خلال هذه الصراعات السياسية المحمومة، والفضائح البرلمانية والقضائية، يبدو أن فاجعة الكرادة لها فصل آخر لتكتمل مأساتها، فبعد أن التهمت النيران أجساد شباب الكرادة، جاء الدور لأطفال خدج في مستشفى اليرموك، لتحترق أجسادهم الصغيرة، فيبدو أن حياتهم إن طالت، لن تكون نهايتها أفضل مما انتهت به، في ظل غياب للمسؤولية الوطنية وفقدان للإنسانية.
بعد حملهن لأطفالهن وهناً على وهن، ثكلت أثنتا عشر أم بأطفالهن الصغار، فتحول أملهن الى يأس، وفرحهن إلى حزن، ليس لسبب يذكر؛ إلا إن صغارهن كانوا ضحية للفساد، والفئوية والحزبية، فليس مهما أن يكون المسؤول أو المدير هو الأكفأ أو الأقدر؛ وإنما انتماءه الحزبي؛ هو من يحدد بقاءه في منصبه من عدمه.
فاجعة مستشفى اليرموك، خير دليل على الفساد المستشري في البلاد، وتمادي المسؤولين في عدم اهتمامهم بأرواح وممتلكات الشعب، فما بين وزيرة الصحة ومسؤول صحة الكرخ، ومدير المستشفى تفحمت أجساد الأطفال، وبدأت المهاترات السياسية، فكل كل طرف يرمي الكرة بملعب الطرف الآخر، الوزيرة تقول أن مسؤول صحة الكرخ ومدير المستشفى صدر أمر باقالتهم، لكنهم لم ينفذوا الأمر، وقالوا أن هذه من صلاحيات محافظ بغداد.
فتبين أن مدير المستشفى يرفض أمر إقالته، وأن المحافظ مساند له لأنهما من التيار الصدري، وكذلك مدير صحة الكرخ هو الآخر من نفس التيار، فصارت أرواح المواطنين رهينة صراعات سياسية رخيصة، لم يسلم حتى المرضى منها، فعند حدوث الحريق ومأساته، بدا كل طرف يتهرب من مسؤوليته، وظلت أجساد الأطفال ملقاة في "صناديق كرتونية".
هذه الفوضى في وزارة الصحة، سببها إصلاحات العبادي الأخيرة، التي قام بها لذر الرماد في العيون، فاصدر عدة أوامر بدون أيّ دراسة، منها نقل بعض صلاحيات الوزارة إلى المحافظات، وبهذا بدأت التقاطعات بين الوزارة ومديرياتها.
الإهمال والفوضى والمحسوبية، هي من أدت لهذه الجريمة التي لا تختلف عن جرائم "داعش" هذه الجريمة لو حدثت في بلدان أخرى لأدت لاستقالة الحكومة ورئيسها، ولأجريت التحقيقات مع كل من له صلة بالوزارة، من الوزير حتى أصغر مسؤول في هذه المستشفى.
هنا يجب أن نسأل: أين مستلزمات الوقاية ومكافحة الحريق الخاصة بالمستشفى؟ أين ذهبت مليارات الأموال التي صرفت على ترميم هذا المستشفى؟ عندما رفض المحافظ "علي التميمي" أمر إقالة مدير المستشفى، أو مدير صحة الكرخ، هل يتحمل الآن مسؤوليته؟ هل تتم محاسبتهم أم يتركون كغيرهم؟
هذه الجريمة تبين مدى تقاطع المؤسسات الحكومية فيما بينها، وطغيان المحاصصة والفئوية على المصلحة العامة، والتي دائماً ما يكون ضحيتها المواطن الفقير، سَتَمر هذه الحادثة كسابقاتها، ولن يحاسب في هذا البلد سوى الفقراء، أما المسؤولين فحسابهم كحساب سليم الجبوري.
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha