لأنه لم يأخذ من الوقت الكثير؛ ليضع أسس تغيير سياسة من سبقه الفاشلة.
لو رجعنا بشريط الذاكرة إلى الخلف، وتذكرنا مظاهرات ساحات العز والكرامة، والذل والمهانة كما وصفها "مختار العصر"! سنجد إنهم يطالبون بنفس المطالب ألتي أسماها بـ"الفقاعة"، والداعمة للإرهاب، واصفاً إياهم بـ"الدواعش"، وألتي كان منها، اسقاط الحكومة الصفوية، تنحية الرئيس الشيعي، الغاء التأثير والدعم الإيراني...الخ، فهل باتت مطالب داعش هي نفسها مطالب دولة القانون وقيادات المختار؟
الديمقراطية، لا تعني التظاهر على كل شيء، فلا ننسى إننا انتخبناهم، وفق نظام ديمقراطي، ونحن من جعلهم نواب، ليكونوا منبر لأصواتنا وشكوانا، والجهة المنفذة العاملة لخدمتنا وحل تلك المشاكل، فلا تفسروها على اهوائكم.
https://telegram.me/buratha