يبدو ان الترسانة العسكرية للسعودية وحلفائها المشاركين في عدوان "عاصفة الحزم" لم تحقق ما كان يصبو اليه العدوان (في أسبوعه الثالث) على اليمن، فكان لا بد من تعويض ما لرفع المعنويات والتغطية على الإخفاقات والتخبطات والتصدعات التي وصمت العدوان وما يهدد حلف الجيوش العشرة المنضوية في "عاصفة الحزم" من تصدعات طفت على السطح، خصوصاً بعد موقف البرلمان الباكستاني الرافض للعدوان! وجاء التعويض سقيماً من الترسانة الإعلامية السعودية والخليجية، وتلك التي يضخها البترودولار الخليجي بسبل البقاء، حيث تكفلت هذه الترسانة بالتصعيد أيضاً، وذلك عبر تسطير "الانتصارات" الأسطورية و"البطولات" الفقاعية الخارقة التي يوزعها في ظهوره المشؤوم الناطق الرسمي باسم "عاصفة الحزم" العميد أحمد عسيري، في مقابل الإعلان عن "اندحار" العدو و"انهيار" تشكيلاته و"إعلان انشقاقات" بين صفوفه، و"استسلام" قادته، و"لجوء" زعمائه الى سفارات الدول الأجنبية في اليمن، و"طلبهم الوساطة لغرض التفاوض"، وغير ذلك مما تطبخه مختبرات الحرب النفسية التي تُعول على ذخيرتها جيوش العدوان بقيادة السعودية أكثر مما تعول على المقاتلات المدمرة والصواريخ المتطورة الفتاكة ومعطيات الأقمار الصناعية!
ولا تتوانى الترسانة الإعلامية البترودولارية عن شن "هجومها" المضاد ضد الحقائق والمسلّمات التي لا يمكن طمسها في عالم يتنفس ثورة الاتصالات في عصر المعلومة العابرة للقارات والأسوار الفولاذية، مع كل ذلك تسعى تلك الترسانة الى تشويه كل ما يصدر من "الإعلام الآخر"، الذي ينقل الحقائق الميدانية (على طريقته) من اليمن المنكوب، بالصوت والصورة عبر المواقع الالكترونية وبالذات مواقع التواصل الاجتماعي، كما توظف تلك الترسانة كل مقدراتها لإثارة عاصفة من الدخان الأسود حول تلك الحقائق لخنقها والحيلولة دون وصولها الى أكبر عدد من المتابعين، فيتم اللجوء الى أسلحة تلك الترسانة الإعلامية من الكذب والخداع والتزييف، والتشكيك بصور ضحايا المجازر التي تخلفها صواريخ مقاتلات "عاصفة الحزم" من الأجواء، وهؤلاء معظمهم من المدنيين من النساء والأطفال. أما التشكيك فيصوّب رصاصه نحو "مصداقية" تلك الصور، وانها "منتحلة" من صور ضحايا حروب سابقة، كالتي حدثت في غزة أو ما خلفته كوارث الحروب في سوريا والعراق ولبنان! واللافت ان هذه المزاعم تخلق في حد ذاتها مقاربة (لم يقصدها المشككون الأغبياء طبعاً) بين المجزرة القائمة في اليمن وبين تلك الكوارث المشار اليها!
كما يتوضح جلياً بأن التلفيق والتضليل والفبركة، وبالتوسع غير المسبوقة التي يقوده إعلام "عاصفة الحزم" هي مخلّقة معملياً بالكامل في ردهات الحرب النفسية التي تقودها الأجهزة الأمنية السعودية بالتعاون مع شقيقاتها الخليجية، حيث تسعى لتسويقها عبر ترسانتها الإعلامية التي تتقدمها قناة "العربية" و"العربية الحدث" و"الجزيرة" ونظائرها الممولة خليجياً مع حزمة مواقعها الالكترونية باللغات المختلفة! وهذه الوسائل الإعلامية تركز حالياً مجتمعة على إضعاف ومحاصرة مصداقية المادة الإعلامية التي يبثها "الإعلام الآخر" المضاد للعدوان على اليمن، والذي تتكرس ذروة أنشطته عبر مواقع التواصل الاجتماعي بنشره الحقائق موثقة بالصور ومقاطع الفيديو وبمواكبة سريعة جداً، وتلاقي انتشاراً واسعاً بات يهدد؛ أو قل ينسف "مصداقية" إعلام العدوان وخطابه المدجج بالأكاذيب والفبركات! وبما ان هذا الإعلام يستشعر تماماً خطورة التوثيق المضاد بالصوت والصورة، فأنه بات يعتبره هدفاً لأسلحته بكل ما أوتي من قوة، وأهم الأسلحة المستخدمة هو سلاح التشكيك بمصداقية تلك المادة الإعلامية (وبالذات الصور والفيديوات) الناطقة بحجم هول المجزرة القائمة. كما لجأ إعلام العدوان الى أسلوب شيطاني آخر، اذ يعمد الى تلفيق تغريدات أو "بوستات فيسبوكية" منسوبة الى "الإعلام المضاد" ويتم استخدام صور منتحلة من الكوارث والحروب السابقة، ومن ثم يتوسع إعلام العدوان بالتشهير بها على انها أساليب شائعة يتبناها "الإعلام الآخر" للتشهير بـ"عاصفة الحزم"! وبالطبع من السهولة (عبر جولة على النت) اكتشاف انه لم يتم نشر تلك المادة الإعلامية المزعومة أساساً على تويتر أو الفيسبوك، وانها فقط تم تصميمها في الـ"فوتوشوب" على أيدي خبراء أمنيين مجندين في جيوش "عاصفة الحزم". ومعلوم طبعاً ان هذا الأسلوب يهدف الى التشكيك بكل ما ينشره الإعلام المضاد للعدوان، ومحاولة خنقه بالقنابل الدخانية، بعدما استشعر معسكر العدوان خطورة المادة الإعلامية الموثقة بالصور ومقاطع الفيديو، والتي تنتشر اليوم كانتشار النار في الهشيم، بالضد من "عاصفة الحزم" ومجازرها ومزاعم وتلفيقات القائمين عليها، مثلما يستشعر أصحابها مدى خطورة أن تتبنى تلك الحملات الإعلامية المضادة خبرات وجهود جماهيرية متحررة من قيود لعبة التوازنات السياسية ولا يمكن تركيعها بسطوة البترودولار!
ببساطة، من يجيّش 10 جيوش ويشن عدواناً غاشماً على اليمن بحجج ومزاعم واهية ومتهافتة في ظل تواطؤ دولي يرقى الى الشراكة في الجريمة، ويسرف في الفتك بالحرث والنسل، فانه في ذات الوقت لا يتورع بتاتاً عن التوسل بالتلفيق والخداع والتضليل لوأد الحقائق وتزييف الواقع، حتى لو تم تصوير العدوان بمقاتلاته التي تصب الحمم فوق رؤوس المدنيين العزل، بأنها ترشهم بالزهور والرياحين، رغم ان المشهد اليومي المتخم بصور "حقيقية" للموت والدمار وجثث الضحايا أوضح من أن تحجبها "عاصفة التلفيق" التي تجهز على الحقائق بأشرس وأقذر الأساليب، كل ذلك يجري في ظل تشجيع البنتاغون وحلفائه الغربيين، يعاضده صمت مشين من المجتمع الدولي، المنشغل بأسعار النفط أكثر بكثير من انشغاله بدماء اليمنيين الأبرياء المسفوحة على تراب اليمن!
https://telegram.me/buratha