من جملة التعقيدات التي أفرزتها الحرب على الإرهاب في المنطقة هي ادِّعاء الكثيرين بأنها (حربهم) أيضا، وبأن الإرهاب قد استهدفهم بشكل أو بآخر، مما استدعى أن يساهموا أو (ينخرطوا في الجهود المبذولة) لدحر الإرهاب! الى هنا لا غبار على هذا الفهم أو المقاربة في عنوانها الظاهري، باعتبار ان الإرهاب لا يعترف بالحدود ولا يلتزم بالأعراف والقوانين الدولية، وبالتالي لا يتوقف تمدده عند بلد أو إقليم، ولكن ثمة أوجه أخرى تقترن مع هذه الحقيقة، ويحرص بعض اللاعبين الإقليميين أو الدوليين على إبقائها في العتمة، لأنها بمثابة الصندوق الأسود الذي بفتحه يتم تفكيك ألغاز الأحداث، ويُعاد تركيب مكعبات الأولويات والأهداف عند أغلب الأطراف ذات العلاقة، لأنها -الأهداف- قد أطّرت الوقائع والالتزامات والشراكات والأحلاف وتفاعل المجتمعات المحلية والدولية، وبالتالي فإن الكشف عن المستور من تلك (الأهداف) سيرفع سوراً غير مرئي بين (حربنا) و(حربهم)، حربنا كضحايا مباشرين، تحترق أوطاننا ونحترق معها، ويُقتل الإنسان على الهوية، ويصبح المواطنون نازحين ومهجرين في بلدانهم ولاجئين في دول الجوار، وتُقترف الفظائع اليومية على أيدي الإرهاب الهمجي، وتتحول الحياة الى مسرح للتطاحن وصراع وجودي، ويألف المرء التعامل اليومي مع التهديدات المدمرة، ونشهد عسكرة المجتمع، وإيقاف عجلة النمو مع اغتيال بوادر النهوض، ويتهدد السلم الأهلي المرتكز على التعايش بين المكونات المتنوعة، كما يتم حرق الموارد والثروات على ميزانيات الحرب، وتُهدد السيادة في مقابل التوغل في التبعية، ويطل شبح تقسيم الوطن بين خلاف وآخر، كل ذلك وأكثر يمكن اعتباره من متلازمات (حربنا) التي ننخرط فيها ونتحمل أعباءها ونضحي بالغالي والنفيس في السعي الى كسبها! أما (حربهم) فهي ربما تتقاطع مع (حربنا) في محطات قليلة، ولكنها تفترق قطعاً في الكثير من المحطات والأهداف والمتبنيات.
وهنا يصبح لزاماً على الضحية المباشرة التي تتحمل أعباء (حربنا) وتشكل عمادها أن تسلط الضوء على أوجه الحقيقة التي يُراد لها أن تبقى في العتمة، وأن تستوعب بأن لـ(حربهم) أجندات وأهداف ومنطلقات لا تلتقي بتاتاً مع الضحية؛ بل ربما تعمل على استغلال معاناتها وتسعى الى إنهاكها أكثر؛ وتكبيلها وإعدادها الى مسرح حرب جديدة تبقى فيها الضحية المستدامة! ولا مجال هنا لخداع الذات وهضم الحقائق المرة على انها أحلى من الشهد، مهما كانت جراح الضحية غائرة وآلامها شديدة.. فلا يستقيم -مثلاً- ان محور الإرهاب في المنطقة (قطر، السعودية، تركيا، الأردن وإسرائيل) الذي رعرع الإرهاب التكفيري ودعمه منذ البداية، سراً وعلانية، وسهّل له أن يجمع قطعانه من 80 بلداً، ودرّب عناصره على أراضيه، وأمدّ هذا الإرهاب بالمال والعتاد، ومهّد له فكرياً عبر حواضن الإرهاب التكفيري في الخليج وفضائيات الفتنة والكراهية، يأتي ويدّعي اليوم عبر البيانات واللقاءات بأنه (ضحية) للإرهاب الظلامي أيضا، وانه يساهم أيضا في الحرب ضده! كيف لعاقل (والضحية تحديداً) أن يصدّق مزاعم الأميركيين وحلفائهم الغربيين الذين تبعد بلدانهم آلاف الكيلومترات عن النيران المباشرة لجحافل الإرهابيين بأنهم (ضحايا) على حدّ سواء مع ضحايا سبايكر أو بغداد أو آمرلي أو سنجار أو ديالى أو الأنبار، أو في باقي المدن السورية المنكوبة والمستباحة إرهابياً؟!
