المقالات

مِستر أوباما.. المسرحية (بايخه)!

1401 12:47:19 2014-11-02

أكثر من عقدين من الزمن والعالم بأسره سئم سماع عبارة "الحرب على الارهاب"، وأخذ يتطيّر من تكرارها، خصوصاً اذا لاكتها أفواه الساسة الأميركيين، لأنها -ببساطة- أضحت (الكود) الذي يضمن استمرار الهيمنة الأميركية، وتُهيئ لهذه الهيمنة أدوات الابتزاز في عالم أحادي القطب.
كما لم تجلب "الحرب على الإرهاب" سوى الدمار والخراب وتناسُل الارهاب في الدول المبتلاة بهذا الوباء الماحق، الذي تحوم حول ديمومته ألف علامة استفهام، وجلّها مصوّب نحو ردهات صنع القرار الأميركي بالدرجة الأولى، حتى ان هذه "الحرب" استحالت الى أُحجيّات لا يرشح منها سوى أزيز المقاتلات وتكنولوجيا الدمار وخراب أوطاننا، مع تحالفات تتشكل بأوامر البنتاغون!

حينما تلتئم الأسئلة المسنونة للضحايا و(المشككين والمتوجسين) مستفهمة عن منابع الإرهاب، حواضنه، تمويله، تغذيته الفكرية، وكيف اجتاز (سونار) الأحلاف الاستخبارية الإقليمية والدولية، وكيف تعطلت قرون الاستشعار لديها، وكيف تصول قطعان الإرهاب في الدول الغربية على مرآى ومسمع "دول القرار"، وكيف تتجمع هذه القطعان من 70 بلداً وتعبر حدود الدول حتى البوابة الحدودية التركية الأخيرة دون أن ترصدها أجهزة الأمن أو حرس الحدود أو الأقمار التجسسية (رصدت مؤخراً عدساتها الليلية داعشياً يمارس الرذيلة مع حمار، وانتشر المقطع على يوتيوب)، لا يعثر المرء على أجوبة صريحة و(شفافة) تسد جوع المستفهمين للحقائق؛ بل وكأن جنرالات وزعماء "الحرب على الإرهاب" خارج مدار هذه الأسئلة ولا تعنيهم بتاتاً، ولسان حالهم يقول: كفاكم هذياناً، لا تنالوا من مقدرة أقمارنا التجسسية، اذ رأيتم كيف رصدت (جهاد نكاح البهائم) من ارتفاع آلاف الكيلومترات، وبالرؤية الليلية، اذا ما رغبنا في ذلك..!

.. وتستمر تلك الأسئلة الموجهة بنصالها الحادة؛ كيف (تجاهلت) أميركا "السلفية الجهادية" وهمجيتها حينما أغدقت عليها بالمال والعتاد بزعم دعم "المعارضة السورية" منذ مارس 2011، وهي ترى الرايات السوداء للإرهاب السلفي التكفيري تغزو المشهد في تلك "المعارضة"؟ وكيف تغاضت عن الحواضن الإرهابية الممولة من خزائن البترودولار الخليجية بسخاء، وهي تمارس أنشطتها في وضح النهار، نافخة في نار الإرهاب عبر فضائيات الفتنة الطائفية والكراهية ومباركة الذبح وأكل الأكباد وجز الرقاب في حفلات الذبح (الشرعي)؟!

.. وكيف (أُفرج) عن زعماء الإرهاب التكفيري الداعشي، وعلى رأسهم "الخليفة البغدادي" من المعتقلات الأميركية، وهم كانوا من المسجلين الخطرين باعتراف المسؤولين الأميركيين أنفسهم؟ بينما ترصد السلطات الأميركية -فيما بعد- ملايين الدولارات مكافأة على من "يدلّ أو يلقي القبض عليهم"..!
.. ما زالت الأسئلة تتضخم وتتناسل وتستعصي، خصوصاً بعد سقوط الموصل، اذ شهدنا صبيانية الدور الأميركي في (تقييم) الأخطار، والاكتفاء بالتفرج وكأن هذا الدور لأحد المدعويين لعرض مسرحي؛ يستدعي صمت الحاضرين، لكن في المقابل كان (الشريك) الأميركي محموماً في مناكفة حكومة المالكي وابتزازها وتحميلها كامل المسؤولية، متجاهلاً القفز على المعاهدة الأمنية المبرمة مع العراق في 2008! وبدا واضحاً الاستخفاف الأميركي بـ"الشراكة الأمنية" في أوان استحقاقها، وتعمد الأميركيون في المماطلة (القائمة حتى اللحظة) في تسليم صفقات الأسلحة المبرمة مع العراق والمدفوع ثمنها عدّاً ونقداً، ومنها 39 مقاتلة F16 التي كانت ستغير موازين المعادلة، كما حجبت بوقاحة بيانات أقمارها التجسسية عن المؤسسة العسكرية العراقية، واكتشف الجميع ان الإدارة الأميركية تُجيّر فزّاعة "خطر الإرهاب" كهراوة مجربّة تلوّح بها أميركا بوجه من يزعجها، وابتزاز وتركيع من تشاء، من حكومات (حليفة) أو غيرها، وتطحن بها عظام الشعوب اذا ما استدعت المصلحة الأميركية العابرة للقارات، وطفح الخذلان الأميركي المشبوه بأبشع صوره وهو يرصد تمدد الدواعش، فسقطت أقنعة "الحرب على الارهاب" الواحدة تلو الأخرى، حتى وصل الأمر الى (إحراج) بريستيج ساسة القرار الأميركي وجنرالات البنتاغون، ولم ينفخوا في بوق الحرب الاّ بعد ان تبادلوا أنخاب (دحر) المالكي عوضاً عن داعش والإرهاب! ثم بدأت كلماتهم المتقاطعة من جديد مع حكومة السيد العبادي (بعد مجاملات التنصيب)، وأوكلوا (مقاتلة) قطعان الإرهاب الجاثم على أرض العراق وجارته المستباحة سوريا الى حلف دولي ستيني، وكأنه موكول بتحرير كوكب برمّته من برابرة حرب النجوم!

هكذا يُراد لتفاصيل حروب داعش الميدانية، بما فيها تفاصيل حرب الأمتار والأشبار والأحياء والجسور والقواطع والشوارع؛ ان تُغيّب الأسئلة الكبرى، الواضحة، الجلية، الفصيحة، المستعرة في أفواه وحناجر الضحايا، المجلجلة بتهشم أضلاع الشعوب؛ كيف لنا أن نصدّق مزاعم أميركا بـ"محاربة الإرهاب" وهي تتحالف وتنسّق الأدوار مع رعاة الإرهاب (قطر، السعودية، تركيا، الأردن، إسرائيل)، وحماته وممّوليه وداعميه بحجة "الحرب على الارهاب"؟! وكل الدلائل والقرائن والأنشطة العلنية تشهد على تورط أولئك، ناهيك عن التسريبات الأمنية والسياسية والإعلامية الغربية التي أصبحت بمتناول الجميع، كما لم تنكر أميركا حتى اللحظة دورها المتواطئ في تدريب قطعان التكفيريين في الأردن حسب التسريبات الإعلامية المشار اليها، وانها لا توجه حتى كلمة (عتاب) رسمية صريحة الى تلك الدول لدورها في نشأة داعش وأخواتها في أحضان المنطقة، وحتى تصريحات جو بايدن (نائب الرئيس الأميركي) مؤخراً والتي دغدغ بها معاتباً تركيا والسعودية، ابتلعها بسرعة خاطفة، متداركاً بباقة من الاعتذارات المذلة، حيث جوبه بفيتو ساخن من جنرالات البنتاغون المشرفين على (الطبخة) المعدة قبل مجيء بايدن، والمستمرة بعد مغادرته البيت الأبيض!
وها هي تصريحات الساسة الأميركيين تترى بأن "الحرب على الارهاب" في المنطقة ستأخذ "أمداً طويلاً"، بعدما أوحوا قبيل تشكيل التحالف الستيني بأن الأمر أسرع من ذلك بكثير..!
* * *

يُراد للجميع، بمن فيهم الضحايا القائمين والمحتملين، أن يصدقوا بأن ضجيج التحالف الدولي، وتصعيد جرعات الرعب، والاكتفاء بدغدغة الدواعش بضربات جوية أميركية، وأخرى لحلفاء يستعرضون طياريهم من النساء والأمراء، هي للقضاء التام والنهائي على داعش وظاهرة الإرهاب!! وان كل هذه الجهود والجلبة لا تصب في رفد مخططات "الفوضى الخلاقة" التي فصّلتها أميركا لمقاس المنطقة وشعوبها.. ولكن مهلاً؛ ألم يكن هدف حرب التحالف الأميركي - الغربي في أفغانستان "القضاء على الإرهاب"، ولم يتحقق منه سوى الدمار والخراب وتحويلها الى حاضنة لتصدير الإرهاب الى المنطقة وبقاع أخرى؟ ألم تعقبها ذريعة أميركا بوجود "أسلحة دمار شامل" في العراق، فطحنت البنية التحتية للعراق في حربها "التحريرية" التي سرعان ما استبدلتها بـ"الاحتلال"؟ بينما كانت قد تهيأت فرص كثيرة أقل كلفة (من ناحية التضحيات والدمار) للقضاء على طغيان النظام، ولكنها وُئدت، واستُبدلت بالسيناريو المعروف، لغايات كانت أكبر من المعلنة بكثير، وابتلعت أميركا كذبتها، اذ لم تعثر في أعماق دجلة على أي أثر لتلك الأسلحة المزعومة! واليوم يجثم الدواعش فوق دجلة والفرات وباقي الأرض المستباحة (وهم لا يقلون عن خطر أسلحة الدمار الشامل)، بعدما أعطت أميركا الضوء الأخضر لتركيا والأردن بفتح حدودهما ليتدفق الإرهابيون من 70 بلداً وكأنهم أفواج سياحية في منتجع هوليودي!

.. وهكذا يُراد للجميع أن لا يَروا أبعد من دخان حريق عين العرب/ كوباني، وغارات الدواعش الهمجية هنا وهناك.. أي ليس الى حدود الإطلاع على معلومة انتعاش صناعة الأسلحة الأميركية، وسوق التعاقدات التي تنشط مع دول التحالف الستيني التي تريد أن تتخلص من ترسانتها القديمة، على أرض العراق وسوريا طبعاً! أو لا يُراد للجميع أن يفهموا (خطأً) بأن "الفوضى الخلاقة" المتشابكة مع "الفيدرالية الفعالة" لـ جو بايدن ترمي الى فرض التقسيم في العراق بقوة الأمر الواقع! كما مطلوب من المشككين أن يهضموا بطيب خاطر ان شحنات الأعتدة والمؤن وأجهزة الاتصالات المتطورة التي تلقيها الطائرات الأميركية -وبتكرار مريب- على قوات داعش هي (خطأ) تقني ليس إلاّ.. وان لا علاقة لكل ذلك بـ(أخطاء) أخرى كقصف القوات العراقية ومعها قوات الحشد الشعبي في مواقع عدة وأوقات متفاوتة.. 

ولا يُراد -مثلاً- أن ندرك جميعاً بأن تجنيب إسرائيل (المنغصات) وجعلها تنعم بالطمأنينة، وإشغال "حزب الله" اللبناني واستنزافه في حروب الدواعش والنصرة، هي هدايا قد جلبها الإرهاب التكفيري لإسرائيل دون أن تظهر هي في المشهد.. مثلما لا يُراد لكل متشكك أن يذهب في تصوره بعيداً في ان الطبخة الأميركية تستهدف الانقضاض على النظام السوري بضربة معلم، عبر "الحرب على الارهاب" والتدخل الشامل في سوريا بتفويض دولي كامل الدسم!

لو عُرضت فصول السيناريو الأميركي المعنون "الحرب على الارهاب" على مسرح "برودواي" الشهير في نيويورك، لانسلّ الحاضرون تباعاً منذ المشاهد الأولى، ولأصدر نقاد المسرح بالإجماع رأيهم الصريح لمُخرج العرض: "مِستر أوباما.. المسرحية بايخه"..

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك