لم يُرَوّع معسكر السلفيين التكفيريين بإرهابييهم وحواضنهم و"مفتيهم" وقواعدهم بخَطبٍ ما مثلما رَوّعته فتوى الجهاد الكفائي المباركة، التي أصدرتها المرجعية الدينية العليا المتمثلة بسماحة الإمام السيد السيستاني (دام ظله)، حيث جاءت ردّاً عملياً على طغيان المدّ السلفي الإرهابي وتوحش آلة فتكه، والتي هدّدت -آنذاك- بسقوط بغداد لقمة سائغة بين فكّي وحش الارهاب ومن يقف وراءه من سدنة الفكر التكفيري المصدّر من مملكة الشر بزعامة "آل سعود"، يؤازرهم محور الارهاب في المنطقة ومعه عواصم القرار الغربي.
مكمن الرعب الذي استحوذ على ذلك المعسكر تَصدّرَه أمران، الأول؛ استجابة ملايين الشرفاء الذين لبّوا وبسرعة البرق فتوى المرجعية، مسترخصين دمائهم وما يملكون، بأروع صور الإيثار والتلاحم ونبذ الطائفية والتعصب العرقي، للذود عن الحرمات والمقدسات ودفاعاً عن الأرض والعرض، ولصدّ العدوان الهمجي المحمّل بشريعة التكفير والاستئصال والإبادة. والثاني؛ هو الدور القيادي الفذّ للمرجعية العليا وتصديها لمهامها بالحضور المواكب والفاعل، عبر إصدار وتسديد القرارات المصيرية الصائبة في أخطر منعطف أفرزته فصول الصراع الوجودي، الذي يهدد مصائر شعوب المنطقة وكرامتها ومقدساتها، في ظل تراجع بائن -آنذاك- صاحبَ دور المؤسستين السياسية والعسكرية المنوطة بهما مهام التصدي والدفاع والردع في الظروف الطبيعية! فلقد استشعر معسكر الارهاب التكفيري دوماً مدى الخطر الذي يهدده وجود مثل هذه القيادة الربانية بين ظهراني الأمة، وما تمثله من امتداد طبيعي لنهج الأئمة الأطهار (عليهم السلام)، وتكريس حيّ للإسلام المحمدي الأصيل.
كما لم تكن فتوى الجهاد الكفائي وِتراً، بل سبقتها مواقف بطولية ومشرّفة للقيادات المرجعية في تاريخنا المعاصر، شهدتها الكثير من بقاع العالم الاسلامي، وليس ببعيد دور المرجعية الدينية في قيادة "ثورة العشرين" في العراق، والتي سطّرت بأبعادها القيادية والشعبية والميدانية والعقائدية ملحمة العزة والبطولة والفداء.
وقبالة فتوى الإيمان والكرامة، فتوى الجهاد الكفائي، كان أُجراء الإفتاء الوهابي منهمكين بإنتاج "فتاواهم" لمعسكر الارهاب التكفيري، وذلك لإسباغ "شرعية دينية" يصبغ بها همجيته، مستقاة من انحراف وأباطيل الناصبي "ابن تيمية" وامتداده المعاصر متمثلاً بالفرقة الوهابية. فعملت تلك "الفتاوى" على تكفير المخالفين ابتداءً، وزرع الموت والدمار والتعصب الطائفي والمذهبي والعرقي بين شعوب بلدان المنطقة، كما سعت الى تطبيع ممارسات الذبح وجزّ الرقاب والتمثيل بالجثث وسبي النساء وبيعهن كإماء، إضافة الى استباحة الأعراض وترويج "جهاد النكاح" وتجويز "لواط المجاهد السلفي بأخيه المجاهد"، وليس آخر تلك "الفتاوى" تجويز أكل أكباد الخصوم، وأكل الزوج للحم زوجته اذا "خاف على نفسه من الهلاك" كما "أفتى" بهذا مؤخراً "مفتي" مملكة الشر السعودية! كل ذلك يجري مدعوماً بشحنٍ طائفي ومذهبي مقيتين وغير مسبوقين، فأنتجت تلك "الفتاوى" بدورها كوارث وحرائق في العراق وسوريا وليبيا وآخرها اليمن الجريح، حيث سارعت "فتوى" الشيطان الى إضفاء "الشرعية" على العدوان الغاشم ضد هذا البلد وشعبه الأعزل المستضعف، والذي شنته جيوش عشر دول (ومعها الدعم الأميركي السافر) بزعامة مملكة الشر السعودية. وشهد العالم أجمع مبلغ وحشية وهمجية آلة الموت والدمار لـ "عاصفة الحزم"، والتي لم يسلم المدنيون بأطفالهم ونسائهم من نيرانها، ولا زالت ماضية في طحن اليمن وبنيته التحتية المتهالكة، كبلد كان -ولا زال- يقف على مشارف الانهيار!
* * *
شتّان ما بين فتوى الإيمان (الجهاد الكفائي) التي حملت إمضاء المرجعية الشجاعة لصدّ الإرهاب الهمجي التكفيري المحمّل برياح الموت المصدّرة من سدنة مملكة الشر، والتي تستهدف الأرض والعرض والمقدسات، وبين "فتوى" الشيطان التي أصدرها "مفتي" آل سعود، لمباركة العدوان البربري ضد اليمن المنكوب وشعبه المستباح بآلة القتل والدمار لـ"عاصفة الحزم"، المعززة بترسانة الأحقاد الطائفية ونزعة الاستئصال والإبادة. وبعد كل طقوس المجزرة التي تمارسها مقاتلات العدوان و"إدارة التوحش" بالنسخة الرسمية على أرض اليمن، هل عُذر "مفتي" مملكة الشر انه ضرير ولا يمكنه مشاهدة صور الفجائع المروعة، أم "فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ"؟!
وما عُذر "مفتي" مصر الذي عاضد "أخاه مفتي" الوهابية، وذلك حينما اعتبر "مشاركة مصر في (عاصفة الحزم) دفاع عن الأمن القومي العربي"! فهل أتم بذلك ذبح "الوسطية والاعتدال" قرباناً لعيون "مفتي" مملكة الشر ومليارات دولارات "الهِبات" السعودية، بعدما كان "الأزهر" يتباهى بتبنّيه تلك الـ"الوسطية والاعتدال" حتى وقت قريب؟!
بلا مواربة، لقد أضحى من اليسير اليوم التفريق بين فتوى الإيمان و"فتوى" الشيطان، لمن لم يصابوا بعمى القلوب بعد!
https://telegram.me/buratha