هناك إجماع شبه عالمي على إدانة هجمات باريس الارهابية، التي شُنّت مساء الجمعة (13 نوفمبر)، والتي بلغ عددها 7 هجمات في مناطق مختلفة من العاصمة الفرنسية، وأسفرت في محصلة رسمية عن مقتل حوالي 130 ضحية، وإصابة 350 آخرين، حالة حوالي 90 منهم حرجة. ولم يكتنف الغموض طويلاً الجهة التي نفّذت الهجمات، اذ سرعان ما أعلن تنظيم داعش عن تبنّيه لها، وبالطبع لم يُشكّل هذا الإعلان مفاجأة للسلطات الفرنسية ولا لعموم المراقبين، فلقد أعتبر الرئيس الفرنسي "فرانسوا هولاند" بعد وقت قصير من الهجمات، بأن "إرهابيي داعش قد أعلنوا الحرب ضد فرنسا...وقد نظموها وخططوا لها من خارج فرنسا بمساعدة أشخاص في الداخل"! وقد شكلت طبيعة الهجمات وارتفاع أعداد الضحايا صدمة كبيرة للفرنسيين، وكل العواصم الغربية، التي تتوجس بشدة من احتمال تكرار مثل هذه الهجمات الإجرامية على أراضيها.
هذه هي الموجة الثانية من الهجمات الارهابية التي تضرب باريس، وينفذها داعش في غضون العام الجاري، بعد تلك الأولى التي روّعت الفرنسيين في الثاني عشر من يناير هذا العام، واشتهرت بالهجوم على مقر صحيفة "شارلي إيبدو"! وبدأت القوات الأمنية الفرنسية عملية أمنية موسعة ضد التهديدات الارهابية في فرنسا عقب هجمات يناير، أطلقت عليها "سانتينال"، والملفت ان هذه العملية كانت غير متوقفة حتى ساعة الهجمات الأخيرة؛ بل وان السلطات الأمنية كانت تتوقع منذ شهور مثل هذه الهجمات، لكن ما حصل كشف انها عاجزة الى حدّ كبير في منع وقوعها! ويعتبر أغلب المحللّين والخبراء الأمنيين بأن الهجمات الأخيرة تؤشّر على شاخصين مهمين، الأول؛ ضعف الإجراءات الأمنية الفرنسية، والثاني؛ استطالة ذراع الارهاب الضاربة في عقر العواصم الأوروبية! اذ لطالما تباهت السلطات الأمنية في هذه العواصم بأنها "محصّنة" الى حدّ كبير ضد هكذا هجمات منظّمة. ومَردّ هذه الثقة هو اتساع التدابير الأمنية، والتنسيق العالي بين الأجهزة المختصة في البلدان الغربية، بما فيه تبادل المعلومات والخبرات. ويمكن وفق هذا الواقع التقاط "الحافز" المحرك للجهد الإرهابي في تنفيذ الهجمات الأخيرة أو ما يماثلها سابقاً، حيث يروم تنظيم داعش ونظائره الى ضرب هذا "التحصين" الأمني المزمع غربياً في الصميم، وزعزعة أركان نظرية "التفوق الأمني" ضد الارهاب في الغرب! خصوصاً وان الزخم الإرهابي الداعشي في تنفيذ العمليات قد بات واضحاً في الأسبوعين الأخيرين، بواقع تنفيذه أربعة من سلسلة الهجمات الإجرامية (رابعها هجمات باريس)، أولها مسؤوليته عن سقوط الطائرة الروسية في شرم الشيخ، والثانية إطلاق نار في مركز تدريب في الأردن وقتل مستشارين عسكريين أمريكيين اثنين، والثالث التفجير الإجرامي في الضاحية الجنوبية في بيروت (قبل يوم واحد فقط من هجمات باريس)!
لذا لم يكن اعتباطياً هذه المرة أن يختار داعش هجماته السبعة في باريس، وانتقائه لأهداف مدروسة، ومنها مسرح "باتاكلان" الذي حصد العدد الأكبر من الضحايا، والأخطر هو التفجيرات على مقربة من "ملعب فرنسا الدولي" حيث كان الرئيس هولاند يحضر مباراة بين منتخبي فرنسا وألمانيا، وقد تم إجلاءه على الفور. فالهدف الأبرز من هذا الاختيار هو توصيل رسالة مفادها ان ذراع الارهاب طولى، وانه يتوفر على معلومات أمنية معقدة تمكنه من إيجاد اختراقات من هذا النوع!