ثم أين العقلانية في التناسب في حجم المخاطر حينما يُشار الى (تهديد إرهابي محتمل) في احد شوارع أميركا أو الغرب الأوربي وبين المجازر والإبادة اليومية التي يقترفها الإرهابيون يوميا على امتداد العراق وسوريا، في المدن والبلدات والقرى والأزقة؟ وكيف للمرء أن يلغي عقله ويرميه في زاوية النسيان ولا يتذكر بأن أميركا كانت الداعم الأول لتشكيل قطعان الإرهابيين في سوريا على مرأى ومسمع المجتمع الدولي بزعم دعم "المعارضة السورية المعتدلة"، بينما ترى رايات القاعدة وداعش تسوّد المشهد في المناطق التي تزعم أميركا ذاتها انها قد "تحررت من قبضة النظام السوري"؟ أليسوا هؤلاء من تشكل منهم جيش داعش في سوريا والعراق؟ أليسوا هم من كانت تتحرك آلياتهم ومجاميعهم عبر البلدين تحت مرأى الأقمار التجسسية الأميركية المتطورة، والتي رصدت يوماً براميل الأسلحة الكيماوية السورية وهي تتحرك من موقع الى آخر؟ ثم كيف يتجاهل المرء كل تلك المعلومات التي تسربت عبر الصحافة الأميركية وموقع "ويكيليكس" وهي تفضح التورط الأميركي الصارخ في اللعبة القذرة القائمة فصولها في المنطقة، وعلى سبيل المثال إطلاق القوات الأميركية لسراح زعيم داعش وثلة من أنصاره من معسكر "بوكا" الأميركي في العراق عام 2009 مع علمها من يكونون.. ناهيك عن تسريب معلومات عن تدريب الأميركيين بالتعاون مع النظام الأردني في بلدة "الصفاوي" الأردنية القريبة من الحدود العراقية منذ 2012؟ وهناك الكثير الذي يصعب حصره مما يعزز ذلك التورط المشبوه.. ثم يُراد للضحية التي هي من عناوين (حربنا) أن تصدق بأن أميركا والتحالف الدولي يخوض الحرب لسواد عينيها، وبالطبع ستغيب حقيقة انهم يخوضون (حربهم) هم بمنطلقاتهم وآلياتهم وأهدافهم لا غير..!
من البديهي أن نرى الخطاب الرسمي العراقي لبلدٍ يخوض حرباً شرسة ووجودية ضد الإرهاب الظلامي، يسعى بأن لا يخسر أية بادرة تضامن أو تعاطف أو (تحالف) لصالحه، حتى وأن كان ذلك يتقاطع فقط مع (بعض) الأهداف العراقية في الحرب الدائرة ولا تصب كلياً في مصبه! وهذا مفهوم وله ما يبرره عقلاً، لكن لا يعني ذلك بأن ذات الخطاب لا يتوافر على جملة من (الحقائق) أو تغيب عنه نوايا هذا الطرف أو ذاك، ممن يتباكى اليوم على ما يحصل في المنطقة، اذن هذا الخطاب يأخذ في الاعتبار (الضرورات وأحكامها)، ولا ننتظر من الحكومة العراقية في هذه الأوقات العصيبة أن تفتح ملفات (شركاء) الحرب على الإرهاب على الملأ، وكأنها تفتح جبهات أخرى (سياسية أو دبلوماسية) هي في غنى عنها، فللمناورة حيّزها أيضا، ولكن قبالة ذلك لا ينبغي على الجميع (من سياسيين وأصحاب الرأي والتحليل وحملة الأقلام) أن يكونوا ملزمين بذات المنحى، حتى وان كان السائد هو الأخذ بما تعلنه تلك الدول الآن بأنها (شريك) في الحرب على الإرهاب، وهذا الرأي تدحضه -لحسن الصدف- تلك الدول بتصرفاتها، مثلما نرى أميركا -كمثال فقط- وهي تسعى الى أن تتآكل السيادة العراقية عبر التعامل مع كردستان، وملف تسليح العشائر العراقية، وكأن الحكومة العراقية غير موجودة! لهذا؛ يفرض المنطق بأن الضحايا المستهدفين بنيران الإرهاب جهاراً ومباشرة، وهنا حكماً الشعبين العراقي والسوري، وتليها شعوب المنطقة، يكونوا على علم بالحقائق المجردة دونما أقنعة أو مساحيق، ليعرفوا تماماً أين الافتراق بين (حربنا) و(حربهم) وأين الالتقاء، وبذلك تتفكك الكثير من الألغاز التي تصاحب هذه الحرب الدائرة، والتي تتوالد منها علامات الاستفهام المدببة، منها؛ كيف تقوم المقاتلات الأميركية -مراراً- في إلقاء شحنات الأسلحة والأدوية وأجهزة الاتصال والمناظير الليلية على تجمعات داعش (بالخطأ)؟ وكيف تقصف مواقع الحشد الشعبي -كراراً- في قواطع متفرقة (بالخطأ) كنيران صديقة، وهي المعروفة بدقة عملياتها؟!
ينبغي كإسهام مطلوب في هذه المرحلة تسليط الأضواء على السور الفاصل بين متلازمات (حربنا) و(حربهم)، والتي تطغى بالتأكيد في كثرتها على (المشتركات) التي لا يمكن ان يتم اعتبارها سمة بين كلا المفهومين، اذ ربما هذه (المشتركات) يتسالم عليهم كل أحرار العالم، مثل ضرورة مناهضة الإرهاب وما يحمله من خطاب الكراهية، أو اتخاذه العنف بأبشع صوره سبيلاً الى (تحقيق المطالب) أو تطبيق الأفكار والإيديولوجيات..
ويمكن هنا حصر بعض أهم المتلازمات بين مفهومي (حربنا) و(حربهم) لتتوضح الصورة بأطرها العريضة، على أقل تقدير، مع ملاحظة انه لا التقاء -بالضرورة- بين متلازملات المفهومين فيما سيرد هنا..
* * *
(حـربـنــــــا)..
- ضد قطعان السلفيين التكفيريين الذين بيّضوا صفحة البرابرة، مجتمعين من عشرات الأقطار ليهددوا البلاد والعباد وجودياً، مدججين بترسانة من الأحقاد الطائفية ونزعات الإبادة والاستئصال.
- ضد الطائفيين وأيتام البعث الذين تهاوى عرش طغيانهم حين حانت لحظة الديموقراطية واستحقاقاتها يوم سقوط الصنم في 2003، بعدما كان الوطن والمواطن رهينة بقبضتهم لعقود، يحكمونه بالحديد والنار، فأحالوا الوطن الى مقبرة مفتوحة تغذيها بالضحايا حروب مدمرة أشعلوها لا ناقة للعراق فيها ولا جمل، وهؤلاء يتحالفون اليوم مع داعش ومشتقاته بعدما التقت مآربهم الشيطانية.
