باقر العراقي
تفتخر سنغافورة بأنها أنجبت شخصية عظيمة مثل لي كوان يو، الذي قاد البلاد الى مصافي الدول المتقدمة من حيث دخل الفرد والخدمات العامة، وتفتخر الإمارات العربية المتحدة بأنها تطورت بشكل لافت للأنظار من خلال حكمة رجل يسمى زايد الخير، ويبقى الفضل في تطور ماليزيا واقتصادها، للأفكار العظيمة الذي جاء رجل الدولة الأول مهاتير محمد.
الأمثلة كثيرة لا حصر لها ولا عد، ومتنوعة وقد تكون في دول بلا مصادر طاقة ولا ثروات، لكنها تطورت، كسنغافورة وماليزيا وسويسرا أو اليابان وغيرها، فمعظم الدول انتشلت نفسها من قاع الفقر إلى مصافي التطور والبذج الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، اعتمدت على أفكار رجال تسنموا المنصب الأول في الدولة.
العراق ليس استثناءا من هذه القاعدة، لكن فرصته لم تحن بعد، ولم يأتي رجل الدولة الأول ليقوم بالإصلاحات المطلوبة، وان كان يعاني صعوبات من الناحية الأمنية، لكن الوضع الحالي أسهل من بقية الدول الأخرى من حيث تنوع مصادر الطاقة وبدائلها، وتوفر الخبرة، والثروة المائية والاهوار، والسياحة، ومصادر أخرى متنوعة ووافرة.
اعتمد العراق بعد 2003 على النفط بشكل مباشر، كمصدر وحيد لاقتصاد البلد، ولم يقع بهذا الخظأ مرة واحدة، بل أصبح الخطأ متجذر من خلال فساد المسؤول وعقليته الريعية، وبات عرفا اقتصاديا وسياسيا وحتى اجتماعيا، فالناس تركت مصالحها الخاصة من تجارة وزراعة وصناعة، واتجهت لطلب الوظيفة التي تفضل بها المسؤول، وأغدق على مواليه، بدون حساب لأيام المستقبل الأسود ، إلى أن وصلنا أزمة رواتب موظفي الدولة.
لم نصل إلى ما نحن عليه بسبب الإرهاب، ولا بسبب الاحتلال فقط، وإن كان له القدم المعلى في إتخاذ السياسة الريعية الحالية للبلد، لكن المسؤول عن ذلك هو الرجل الأول الذي انفق الميزانيات الانفجارية وصرفها في مشاريع وهمية، ووقع على امتيازات انفجارية حولته من فقير يستجدي الطعام والدواء في دول الإيواء، إلى طاغية مستبد يمتلك ناصية أمور الناس، ويقلبها حيث يشاء، يمينا وشمالا، فسادا وإهمالا.
الفأس وقع في الرأس ولم تنفع الآهات ولا الترهات، وعلينا دراسة الواقع الحالي، والبدء بإحصاء مدخولات الدولة في كل مدينة وفي كل بلدية صغيرة من ماء وكهرباء وخدمات، وإيجاد مقاييس خاصة للضرائب، فالخير موجود في كل شبر من بلادنا، لكن مصائبنا وراءها مسؤول..!.
التقيت في احد المرات، بمدير دائرة الاتصالات في احد المدن الصغيرة من بلادنا قال لي بالفم الملآن، أعطني صلاحيات باستثمار الاتصالات في مدينتي، وأغلق كل آبار النفط فيها، سأعطيك أموالا أكثر وبيئة أنظف، وهو صادق في ما طرح، فالخير موجود في كل شبر من بلادنا لكن مصيبتنا، أننا نعتمد على مسؤول ريعي يأخذ كل شيء ولا يعطي حتى ابسط الأفكار، إنه فعلا مسؤول ريعي يقود دولة ريعية...!
https://telegram.me/buratha