ربما يتساءل الكثيرون عن سبب اختيار فرنسا بالذات كساحة "مفضلة" لموجات الارهاب ضمن أجندة داعش والتكفيريين، والإجابة في طبيعتها متشعبة وشائكة نوعاً ما، ولكن لا يمنع هذا من ضغط بعض الأسباب وحصرها في حالة التأزم الذي تعيشه فرنسا، لاحتضانها لجالية مسلمة تزيد على 5 ملايين مسلم، وبأن الاسلام هو الدين الثاني في فرنسا، أما أفراد هذه الجالية فلا زالوا يعانون من التهميش المنظّم بشكل أو بآخر، ويُمارس ضدهم التمييز في أكثر مناحي الحياة اليومية، وتُستهدف عقائدهم جهاراً في وضح النهار بأساليب مبطنة تحت ذريعة "حرية التعبير"، ولم تتوانَ الجهات الرسمية في التصعيد بهذا الاتجاه حينما تشن حملة ضد الحجاب في المدارس والجامعات بلوائح رسمية صريحة، ضاربة عرض الجدار كل "قيم الحرية" التي تتباهى بها فرنسا، إضافة الى حصر هذه الجالية المسلمة في غيتوات (أحياء الأقليات) في ضواحي المدن الكبيرة، وعدم الاهتمام بتنميتها، مما حولها الى بؤر مناسبة لعصابات المخدرات والعنف المسلح، بعدما ارتفعت نسبة العاطلين في أوساط الجالية وخصوصاً الشباب منهما، وانعدمت البرامج الرسمية الجادة في حل مشكلاتهم، ولم تضع الحكومات الفرنسية المتعاقبة خططاً طارئة للتنمية، أو بحث سبل إدماجهم الحقيقي في سوق العمل. كل ذلك أسهم تدريجياً بأن تتحول هذه المعضلات التي تلازم الجالية الاسلامية الى "قنابل موقوتة" من السهل أن يستثمرها الارهاب التكفيري في أية لحظة، خصوصاً حينما يترافق ذلك مع الشعور المتنامي للشباب ضمن هذه الجالية (بما يشكلونه من نسبة كبيرة ضمنها) بالإجحاف والتهميش جرّاء سياسات اليمين الفرنسي المتطرف الموجهة ضد الاسلام والمسلمين، والذي ينشط منذ سنوات في الاستيلاء على المشهد السياسي في فرنسا، ومن ضمن برامجه المعلنة التضييق على المسلمين في البلاد، مع إتّباع أساليب قسريّة وغير حضارية تدعو الى "تذويبهم" في المجتمع الفرنسي والثقافة الفرانكفونية بزعم "إدماجهم"! كما يتّبع اليمين الفرنسي المتغلغل في الأوساط الثقافية والإعلامية سياسة "شيطنة" المسلمين، ناهيك عن الانقضاض بشراسة ووقاحة على مقدسات هؤلاء، ومنها ازدراء العقائد الاسلامية، والإساءة لشخصية الرسول الأكرم (ص)، مثلما بلغ ذلك ذروته في الرسوم المسيئة التي نشرتها مجلة "شارلي إيبدو" الساخرة، وتبنّى اليمين المتطرف بشدة هذه المواقف، وأعتبرها من مقتضيات الإيمان بالثقافة الفرنسية و"حريّة التعبير"، متجاهلاً تماماً مخاطر هذه التصرفات حين يتم تسييسها، اذ ستطلق بدورها نوعاً من "حريّة التعبير" لدى الآخر لا يستثني العنف كأحد أدواتها، ويمهد ذلك لتشكيل مادة دسمة من السخط والغضب والشعور بالمهانة، يمكن أن يستغلها الإرهابيون في حشد المؤيدين والأتباع، وإيجاد قاعدة بشرية يتم توظيفها في ساعة الصفر!
وما زاد الطين بلّة في الوصول الى الوضع المأساوي الذي عاشته باريس في الجمعة الدامية (أمس)، هو سياسة الحكومة الفرنسية برئاسة هولاند تجاه ملف الارهاب التكفيري (وداعش جزء منه)، وربما تأتي خطورة هذه السياسة في الدرجة الثانية بعد السياسة الأميركية في ذات الملف، ويعزى المحرك الأهم للسياسة الرسمية الفرنسية الى هيمنة النزعة الاستعمارية الفرانكفونية على نظرة "الأليزيه" لمنطقة الشرق الأوسط المتخمة بالتعقيدات، ولم تستطع النخبة الفرنسية الحاكمة أن تبرح من هذه النزعة رغم كل مظاهر التخلي عنها! ومن هنا يمكن تفكيك لغز الحماس الفرنسي في التورط في الأزمة السورية منذ بواكيرها (والبعض يؤمن بأنها من أبرز صنّاعها)، كامتداد طبيعي للتوغل الفرنسي في تعقيدات الملف اللبناني، والرغبة في إعادة تشكيل موازين القوى لبنانياً بما يضمن هيمنة فرنسية أكبر بكثير مما تحوز عليه! خصوصاً وان الوضع اللبناني يعاني كثيراً وبصورة مزمنة من التدخلات الفرنسية، التي ساهمت بإيصاله الى حالة الشلل التي تعيشها الحكومة اللبنانية، بعد أن ساهمت حكومة هولاند (وقبلها حكومة ساركوزي) في إيجاد مآزق جمة، وطرق مسدودة مستحدثة، راكمت التعقيدات الموجودة والمتوارثة أصلاً!
لا يخفى بأن حكومة هولاند قد جرّت الشعب الفرنسي الى رهان خاسر سلفاً في ملف الأزمة السورية، وانعكس ذلك على مجمل تخبطات السياسات الفرنسية في قضايا الشرق الأوسط، ومن ذلك مناصبة العداء لإيران بطرق شتى، بينما كانت الأخيرة على استعداد دوماً للتعاون في القضاء على ظاهرة الارهاب التكفيري من بدايات استفحاله. كما شهد الجميع الدور الفرنسي المحموم مطلع 2011 في إشعال الحريق السوري، بالتعاون اللامحدود مع القيادة الأميركية، وذلك على خلفية مزاعم واهية، أكثرها مراوغة وزيفاً هي "إرساء الديموقراطية في سوريا"! بينما الهدف الفرنسي (غير المعلن) هو إسقاط النظام السوري (أو تركيعه)، وتصفير جميع نقاط قوته في الساحة اللبنانية، إضافة الى ضرب المحور الإيراني - السوري في الصميم، ومن ثم إضعاف حزب الله اللبناني ليقبل بالإملاءات والشروط الأميركية والفرنسية (والإسرائيلية تبعاً)! هذه تقريباً أبرز محركات الأهداف التي كانت وراء التورط الفرنسي في أزمات المنطقة منذ مطلع 2011، بمعنى انها ما تشترك به مع باقي الأهداف الأميركية (لا مجال لذكرها هنا).
مكمن السياسة الكارثية الفرنسية المأزومة انبثق من القراءة المتزمتة للمصالح الضيقة من قِبل الحكومة الفرنسية، والتي اعتبرتها مصالح استراتيجية، وأودى بها أن تطلق النار على رِجلها، بكلمة أخرى هي قد ساهمت بمواربة في استفحال دور الارهاب التكفيري، وربما وقعت في فخّ القراءات الأميركية الكارثية، فكانت حكومة هولاند متحمسة لتقوية "المعارضين" والمناوئين لحكومة الأسد بأي ثمن، حتى لو كان هذا الثمن "الاستفادة" من الارهابيين التكفيريين، بما فيهم المتحدرين من القاعدة والتنظيمات المشابهة الأخرى، ما دام الهدف "المنظور" إسقاط الأسد، الذي عُدّ المطلب رقم واحد لبرنامج هولاند السياسي، ولم يلتفت الأخير أبداً للأصوات السياسية الفرنسية المعتدلة، والتي طالبته بتجنّب مثل هذه السياسات الكارثية وعدم الإنجرار بطريقة مهينة وذيلية خلف الخطط الأميركية! وقد حصل العكس، أي شهدت الأحداث حماساً فرنسياً طاغياً في دعم المجاميع الارهابية التي وصفتها بـ"المعارضة السورية المسلحة" وفي تكييف آخر بـ"المعتدلة"، وبالطبع كان الإسهام جارياً بوتائر متفاوتة مع الأميركيين وحكومات غربية أخرى ضمن هذا التوجه، بينما يرى هؤلاء جهاراً الرايات السوداء لداعش والنصرة وعشرات التنظيمات المتشابهة تتشكل وتنتشر في بقاع كثيرة من سوريا؛ بل وعَبَر بعض هؤلاء الحدود الى العراق للالتحاق بداعش تحت مرأى رادارات التحالف الدولي، والأنكى أن ذلك لم يثير أية "حساسية" لدى حكومة هولاند، ربما لأن الخطر التكفيري تلبّس آنذاك بأجندة طائفية ظنّ الفرنسيون انها لا تستهدفهم، بل تستهدف الشيعة والعلويين، ومن ورائهم إيران وحزب الله اللبناني!
