لا ريب أن أمير المؤمنين حينما يوصي أحد أولاده بأمر ما، فإن تلك الوصية لا يقتصر توجيهها على ولده الموصى فحسب، وانما هي موجهة لكل من يسير على نهجه (عليه السلام) متى ماكانت خارح حدود العصمة.. ومن هذا المنطلق كان شهيد الاسلام الكبير صالح البخاتي مجاهدا في الله حق جهاده، ولم تأخذه في الله لومة لائم، وخاض الغمرات للحق حيث كان.
البخاتي الذي بدأ مسيرة الجهاد وهو لم يكمل خمسة عشر سنة من عمره الحافل بالتضحية، تميز اسلوبه الجهادي بالاخلاص العميق والتفاني الكبير في أداء واجباته، وعدم اكتراثه بالتوثيق والنشر الاعلامي لما يسطره من انجازات عسكرية كان حاضرا فيها عند مقدمة المجاهدين، وحتى عند تحرير المدن والقرى، لم نراه كغيره من القادة المجاهدين، يسارع في اعلان النصر في مختلف وسائل الاعلام، بل أنه يعلن نصره بصمت أمام ربه راجيا قربه وشفاعة أولياءه، وهذا هو السبب الرئيس الذي جعل حتى بعض أتباع تيار شهيد المحراب (التيار الذي ينتمي اليه الشهيد الكبير) لا يعلمون بقائد بهكذا حجم ينتمي الى تيارهم، بل أنهم لم يعرفوه إلا بعد أن عاد مخضبا بدماء النصر الزكية.
لقد تميز شهيدنا السعيد بالاقدام الكبير على الجهاد في سبيل الله فقد ترك دراسته في مدينة العمارة بسبب التحاقه بالعمل الجهادي ضمن خلايا المجاهدين ضد نظام صدام المقبور ، وكان له دور فعال في تلك المجاميع رغم صغر سنه، حتى هاجر مطلع الثمانينات مع عائلته الى ايران، وبسبب تردده الى العراق بين مدة وأخرى بسبب ارتباطه بالمجاهدين في الجنوب،اعتقل عام 1984 ، وسجن في مقر الفيلق الرابع للجيش الصدامي ،وخرج بعد قرابة ستة اشهر بطريقة عجيبة وعناية إلهية.. واستمر في مسيرة الجهاد واصبح قائدا مؤثرا ومحل ثقة قائد المقاومة آية الله الشهيد السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) حتى انطلقت الانتفاضة الشعبانية المباركة عام 1991 وشارك مع اخوته فيها مشاركة فعالة.
وبعد سقوط النظام الديكتاتوري في العراق، أخذ الشهيد السعيد قسطا من الراحة بعدما أنهكه الجهاد ومغامراته الكبيرة، وتفرغ للعمل السياسي ضمن الهيئة العامة للمجلس اﻷعلى الاسلامي العراقي، وهنا تميز بالحراك الخفي من أجل النهوض بالمشروع الذي آمن به،وكما ينقل السيد عمار الحكيم، أن الشهيد البخاتي كان مستمرا في متابعة عمل تيار شهيد المحراب، وكان يقيم اﻷداء والشخوص المتصدين بخفاء، ويرسل تقييماته وآراءه الى قيادة التيار، وحينما يأتي الرد، يأخذ به حتى وان كان مخالفا لماطرحه، وهذا هو عين الاخلاص والايمان بمنهج مشروعه وقيادة تياره.
وفي السنوات اﻷخيرة، حينما اقتربت فلول الارهاب من مرقد السيدة زينب (عليها السلام) في سوريا، عاد الحماس الجهادي لدى شهيد العراق الكبير فقاد سرايا أنصار العقيدة مع ثلة مؤمنة من المجاهدين، وحققوا انتصارات كبيرة أبعدوا من خلالها شر اﻷعداء بعيدا عن مرقد عقيلة الطالبيين.. واستمر هذا النفس الجهادي حتى دخلت عصابات داعش الى العراق واحتلت ثلث مساحته، وبعد صدور فتوى الجهاد الكفائي من المرجعية العليا امتثل الشهيد السعيد للنداء المرجعي وانخرط قائدا في صفوف سرايا الجهاد ولم ينل منه تعب المسيرة،بل عاد بروحه الشبابية وبنفس ورعه المعهود ليقود المجاهدين بصمت وحرروا ماحرروا من المدن والقرى تحت قيادته، حتى جاء الموعد الذي كان تواقا له بشغف كبير، بل أنه تحسر كثيرا وشكا أمره الى الله،قبل يومين من استشهاده، حينما منعت زجاجة العجلة المدرعة التي كان بداخلها،رصاصة الموت !، فكانت صدمته كبيرة ﻷن تلك الزجاجة قد حالت بينه وبين ربه وجناته.. وبهذه العقيدة الراسخة منح الله شهيدنا الكبير ما كان يريد، فجاءت رصاصة أخرى، وقبل أن تصيب رأسه، أصابت قلوب جميع محبيه ومن عرفوا حقه.. وهكذا انتهت غمرات شهيد ميسان الخالد بالنهاية التي كان يتمناها.
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha