واجه الدين الاسلامي الحنيف منذ رحيل الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم وانعقاد السقيفة الملعونة، انحرافاً خطيراً في المجتمع الاسلامي الحديث العهد على الصعيد الاجتماعي والسياسي في ادارة الدولة طبقاً للعدل والقسط والمساواة وأعادت القيادة القاعدة الى العهد الجاهلي.
الأمر المرير هذا الآخذ بالاتساع والعمق حتى يومنا هذا بدافع السياسة الأموية المصرة على تحريف وتشوية وتزوير الصورة الحقيقية للدين الاسلامي المحمدي الاصيل بهدف ألقاء شبهة أن التجربة الاسلامية لادارة الدولة والمجتمع مليئة بالتناقضات وعاجزة عن مواكبة الحدّ الأدنى من حاجة الاُمّة ومصلحتها الاسلاميّة والانسانيّة ولا تتناسب وحقوق الانسان وحرية الفرد والرأي والديمقراطية وحكومة الشعب الدينية.
حينما يتسلسل الانحراف في خط تصاعدي فمن المنطقي أن تتعرض التجربة بعد مدى من الزمن لانهيار كامل وهو هدف أسلاف وأحفاد أمية ومن يسير في ركبهم نحو القبضة الحديدة في السلطة والتسلط على رقاب الناس على أسس السلطة الجاهلية والقبلية الموروثية ودفع المجتمع الاسلامي نحو تقديس الحاكم الطاغي المستبد شارب الخمر والفاسق الفاجر بذريعة أن الخروج على الحاكم "حرام" فتوى لا أساس لها ليس في الدين الاسلامي الحنيف بل في جميع الاديان والمقدسات السماوية السمحاء، وهو الحال مع غالبية حكامنا في البلاد العربية.
يستهدفون بذلك تسقيط الاسلام المحمدي الاصيل الذي جاء رحمة للعالمين، وتسقيط حضارته الانسانية التي أخرجت الناس من الظلمات نحو النور وهو ما يتناقض ورغبات سلطات العنف والتزييف والتزوير؛ وسعياً لإقصاء الاسلام عن مركزه كقائد للمجتمع وكقائد للاُمّة ومن ثم لم تجد هذه الاُمّة نفسها قادرة على تحصين نفسها بعد انهيار التجربة والدولة والحضارة بعدما اُهينت كرامتها وحُطِّمتْ إرادتها وغُلّت أياديها ورسمت لها صورة دموية مقيتة أجرامية على يد وعاظ سلاطين البترودولار والمجموعات الارهابية المسلحة التي تبطش بالبشر والحجر من العراق وحتى ليبيا ومن سوريا وحتى اليمن مروراً بالبحرين ومصر وغيرها من ديار المسلمين، مدعومة بزعامات تمارس الانحراف والقمع والإضطهاد ضد شعوبها والمجتمعات الاسلامية والبشرية جمعاء بأسم الدين والدين منهم ومن إجرامهم براء .
ومن الطبيعي أن تنهار الامة الاسلامية باندماجها مع التّيار المنحرف الذي نما في داخلها منذ اللحظة الأولى لسقيفة بني ساعدة وحتى عصرنا الحاضر، ومن ثم تذوب وتذوب الرسالة المحمدية الأصيلة وأسسها الانسانية التربوية الفذة وتصبح خبر كان بعد أن كانت أمراً حقيقياً على مسرح التاريخ وبهذا ينتهي دور الاسلام نهائياً.
من هنا ينطلق دور الأئمّة المعصومين الاطهار عليهم السلام الذين اُوكِلت لهم هذه المهمة الربانية في صيانة التجربة والدولة والاُمّة والرسالة الالهية التي بقت صامدة وشامخة حتى يومنا هذا مرفوعة الرأس يشدوا اليها الجميع للوصول الى ساحل العزة والكرامة والامان.
بين أئمتنا الهداة وأنوار الطريق الالهي القويم الامام علي بن محمد الهادي(عليهما السلام) والذي نعيش اليوم ذكرى شهادته المؤلمة والمفجعة، حيث امتازت امامته (ع) بقوة المؤمنين وتوسعهم في داخل المجتمع وداخل الدولة مما أرعب نظام "المتوكل" العباسي وجعل الخليفة المتوكل يهتم بهذا الأمر فاندفعوا نحو الشدة والملاحقة والتصفية الجسدية لأنصار الامام الهادي (ع) وكان النظام القمعي العباسي شأنه شأن الانظمة العربية الحالية خاصة في دول مجلس تعاون الخليج الفارسي والاردن والمغرب، يراقب بقبضة حديدية مواقع تجمع المعارضة ليمنعهم من التواجد فيها ولما كان يعتبر قبر الامام الحسين (عليه السلام) الشهيد نبراس الثائرين والمظلومين فكانوا يجتمعون حول القبر يزورون ويتزودون صبراً وقوة وإصراراً على الجهاد والثورة لذلك أمر المتوكل بنبش القبر وحرثه ويذكر السيد الحسني رواية تاريخ ابن الأثير وتاريخ الطبري: أنه في تلك السنة هدم قبر الامام الحسين بن علي (ع) وسواه بالتراب ثم أمر بحرث الأرض وزرعها لتضيع معالمه وقتل "المتوكل" عدداً كبيراً من زواره وبالتالي فرض عليهم الضرائب وشتى أنواع العقوبات ليُمنعوا عن زيارته والتمسك بأصل "هيهات منا الذلة".
الامام علي الهادي (عليه السلام) تصدى خلال فترة امامته للكثير من التزوير والتزييف سعياً نحو تحصين الأمة وإعادتها الى الطريق الصحيح حتى لو لبعض الشيء، فتحمل الامام (ع) العناء الكبير الشاق في ظل أجواء الترف والبذخ السلطوي ما دفع بالاخيرة وخوفاً من فشل مخططاتها الشيطانية وبغية عزل الامام (ع)عن أجهزته القيادية وقواعده الشعبية الى نقله من مدينة جده رسول الله (ص) المدينة المنورة الى مدينة سامراء ووضعه تحت الرقابة الأمنية المشددة، ولكن رغم كل هذه القسوة كان الامام علي الهادي (ع) يتدارك الأمر ويعالجه بالتحرك السري التام مع انصاره واصحابه ويوسع القاعدة الاجتماعية ويحصنها عبر أساليب الاتصال السري والعمل بواجبه كقائد رباني في هداية الأمة . فبقي هناك حبيس داره بأمر من الخليفة العباسي طيلة عقدين من الزمن حتى دس "المعتزّ" العباسي السم في طعام الإمام الهادي عليه السلام، ليستشهد في يوم الإثنين الثالث من رجب سنة 254 هـ ودفن في داره بسر من رأى (سامراء) عن عمر يناهز 42 سنة، ويدفن في داره بمدينة سامراء .
https://telegram.me/buratha