بيد انه بعد تورّم دور وأهداف المؤسسة التكفيرية الوهابية ضمن الطبخة الأميركية - الفرنسية، واستفحال التوحش الإرهابي لداعش والنصرة ونظائرهما، وبعد تشكّل أجواء ضاغطة من قبل الرأي العام الفرنسي (وآخر أوروبي) ضد أية جهود دولية تصب في دعم الارهاب التكفيري، لاذت الحكومة الفرنسية بتبريرات واهية ومستهلكة مرة أخرى، حينما أصرت بأنها كانت وما زالت تدعم فقط "المعارضة المعتدلة"، وتسمّي "الجيش الحرّ" كمثال عليها، ولكن لم تسعفها هذه التورية البائسة، لأن مصطلح "المعارضة المعتدلة" بات عارياً ومبتذلاً أكثر من أي وقت مضى؛ بل تحول الى باب موارب يفضي الى كل ساحات وأنشطة الارهاب! خصوصاً بعدما اعترف أقطاب الإدارة الأميركية بأن كل المقاتلين الذين دربتهم منذ بداية الأزمة السورية على انهم "معارضة معتدلة" والأسلحة التي زودتهم بها وصرفت على ذلك مئات ملايين الدولارات، قد أضحت في مجموعها سلّة داعش والنصرة ومجاميع إرهابية أخرى منذ بواكير الأنشطة القتالية في سوريا! وطبعاً لم تتطرق هذه الاعترافات الى ان الجزء الأكبر من هؤلاء المقاتلين قد عبروا الحدود أيضاً الى العراق، والتحقوا بداعش الذي عاث في الأرض فساداً، بفضل حماقات الأميركيين وشركائهم كحكومة هولاند!
الأنكى انه بعد أربعة سنوات من اشتعال الحريق السوري بعود الثقاب الفرنسي - الأميركي (وهذا ما لا يمكن إنكاره)، وبعد ما مهدّه ذلك من استفحال أمر إرهاب داعش والنصرة ونظائرهما، وبعد أن إعلان "الخلافة الداعشية" على مساحة أكبر من مساحة بريطانيا، وبعد كل الجهود الفرنسية المتميزة ضمن التحالف الدولي في تقويض مقدرات الحكومة السورية وبما صبّ في المقابل في تقوية المجاميع الارهابية، ما الذي فعلته الحكومة الفرنسية لـ"القضاء" على الارهاب التكفيري الذي ضرب عاصمتها أمس وقبل ذلك أيضا؟! ولا نقصد هنا في استحضار الإجابة بأنها ساهمت ضمن التحالف الدولي في طلعات جوية استهدفت تجمعات داعش، خصوصاً وان مئات علامات الاستفهام تشوب هذه الطلعات، لأنها في المجمل لم توقف منذ عام ونصف العام تمدّد داعش!
في المقابل مارست حكومة هولاند (الخائفة على أرواح وأمن مواطنيها) سياسة غضّ الطرف منذ سنوات عن تدفق المقاتلين الملتحقين (من فرنسا بالذات) بداعش والنصرة وشقيقاتهما، ولم تتحرك جدّياً في الحدّ من هذه الظاهر الخطيرة، اعتقاداً منها بأنها تساهم في تفريغ فرنسا من الارهابيين "المحتملين"، وانهم لو ذهبوا الى سوريا، سيساهمون قطعاً في إسقاط نظام الأسد (وهو مطلب رسمي فرنسي أول)، وعن مخاطر عودة هؤلاء الى فرنسا يوماً ما، كانت السلطات الفرنسية تتصرف (لا أقول تخطط) وكأن هذا اليوم من المستبعد قدومه، فهي لم تضغط يوماً على الحكومة التركية التي تسهّل علانية عبور الارهابيين فوق أراضيها، ولم تضغط أيضاً على حكومات المغرب العربي (بما لها من نفوذ هناك) والتي يتحدّر منها آلاف المقاتلين السلفيين الذين تتجاهلهم حكوماتهم، أو تغضّ الطرف عنهم لمآرب كثيرة!