- ضد المؤامرات والدسائس التي تريد للعراق أن يتفحم في الحروب، ويرتكس في الأزمات والصراعات، ويتكبّل بأصفاد المحاور الإقليمية والدولية، وأن يتورط بحروب (الوكالة)، وأن يفقد دوره الإقليمي ويتحول الى دولة فاشلة أو بلد مشلول، يستنجد بهذا الطرف أو ذاك بحثاً عن الحلول التي لن تأتي!
- ضد الحرب الإعلامية المستعرة التي تُحيل الإنجازات الى انتكاسات، والانتصارات الى هزائم، والوحدة الوطنية الى تناحر طائفي وعرقي ومذهبي، وتجعل المشهد العراقي (نغاتيف) ما استطاعت الى ذلك سبيلا!
- ضد الحرب النفسية الممنهجة من قبل أعداء العراق -على تنوعهم وكثرتهم-، هذه الحرب الموجهة ضد المواطن تحديداً، لتسلخه عن انتمائه الوطني، وتقوّض أركان اللحمة الوطنية، وتكرس لديه روح الانهزام، والانجرار خلف الإشاعات، وان يفقد الثقة بالإمكانيات الذاتية، وتغذي لديه نزعة (الأنا) ونشر ثقافة (آني شَعْليّه)..
- ضد أدعياء الوطنية على الشاشات وفي مواسم انتعاش الشعارات، في حين انهم يبيعون الوطن والمواطن في العتمة والكواليس وتحت الطاولات..
- ضد ثقافة اليأس والإحباط واللامبالاة، التي ان استفحلت -لا سمح الله- فلن ينفع معها امتلاك البلد أسلحة حديثة أو ميزانيات دفاعية كبيرة في وقت الأزمات أو عندما تحين استحقاقات الثبات والانتصار، وتلك الثقافة يمكنها أن تفتح شقوقاً في الجبهة الداخلية يمكن أن تتسلل منها جحافل المتآمرين، بإعلامهم وحروبهم النفسية وإرهابيهم..
- حربنا ضد منهجية التفرد والتزعم القهري، وتقديم مصلحة الحزب والطائفة والقومية أو الفئة، وتأخير مصلحة الوطن والمواطن، وضد بناء الأسوار بين المسؤولين والمواطنين، وضد اختصار الوطن ومصيره في رقعة تدعى "المنطقة الخضراء"..
- ضد الفاسدين الذين ينخرون في بنيان الوطن، ممن ينهبون ويتسلطون، يتلاعبون ويخونون، ويبيعون المقدرات والمصائر بابخس الأثمان لمن يدفع، داعش أو المخابرات الإقليمية والدولية.. وضد المال السياسي الذي يؤسس لكل المفاسد السياسية كما أثبتت تجارب الشعوب..
* * *
(حـربـهــــــم)..
- لتركيع المنطقة، واحتواء نزعات الانعتاق من قيود التبعية والهيمنة الأميركية. وهي لتحطيم محور الممانعة، وتدجين الشعوب العربية والإسلامية لتتعايش مع فكرة ان أميركا (قَدر) لا فكاك منه!
- التلويح بالإرهاب التكفيري بنسخة أكثر همجية ووحشية من نسخة القاعدة التي هرمت وأفل (نجمها)، واستبدالها بنسخة داعش والنصرة من آكلي لحوم البشر والمتلذذين بدحرجة رؤوس ضحاياهم ككرة القدم.. وتهدف أميركا من وراء ذلك الى استمرار إرعاب الشعوب بهذا (الوحش) المستنفر بغية تطويعها، ومن ثم إغراقها بمستنقع الإرهاب..
- إعادة رسم خارطة المنطقة تلبية لخطة اميركية كانت شرعت أميركا بها سرّاً قبل عقدين من الزمان، للانتقال بـ"الشرق الأوسط الجديد" الى سيناريو الدويلات الصغيرة المتناحرة، حتى لا تبقى إسرائيل هي الكيان النشاز الوحيد في جسم المنطقة، وها هي نزعة الانفصال تتحول لدى الكثيرين الى موضوع (قابل للتداول) بمباركة أميركية-غربية واضحة، مثلما لم يزعجها إهالة التراب على حدود سايكس-بيكو المتآكلة بفعل إعلان "دولة الخلافة" الداعشية..
