عبد الكاظم حسن الجابري
أي منصب يتسنمه الفرد, سواء كان وظيفيا أو سياسياً هو تكليف وليس تشريف, وهو أمانه في ذمة هذا الفرد, وان الشخص الذي سيشغل موقعا معيناً ستقع على عاتقة رعاية مصالح الناس بقدر تعلق الأمر بوظيفته.
وحتى في المنظور الشرعي نرى إن حمل الأمانة هو تكليف الهي يقول جل وعلا: "إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا", وهذا التكليف الإلهي يستلزم الالتزام التام بأداء الأمانة إلى أهلها والحكم بالعدل يقول تعالى في ذلك: "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعضكم به إن الله كان سميعا بصيراً" .
إن هذا التكليف يُوجِب على المتصدي معرفة قدراته الذاتية, وإمكانيته النفسية, واستعداده للتضحية, وحضوره الفوري لأداء المهام, والقدرة التامة على قراءة المتغير, واتخاذ الإجراءات المناسبة والملائمة في لحظتها, وهذه المعرفة الذاتية تمكن الفرد من مقارنة الأمانة المناطة به وقدراته لغرض القبول أو الرفض لتلك الأمانة.
وهذا يعني إن المتسنم للأمانة الوطنية يجب أن يُبْعِدَ الأنا عنه, ويبتعد عن الأهواء الشخصية والنزوات النفسية, ويكون جُلَ همه رفعة وسمو رعيته, وان يوزع الفرص بالعدالة ويضع كل شئ في موضعه.
وخلال تصدي الفرد لمسؤولية أو وظيفة معينة عليه أن يجري تقييم لأدائه وأداء مؤسسته خلال مدة تواجده فيها وترأسه لها, فإذا ثبت خلال التقييم انه لم يقدم شئ أو أن هناك من لا يأتمر بأمره, فعليه عند ذاك أن يتنحى عن مكانه لفسح المجال لمن هو أكثر كفاءة وسيطرة منه.
وفي العراق نجد الدولة وبكل مؤسساتها متخبطة, يغيب عنها التخطيط وحسن الأداء, فالترهل الإداري والفساد المالي قد نخر في جسد الدولة, والانفلات الأمني هز هيبة الدولة, ولكننا ومع كل ذلك لم نجد إن مقصراً قد تم محاسبته ولم نجد أن مسئولا فشل في إدارته لملف معين قد قدم استقالته, بل نرى العكس فهم متشبثون بمواقعهم ويستقتلون عليها, وكأنما هي مغانم لهم, ونرى أن هناك أحزاب وتيارات تحمي الفاسدين من مسئوليها.
اذكر هنا إن وزيرا يابانيا ظهرت حوله إشاعة شائبة فساد ورغم أن التحقيقات لم تكتمل ولم تثبت بالدليل القطعي إلا إن هذا الوزير أقدم على الانتحار لكي لا تهتز صورة المسئول أمام الشعب, وكذلك انتحار وزير المالية الأمريكي في زمن الرئيس جيمي كارتر لاتهامه بشائبة فساد ورغم إن التحقيقات أثبتت براءته إلا إن الوزير أقدم على الانتحار بعد أن عقد مؤتمر صحفي شرح فيه عمله ووطنيته وبراءته من التهمة المنسوبة إليه قائلا "اعذروني لا أريد أن تسيئون الظن بي" , كذلك استقالة وزير التجارة الأمريكي جون برايسون في إدارة الرئيس الحالي باراك اوباما لتسببه في حادث مروري وقد قال في رسالة الاستقالة التي أرسلها للرئيس "توصلت إلى نتيجة ضرورة استقالتي من أجل تفادي وضع الوزارة في حرج" , وبنظرة بسيطة لمواقف هؤلاء الوزراء نجد أن تفكيرهم كان ينصب على أن لا تهتز هيبة وكيان مؤسسات الدولة بسببهم.
إن ثقافة الاستقالة والاعتراف بالقصور أو التقصير هي من أخلاق الشجعان فالشخص القوي في ذاته يعترف بخطئه ويعترف بعدم إمكانيته, وهذا ما لا يتمتع به المسئول العراقي وللأسف.
https://telegram.me/buratha
