في 1951 اسست مجموعة الفحم والصلب الاوروبية، والذي عزز المشاعر الاوروبية، لتسفر في 1957 عن اعلان بلجيكا وفرنسا وايطاليا واللوكسمبورغ وهولندا والمانيا في روما لـ"المجموعة الاقتصادية الاوروبية".
وهكذا تأسست اللبنات الاولى للسوق الاوروبية المشتركة والاتحاد الاوروبي، بكل اثاره السياسية والاقتصادية والامنية والاجتماعية والثقافية. ولقيام برلمان اوروبي موحد له سلطاته التشريعية، وممثليات تنفيذية عليا.. فالاتحاد الذي بدأ بـ6 دول صار اليوم 28 دولة، ويساهم بـ24% من الناتج الوطني الاجمالي العالمي بالاسعار الجارية.. فانقذت اوروبا نفسها من الهرم وعادت لتكون المنافس الاقوى لبقية الدول الصناعية الكبرى.. كل ذلك دون ان تفقد الدول الاوروبية سيادتها، بل اسست بخطوات مدروسة وعقلائية سيادة اعظم موازية وحامية، فوضعت كل شيء في مكانه، وتجاوزت، وما زالت تتجاوز، الكثير من العقبات والازمات، فالاتحاد، عموماً، يتفهم مطاليب الدول، والدول تتفهم مستلزمات الاتحاد، ولعل هذه من اكبر تجارب الاتحاد بين الدول وانجحها لحد الان، بعيداً عن اساليب الحرب والقسر.
منذ اعوام والطرفان العراقي والاردني يجتمعان لبحث فكرة انشاء خط انابيب نفطي من البصرة مروراً بـ "النجف" و"حديثة" بطاقة 2.250م.ب.ي ليلتقي مع خط يأتي من كركوك بطاقة 500 الف ب/ي، ثم ليتفرع نحو سوريا والعقبة.. لم تنقطع الاجتماعات والدراسات لكنها وقفت كلها عاجزة امام تدهور الاوضاع الامنية. وفي 2015 اقترح الجانب العراقي اضافة خط جديد ينطلق من "النجف" ويحاذي الحدود السعودية وصولاً للاردن والعقبة.. كشفت المسوحات الجيولوجية والدراسات الاخرى ان الفكرة قابلة للتطبيق فنياً واقتصادياً وامنياً. وهنا انظمت مصر للمشروع للاستفادة من طاقات العراق النفطية والغازية المتصاعدة، بل اهتمت بالمشروع العديد من الدول والمؤسسات العالمية.. وهناك اليوم مفاوضات تجري بين الاردن ومستثمرين عراقيين لانشاء مصفى في العقبة، وغيرها من مشاريع تسعى كلها للاستفادة من الافاق التي يفتحها هذا المشروع. اما الخط نحو "حديثة" وسوريا فيمكن البدء بتنفيذه حالما تتحسن الاوضاع الامنية في المنطقة.
في تشرين الثاني 2015 وقع وزراء النفط والطاقة في البلدان الثلاثة مذكرة تفاهم حول المشروع.. وتشكلت لجنة فنية دائمة تجتمع كل 3 شهور، واجتماع وزاري كل 6 شهور. وقبل ايام في 9 اذار الجاري تم الاجتماع الوزاري الثلاثي الثاني، وتم التوقيع على محضر سير الاعمال للجنة الفنية.. واقترحت مصر توسيع قطر انبوب الغاز للاستفادة منه ليس فقط لتشغيل محطات الضخ، بل امكانية تصدير الغاز العراقي مستقبلاً. وستبقى الاطراف الثلاثة تنتظر اجتماع الجانب العراقي، خلال هذا الشهر، مع الائتلاف الذي تشكل مؤخراً لتنفيذ المشروع واستلام مقترحاته السعرية ودراسة جدواها والموقف منها. وعلى هامش اجتماع الوزراء الثلاثة وقع الوزيران العراقي والمصري اتفاقاً ثنائياً لشراء مصر النفط الخام العراقي، وكذلك لاستفادة العراق من مصافي مصر لتكرير نفطه، اضافة لامكانية خزن النفط العراقي في خزانات مصر على البحر الاحمر والمتوسط لتسويق النفط العراقي في اوروبا، ومجالات تعاون عديدة تتعلق بشركات الطرفين ومعاهدهم التعليمية.
وفي لقاء بين الوزراء الثلاثة ورئيس الوزراء المصري السيد شريف اسماعيل، حضره سفير العراق في القاهرة الاستاذ ضياء الدباس، ذُكرت صعوبات العراقيين الراغبين بزيارة مصر للاستشفاء والسياحة والدراسة في الحصول على سمات الدخول، خصوصاً في هذه الظروف الصعبة في مصر بعد تراجع اعداد السواح بسبب الاوضاع الطارئة.. وجرى حديث مفصل عن هذه القضية خصوصاً بعد قرارات تركيا الاخيرة حول دخول العراقيين، وعن العلاقات التاريخية التي تربط العراق بمصر ووجود جالية عراقية كبيرة بعشرات الالاف، واعداد كبيرة من الطلبة العراقيين يصل الى 15000 طالب وطالبة.. وبالفعل اثار الموضوع اهتمام السيد رئيس الوزراء، لما فيه من مصلحة مشتركة لا يمكن اغفالها.
جاءت زيارتنا الى مصر مباشرة بعد زيارة رسمية للسيد رئيس الجمهورية الدكتور فؤاد معصوم، ومرافقة لزيارة السيد وزير الخارجية الدكتور ابراهيم الجعفري لحضور اجتماعات مجلس الجامعة العربية ولاختيار امين عام جديد لها.
هل سيساعد الاقتصاد للتقريب بين الاشقاء، وبناء علاقات مترابطة مستدامة قادرة على مواجهة العواصف السياسة؟
https://telegram.me/buratha