- ضرب التعايش بين المكونات المجتمعية في دول المنطقة، وبالذات في التنوع العراقي، وجعل التناحر والمغالبة بديلاً عن ذلك التعايش الممتد عبر التاريخ، للوصول الى تطبيق سلس لـ"الفوضى الخلاقة" التي بشّرت بها الإدارة الأميركية منذ 2005!
- إعادة توزيع توازنات القوى في المنطقة، بعدما تجعل أميركا الجميع منغمساً في صراعات وحروب (ساخنة أو باردة) لا ناقة لأطرافها فيها ولا جمل! وكل ذلك لجعل إسرائيل تنعم بالأمان دون أن تضحي بشيء! مثلما يتم الآن استنزاف حزب الله اللبناني في الحرب السورية، كجزء من هذا المخطط. كما يتم زج المقاتلين المتطرفين الإسلاميين في صفوف الإرهاب التكفيري (الذي يجاهر بعدم المساس بإسرائيل)، وهنا تكون الأخيرة قد تخلصت ولعقود قادمة من خطر أولئك..
- تحجيم الدور الإيراني في المنطقة واستنزافه، خصوصاً في الملف السوري، وبالتالي إمكانية إضعاف تمسكها بثوابتها في الملف النووي، كما ان خطر الإرهاب التكفيري يطرق حدود إيران، مما يجعلها مستنفرة وهذا بدوره استنزاف بطيء، وصولاً الى تعميق الاستقطابات الحادة في المنطقة وإدخال ايران في حروب باردة وسباق تسلح بما يؤثر على اقتصادها المحاصر بالعقوبات الدولية..
- ومن أهداف (حربهم) الإجهاز على النظام السوري بدون المرور بالخطوط الحمراء الدولية التي وضعتها روسيا مع الصين، بذريعة ان بقاء النظام هو ما يسمح بتمدد إرهاب داعش ومشتقاته!
- ضمان دخول أميركا من الشباك في العراق بعدما خرجت من الباب، وذلك لتكبيل العراق بعجلة السياسات والمصالح الأميركية أكثر مما هو مكبّل الآن، وفرض توازنات جديدة في الخارطة السياسية العراقية، بما يتلاءم أكثر مع المصالح الأميركية، ولا مانع -وفق ذلك- من تفتيت العراق مادام يصب في الأهداف المذكورة، وبما يخدم سيناريو "الفوضى الخلاقة"..
- إنعاش مبيعات سوق السلاح الأميركي، في ظل تصعيد سباق التسلح في المنطقة، وتحديث الترسانات (تأهباً لأي طارئ)! وقد أكدت التقارير الإعلامية الأميركية مصاديق ذلك الانتعاش الذي بموجبه تم توقيع عقود بعشرات المليارات من الدولارات مع دول في المنطقة..
- تحقيق الحلم السعودي-الوهابي المنقاد بنزعات طائفية، لتركيع العراق والإتيان على العملية الديموقراطية القائمة منذ 2003، والتي أرعبت النظام السعودي المتوجس من وصول (عدوى) الديموقراطية الى بلاد الحرمين وباقي بلدان الخليج. كما لا تنفصل أهداف هذا النظام في الحرب الدائرة عن إكمال فصول المؤامرة التي تهدف الى الإطاحة بالنظام السوري الذي يقف بوجه مخططاته، كمقدمة للإطاحة بحزب الله اللبناني في المعادلة اللبنانية المستعصية على المآرب السعودية..
وما المجهود الحثيثة، العلنية والسرية (كشف فصولها بندر بن سلطان في أحاديثه، ومعها تسريبات أميركية وغربية استخبارية) في تخليق داعش والنصرة وباقي فصائل "السلفية الجهادية" سوى حلقة في مسلسل التآمر. أما اشتراك النظام السعودي اليوم في الحرب على الإرهاب، فهو لذر الرماد في العيون، ولجملة دوافع ومسوغات ليست مجالها هذه السطور ..
