نـــــــــزار حيدر
*نصّ الحوار الذي أجراهُ الزّميل محمود الحسناوي، في إطارِ تحقيقٍ صحفيٍّ موسّع يُنشر في عدّة وسائل إعلاميّةٍ.
السّؤال الثّالث؛ ألا تعتقد بأنّ إتّجاه حركة الاصلاحات التي يقودها السيد الصدر ومؤيّديه بدأت تتّجه نحو تحقيق المكاسب السيّاسيّة والحزبيّة أَكثر من اتّجاهها المعلن بالإصلاح؟ لاسيّما انّ ذلك على حساب باقي الاطراف الشيعيّة؟!.
الجواب؛ الف؛ ان مشروع الاصلاح ليس مشروعاً خاصاً بجهةٍ دون أُخرى، او بطرفٍ دون آخر، بل إِنّ أصل المشروع أطلقت مبادرتهُ المرجعية الدّينية قبل مدة طويلة بعد ان يئِست من إمكانيّة ان يُبادر السياسيّون وتحديداً التّحالف الوطني للبدء بالاصلاح المرجو وتبنّي مشروعهُ الواضح والشّامل.
ولم تأتِ مُبادرة المرجعية الدّينية من فراغٍ ابداً، وانّما جاءت المبادرة استجابةً للظّروف القاهرة التي سبّبها الفساد الاداري اولاً [الذي تمثّل وقتها بتوزيع المناصب السّياديّة التّشريفيّة الزائدة والتضخّم بعدد الوزارات] والمالي [الذي تمثّل وقتها بالرّواتب والامتيازات الفاحشة للدّرجات الوظيفية الخاصّة] والذي استشرى بشكلٍ مُخيف في كلّ مفاصل الدّولة، خاصة في المؤسسة الامنيّة والعسكريّة، الى جانب ما بدأت تتركهُ الأزمة الاقتصاديّة والماليّة على الوضع العام جرّاء غياب أَيّة رؤية اقتصاديّة او ماليّة تنتشل الدّولة من الأزمة التي سبّبها انخفاض أسعار البترول بشكلٍ سريعٍ ومُفاجئ، فيما كان السياسيّون يستنزفون الميزانيّة العامّة بالامتيازات الخاصّة والمناصب الزّائدة التي لا طائِل من ورائِها والتي اعتمدت فقط على أساس التّراضي والمحاصصة وما الى ذلك من دون ايّ انتاجٍ فعليٍّ لِهذهِ المناصب التّافهة والترفيهيّة وغير الواقعيّة بما يخدم الشّعب العراقي.
كما جاءت مُبادرة المرجعيّة في إطلاق مشروع الاصلاح استجابةً لحركة الشّارع الذي يشعر بالطبقيّة الواسعة جداً بينهُ وبين السياسيّين والمسؤولين، سواءً على صعيد الوضع الاجتماعي والاقتصادي والمالي او على صعيد الفُرص بمختلف اشكالِها!، ولذلك رأَينا وقتها كيف ظلّ الشّارع يتظاهر ويعتصم أسبوعياً تقريباً للتّعبير عن رأيهِ والضّغط باتّجاه إِجبار السياسيّين على تبنّي وانجاز الاصلاح.
ولا ننسى هنا ما مثَّلتهُ المبادرة المرجعيّة للاصلاح من استجابةٍ لاصلاح الخلل الكبير في بُنية الحكومة التي كان من المفترض ان تتشكّل، بعد دعوة التغيير التي تبنّتها المرجعيّة الدّينية قبل الانتخابات النيابيّة الاخيرة، على أُسسٍ مهنيَّةٍ ومعايير حضاريةٍ تعتمد الكفاءة والخبرة والنّزاهة والقدرة على الادارة وامتلاك الرُّؤية، الا انّها وللاسف أَعادت صياغة نفسها بذات المعايير الحزبيّة والأُسس الكتلويّة التي تعتمد التّراضي والمحاصصة وتقاسُم الكعكة، ما أدّى الى فشلها في إنجاز البرنامج الوزاري مرّةً أُخرى، فكان مشروع الاصلاح الحكومي الذي أعلن عنه وتبنّاه السيد رئيس مجلس الوزراء قبل حوالي ستة أشهر، يعتمد التغيير الوزاري على أساس معايير جديدة تختلف عن المعايير النمطيّة المعمول بها منذ سقوط نظام الطّاغية الذليل صدّام حسين ولحدّ الآن.