وما يناقض مزاعم الحكومة الفرنسية لـ"محاربة" الارهاب التكفيري، هو ان هذه الحكومة لم تتباطأ وتيرة دعمها للحكومات التي ترعى حواضن الارهاب التكفيري في المنطقة، فلم توجّه مثلاً أية اتهامات بدعم الارهاب الى السعودية وقطر، لدورهما الواضح (شبه العلني) في هذا الدعم على مدى سنوات طويلة، في العراق وباقي بلدان المنطقة، ولكن في المقابل أبرمت حكومة هولاند عقود بمليارت الدولارات لتزويد النظامين بأسلحة متطورة، وكأنها تكافئهما على رعرعة الارهاب، في حين كانت حكومة هولاند سبّاقة وبنشاط محموم في فرض العقوبات الدولية على إيران بزعم انها "ترعى الارهاب" تارة، ولعرقلة برنامجها النووي تارة أخرى! وعلى ذكر إيران، تسوّق فرنسا مقولة ان تزويد دول الخليج بالسلاح المتطور يصب في مسعاها لإيجاد "توازن الرعب" مع جارتهم اللدودة إيران، والواقع هو ان فرنسا تسعى (جنبا الى جنب الشركاء الغربيين) الى إطلاق سباق التسلح في المنطقة، بما يعود عليها (وشركائها) بمليارات الدولارات التي تحل جزءاً من أزماتهم الاقتصادية، والأخرى الاجتماعية التي تفاقمها أزمة البطالة!
لا بد من القول أيضاً بأن الحكومة الفرنسية تقف حتى الساعة عقبة كأداء في طريق الجهود الدولية المشجعة لحلّ النزاع السوري سلمياً، وتصّر بدورها على شرط "إسقاط" الرئيس الأسد كمدخل للحل! تتصرف هكذا حتى وهي تدرك انها بذلك تطيل في عمر داعش والارهاب التكفيري العابر للحدود والقارات، ولم تُقنع أحداً حتى الآن (بما فيهم الفرنسيين) بشأن وصفتها الجنونية التي تدّعي انها تحمل "الحل لكل المشاكل" بثمن رحيل الأسد! مع ان المنطق والتجارب الدولية وسياق التوازنات على الأرض في المنطقة، وبعد التدخل الروسي في سوريا (والذي لن يزحزحه النفخ الإعلامي ضده) كل ذلك يؤكد بأن تدعيم أركان الدولة السورية القائمة سيهم كثيراً بالقضاء على داعش ونظائره، وبعدها لكل حادث حديث!
أما إصرار حكومة هولاند على تعطيل هذا الحل والجهود المبذولة في سبيله، يعني تعريض فرنسا وشعبها الى مخاطر جمّة، سيدفع ثمنها المدنيون الفرنسيون، الذين جرّتهم حماقات رئيسهم وفريقه الى الأزمات والويلات، هذا الفريق الذي يصر أن يتعامل بازدواجية مفرطة حتى في معايير "محاربة الارهاب"، فلم يبدِ أي اهتمام جدّي في القضاء على داعش في العراق، وكأن التنظيم هناك سلمي وديع، ولا يشكّل خطراً على المنطقة والعالم، لماذا هذا التقاعس اذن؟ لسبب بسيط؛ هو ان العراق خارج هاجس الهيمنة الفرانكفونية في أجندة "الأليزيه"، ولا يستحوذ على الأوْلوية؛ بل وربما يصبح زبوناً مدمناً على شراء الأسلحة الفرنسية لأغراض دفاعية!
* * *
لن تنعم لا باريس ولا غيرها من العواصم الغربية بالأمان، اذا لم تتوقف المساومة الجارية المنذرة بالكوارث؛ الارهاب التكفيري (وفي مقدمته داعش) يصول ويجول ويتمدد وينشر الرعب بين شعوب المنطقة، ويؤسس "دولة الخلافة"، ويمسح بآلياته حدود الدول ويعمل للإطاحة بالنظام السوري (أو العراقي)، مقابل أن يتم غضّ الطرف عن شروره وإجرامه وتطبيقه لأجندة "إدارة التوحش"، وأن يتم التصرف دولياً وكأن لا دور ولا وجود للحواضن التكفيرية التي تمده معنوياً ومادياً في قلب العواصم الخليجية، وتدعمه الحكومات هناك في الكواليس، إضافة الى التعامل الدولي بكل ميوعة وسطحية مع تدفق عشرات آلاف المقاتلين عبر تركيا (بتسهيل رسمي تركي) للالتحاق بالتنظيمات الارهابية في سوريا والعراق من أكثر من 100 دولة، ومنها الدول الغربية، وعلى رأسها فرنسا.. التي يُدين الجميع اليوم ما ألمّ بها من مصاب، جرّاء الهجمات الإجرامية!
https://telegram.me/buratha