في عام 2010 عاتبني مسؤولون لانني صرحت بعد حضوري مجلس عزاء شهداء "كنيسة النجاة" قائلاً "انني اخجل ان اكون مسؤولاً في دولة لا تستطيع توفير الامن لمواطنيها".. أكدت يومها انني لن اشترك في مسؤولية حكومية لا توفر شروط النجاح.. وحالما انتخبت نائباً لرئيس الجمهورية استقلت.. وشاءت الاقدار، ودارت الايام ومضت اربع سنوات وعرض علي منصب وزير النفط، واعتقدت انها فرصة للاصلاح.. وانني استطيع تقديم شيء للاقتصاد العراقي، وهو تخصصي العلمي.. ومنذ اليوم الاول لتولي المسؤولية ذهبت الى مصفى "بيجي" وهي محاصرة بالكامل من "داعش" من كافة جهاتها، ودخلناها قتالاً وخرجنا منها قتالاً، لا لشيء الا لاعطاء رسالة باننا سنقاتل ونقف مع شعبنا حتى تحقيق احدى الحسنيين، النصر او الشهادة، وتحررت "بيجي" وغيرها بفضل دماء الشهداء وابطال القوات والحشد ودعم المرجعية والشعب.
فتوفير الامن شرط للنجاح الخدمي والاقتصادي. يقولون انني وفقت في وزارة النفط، وتصوري انه كان يمكنني ان افعل افضل.. فعندما تأكد لي ان الدولة لا تقوم بواجباتها وفق الخطط والسياقات التي تضمن لها النجاح، واستمرت لتكون قضية اشخاص ولم ترتق لمستوى المؤسسات، تمنيت لرئيس الوزراء التوفيق ووعدته بتقديم كل دعم ممكن، وقدمت استقالتي في آب 2015 لاترك لاخواني العمل وفق ما يعتقدونه صحيحاً، واعتقده انا ناقصاً او خاطئاً. اكدت على الاستقالة ثانية في 24/3/2016 وانفككت من عملي، حالما اصدر الدكتور العبادي "امراً ديوانياً" بتوليه هو نفسه وزارة النفط بالوكالة في 11/5/2016.
نعم هناك من يريد خلط الاوراق بحرق الاخضر واليابس.. وهناك قوى داخلية وخارجية تريد استغلال الاحداث لاجندات خاصة، بل بعضها معادي للشعب ولامنه ومصالحه. رغم ذلك، فالاغلبية الساحقة التي تعرب عن غضبها اليوم هي قوى طيبة مضحية، وهي قد حاكمت واصدرت حكمها ان عناصر الفشل لا تطاق، اذ كان يمكن للحكومات المتعاقبة وقواها السياسية ان تقدم افضل.. وان تحمي اكثر ارواح اهلنا واخواننا وذوينا وشعبنا.. فالمسؤولية وان كانت فردية لكنها جماعية وتضامنية ايضاً.. فلا عيب ان يغضب الاهالي، فهذا ما يحصل في كل مكان.. ولا عيب ان يعتذر المسؤول او ان يستقيل، ليس تبريراً او هروباً بل لتوفير الحلول الاكثر ايجابية، وهذا يحصل ايضاً في كل مكان.. العيب ان لا يبالي المسؤول ويرمي المسؤولية على غيره، ولا يسعى لايجاد الحلول الجدية لما حصل لمنع تكراره، والعيب، بالمقابل، استثمار الاوضاع للتجاوز والاعتداء.
لا يصح ان يعفي احد من المسؤولين نفسه ويرمي اللوم على غيره.. وانا بدوري اعتذر من موقعي اللارسمي ومن موقعي السياسي، فالكل مسؤول وان كان بدرجات حسب الاختصاص والمسؤولية.. اكثر من ذلك ان الشعب مسؤول، وان كان بدرجات ايضاً، سواء بالمراقبة وتدقيق الشعارات وانتخاب الاكفاء، او بان يكونوا بدورهم قوة امنية ونظامية وحضارية حسب القانون والنظام. فلا مجال للمزايدة، فنحن ابناء الكرادة منذ حوالي ثلاثة ارباع القرن.. وقدمنا الشهداء في الحادثة الاخيرة وفي الكثير قبلها من اخواننا وعوائلنا واحبابنا، بل قد نكون اكثر من كثيرين غيرنا، فعدد المحاولات ضدنا وكثير من الشظايا والاطلاقات ما زالت مزروعة في جسمنا كشواهد على ذلك..
ان اصلاح القديم يجب ان يقودنا لما هو افضل لا ان تأخذنا الانفعالات لنذهب لما هو اسوء. فلقد وقف الجميع سوية في انتصارات الفلوجة وقدم التضحيات الغالية، وعليهم اليوم ايضاً ان يقفوا جميعاً عند الانتكاسات وتلقي الضربات. ان يسمع المسؤول صوت الشعب ويزيل كل عوامل الفساد والعطل في صفوفه.. وان يقف الشعب دفاعاً عن حقوقه وانتصار النظام والعدالة والامن والسلام والافضل.. وان لا يصيبنا الزهو بالنصر عندما يتحقق لنفقد غفلتنا، فلا نستعد لضربات العدو المتوقعة.. كما حصل في الكرادة الشرقية وسيد محمد (ع).. وان لا يعمي الغضب اعيننا عندما نتلقى الضربات، فنمزق صفوفنا ونكشف انفسنا امام اعدائنا ونفقد حكمتنا ووحدتنا وشجاعتنا لرد الظلم والعدوان.
https://telegram.me/buratha