وبالفعل فلقد أنجزَ الدّكتور العبادي ما وعدَ به على هذا الصّعيد عندما قدّم كابينة ما أسميتهُ وقتها بـ [الظّرف المختوم] والذي رشّح فيه وزراء تكنوقراط متخصّصون ومستقلّون، وكان من المفترض ان يُمرّر مجلس النوّاب الكابينة لولا ان أصرَّ السياسيّون وقادة الكتل والأحزاب، وتحديداً مكوّنات التّحالف الوطني، على التشبّث بنفس المعايير السّابقة، الحزبيّة في إطار مبدأ المحاصصة والتّراضي، لنعود مرّةً أُخرى الى نقطة الصّفر والى المربّع الاول، وبذلك تكون الكُتل والأحزاب، وخاصّةً التّحالف الوطني الذي يدّعي انّهُ ملتزم برؤية المرجع الاعلى وانّهُ على استعدادٍ للتّنازل عن ما يسمّونها بالاستحقاقات الحزبيّة والكتلويّة من أجلِ إنجاز مشروع الاصلاح الحكومي! قد افشلت مشروع الاصلاح وضيّعت فرصة ذهبيّة كان بالامكان ان تكون الخطوة الاولى في طريق الاصلاح الحقيقي!.
ثانياً؛ نعود للحديث عن دور الحراك الشعبي الذي قاده السيد الصّدر في كلّ هذه المعمعة.
فاذا عُدنا الى الوراء قليلاً فسنلحظ انّ هذا الحراك كان الغرض مِنْهُ تفعيل وتنشيط زخم الشّارع بما يحقّق ضغطاً أَكبر وأوسع وأَشمل على كلّ الاطراف لتبنّي مشروع الاصلاح بشكلٍ حقيقيٍّ وواقعيٍّ وليس بالاعلام والكلام والبيانات فقط.
انّ الحراك لم يسعَ الى فرضِ ما لم يتّفق عليه الشّركاء في العمليّة السّياسية وانّما كان شعارهُ (التزِموا بما الزمتُم أَنفسكم بهِ) أولم تدَّعون بأنَّكم مع مشروع الاصلاح الحكومي؟ أولم يصوّت مجلس النوّاب وبالإجماع على حُزمة الاصلاح الحكوميّة التي تبدأ بالتّغيير الوزاري الحقيقي بعيداً عن المحاصصة مروراً باصلاح الوكلاء والهيئات المستقلّة وغير ذلك؟ أولم يتحدّث كلّ زعماء الاحزاب والكُتل عن الاصلاح والتَّغيير وأنّهم مع الحراك الشّعبي الذي يُطالب بالاصلاح والتّغيير الحقيقي؟ وأساساً، الم يرفع كلّ النواب ومن دون ايّ استثناء، أيديهم بالموافقة على الحزمة الاولى والثّانية من مشروع الاصلاح الذي قدّمهُ السيد رئيس مجلس الوزراء لمجلس النُّوّاب بُعيد خطاب [يد الحديد] المرجعي؟! فلماذا اذن لم يتحقّق ايّ شيء من كلّ هذا؟.
هنا جاءت مبادرة الصدريّين للنّزول الى الشّارع والاعتصام في المنطقة الخضراء وقبلها عند بوابّاتها وغير ذلك، ليس اكثر من ان تُمارس الضّغط الشعبي وتعزّزهُ لاجبارِ السياسيّين على تحقيق وانجاز ما اتّفقوا عليه والزموا به أَنفسهم، بعد ان عبّرت المرجعية الدّينية العليا عن يأسِها من التزامهم بمشروع الاصلاح عندما قالت (لقد بحَّ صوتُنا) اي انّهم لا يسمعون واذا سمِعوا لا يلتزمون واذا التزموا لا يُنجزون واذا انجزوا عادوا الى عادتهم القديمة (المحاصصة)!.
ثالثا؛ امّا القول بان التيّار الصّدري يسعى للاستفادةِ من الحراك الشّعبي او مشروع الاصلاح الحكومي، فنحنُ لا نعيبُ على ايِّ أحدٍ من السياسيّين او الاحزاب والكُتل توظيفها المشروع لتكريس حضورها في الشّارع، فذلك حَقُّ مشروعٌ لكلِّ الاطراف السّياسية وذلك هو جوهر التّنافس بين الاحزاب السّياسية عادةً في كلِّ دُوَل العالم، وانّما الذي نعيبهُ عليهم انّهم في كلّ مرّةٍ يقولون مالا يفعلون ويفعلون مالا يقولون، ولذلك لازِلنا نُراوح في مكانِنا!.
نعيبُ عليهم سعيهم الحثيث للالتفاف على مشاريع الاصلاح وإِفراغها من جوهرِها الحقيقي بكلّ الطّرق المشروعة وغير المشروعة!.
نعيبُ عليهم جعجعاتُهم التي بلا طحينٍ! فإلى متى؟!.
https://telegram.me/buratha