- من مساعي المنظَوين في (حربهم) أيضا، إعادة الهيمنة العثمانية في المنطقة بعربة الأحلام المريضة لنظام أردوغان، الذي جاهر في وقت ما بدعم ومؤازرة قوى التطرف الظلامي في المنطقة، كما في سوريا ومصر، مستهدفاً هنا الإطاحة بالنظام السوري بذرائع واهية، وساهم بشكل حثيث في إشعال الحريق السوري وإشاعة الفوضى في سوريا، والذي كان مقدمة للحريق العراقي، الذي يزعم أردوغان أنه (بريء) منه! أما (مساهمة) الأخير المتلكئة في الحرب على الإرهاب، فهي تهيئ له فرصة التنصل من تورطه في صناعة ودعم الإرهاب، وتصحيح صورته التي تشوهت كثيرا بعد تدخلاته الصبيانية في مصر وليبيا وسوريا ولبنان والعراق، ودفاعه المستميت عن "الإخوان" المطاح بهم في مصر، وتتحق له -المساهمة- نوعاً من الاشتراطات، أفصح هو عن أخطرها لحد الآن؛ منها الإطاحة بالنظام السوري، والأخرى إقامة منطقة عازلة في الشمال السوري (وربما العراقي أيضا ان تم بحث الأمر جديا) ليصول ويجول كيفما يحلو لنظامه، وهو يرى قَطعاً ان الحرب الدائرة تضمن له إضعاف الدور العراقي الشريك في إدارة المنطقة، والتسلط على موارد العراق النفطية من بوابة كردستان..
* * *
ربما يتفاءل بعض العراقيين بأن تشكيل التحالف الدولي من قبل أميركا والغرب يمثّل نقطة (قوة) لنا كعراقيين في حربنا على الإرهاب.. ولا أدري كيف يصمد هذا التفاؤل حتى مع ما تم ذكره في الفقرات الآنفة؟! فأحياناً يكون هذا (التفاؤل) مردّه تعسّر تجسيم ذلك السور (اللامرئي) المنتصب بين متلازمات (حربنا) و(حربهم)، ويمكن حينها تلمّس العذر لذلك البعض.. ويكفي أن نتذكر جميعاً بأن الأفعال هي التي يجب أن يسوقها لنا هذا التفاؤل، بينما ما نراه -ونلمسه- هو نزفاً عراقياً بامتياز (وليس من التحالف)، وتضحيات عراقية بامتياز هي الأخرى، وما يُسدّد من أثمان نقدية هو من المال العراقي، ومن يكابد هو العراقي، ومن يعيش حالة الحرب هو المواطن العراقي، وفي المقابل لم نلمس لحد الآن جدية الآخرين في أبسط الخطوات، كمكافحة عبور مقاتلي داعش ومشتقاته من الحدودين التركية والأردنية، ولم يتم جدياً وقف تجنيد المئات من السعوديين شهرياً في صفوف داعش، ولم تتوقف اشتراطات تركيا لـ(المساهمة) في جهود الحرب على الإرهاب، ولم يتم تسليم المقاتلات الأميركية F16 المتعاقد عليها منذ سنوات، ومعها منظومات الاستطلاع والمراقبة، والتي دفع العراق أثمانها سلفاً، وهو أحوج ما يكون اليها اليوم.. ثم ليس من المنطقي أن يغمض المرء عينيه عن متلازمات (حربهم) التي سلف ذكرها، ثم يغفو على وسادة (التفاؤل) تلك، بينما تفرض علينا تعقيدات المرحلة أن نبقى في أقصى درجات اليقظة، حين مقارعة العدو، وكذلك عند مصافحة (الأصدقاء) والتحالف معهم..
https://telegram.me/buratha