جمال الاسدي
قبل ايام اطلعت مصادفة على رؤية هيئة النزاهة في مكافحة الفساد ، وحقيقة صدمت لهذه الرؤية السطحية لمكافحة الفساد في بلد مثل العراق، وما يمر به من صعوبات على كافة المستويات ، وان الفساد الاداري والمالي اضافة الى البيروقراطية الادارية من احدى اهم الاسباب التي وضعت الكوابح لعجلة التقدم والانفتاح للدولة العراقية ، والذي اقلقني اكثر في هذه الرؤية هي قبول دولة رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي عليها ( كما نشر في موقع هيئة النزاهة ) خاصة وان الدكتور العبادي قد سمى هذا العام ٢٠١٦ في بدايته عام القضاء على الفساد .
الفساد افة مجتمعية عرفتها المجتمعات الانسانية منذ سنوات طوال ، وهو مرض عضال تحمله كل الدول والمجتمعات سواء اكانت غنية ام فقيرة ، متعلمة ام جاهلة ، دكتاتورية ام ديمقراطية ، قوية ام ضعيفة ، متدينة ام ملحدة ، وهو مما يرتبط ظهوره واستمراره برغبة الانسان فيالحصول على مكاسب مادية او معنوية يعتقد في قرارة نفسه بانه ليس له حق فيها ومع ذلك يسعى اليها ، لذا فهو يلجأ الى وسائل سرية للوصول اليها منها اقصاء من له الحق فيها ، اوالحصول عليها عن طريق الرشوة او المحسوبية او الواسطة او اختلاس المال العام وغيرها، ويعد الفساد اليوم ظاهر عالمية وليست محلية وانتشار كبير وواضح وصريح ، وذو جذور عميقة و يأخذ أبعادا واسعة وتتدخل فيه عوامل مختلفة يصعب التمييز بينها ، وسيكون الفساد هو التحدي الاكبر و الأهم ، والوريث المتوقع للإرهاب بتأثيراته المدمرة على المجتمع .
لن ادخل في ماهية الفساد ولا انواعه الفساد ولا تقسيماته و
ساناقش ادناه بعض ماطرح في رؤية هيئة النزاهة لمكافحة الفساد وابين مخالفاتها الدستورية قبل مخالفتها في اصل مبداء مكافحة الفساد .
بينت الرؤية التي طرحتها هيئة النزاهة في نقاطها ( ٢١ ) امور مختلفة ( http://www.nazaha.iq/pdf_up/2916/RAHAssa.pdf. نصها على موقع الهيئة سالخص قسم منها وابين ماهي المخالفات بها . (
اولاً :- تهيئة وانشاء جهاز شرطوي بهيئة النزاهة ، يكفل تطبيق اوامر القبض الصادرة من قضاء هيئة النزاهة ، ويأتمر بأوامر الهيئة ويكون تابعاً لها ،وليس تابعاً للاجهزة التنفيذية-كما هو الحال الان .
استغرب لهذا الطرح البعيد عن واجبات هيئة النزاهة ، والتي من واجباتها الاصلية والثانوية هي مكافحة الفساد والفساد فقط ، وليس تأسيس جهاز امني خاص بها ، وكما هو معلوم ان اجهزة الشرطة واي اجهزة امنية اخرى هي اجهزة تنفيذية تتبع سلطات الحكومة وتنفذ قرارات القضاء كما نص عليه في المادة (٣٧/ب ) من الدستور والتي تنص على ( لا يجوز توقيف أحد أو التحقيق معه إلا بموجب قرارٍ قضائي) وكما هو معلوم ان هيئة النزاهة جهاز رقابي ، ومن اهم مبادئ الرقابة و مكافحة الفساد هي الفصل بين السلطات الرقابية والتنفيذية .
ثانياً :- انشاء قضاء متخصص بالنزاهة في محافظات العراق كافة وان يكون مرتبط ارتباط اداري بالهيئة مع بقائه مستقلاً من الناحية الفنية ، ان هذا الامر الذي يحتاج الى تدخل تشريعي ليس بدعاً من القول كما قد يتراءى من البعض فهناك دول ذهبت اليه - ايران مثلاً - اذ يكفل هذا الامر ان يكون القضاة قريباً من الهيئة ولا علاقة له بالضغوط التي تمارس على بعض القضاة ،فضلاً عن متابعة الهيئة له ،واستبدال القضاة الضعفاء الذين لايقومون على مكافحة الفساد ..الخ .
لاول مرة اقرأ ان هناك جهة رقابية في دولة تطالب بأن يكون لها قضاء خاص ، وتتهم القضاة بالتأثر بالضغوط وكذلك بالضعف ، وكأن الهيئة لم تبحث ولو قليلاً في طريقك عمل المؤسسات الرقابية في العالم واخذت مثلاً واحداً ( ايران ) لدولة نظامها القضائي والتنفيذي يختلف عن العراق جذرياً ، بالاضافة الى ان رقابتها ليست بالمستوى الذي يبنى عليه لتأسيس رؤية لمكافحة الفساد المستشري في العراق ، فضلاً عن ذلك كله ، بأن الهيئة طرحت مبداءً مخالفاً لنصوص دستورية واضحة وصريحة كما في نص المادة (87) والتي تنص على ان ( السلطة القضائية مستقلة، وتتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، وتصدر أحكامها وفقاً للقانون ) ، وكذلك نص المادة ( المادة 90) والتي تنص على ( يتولى مجلس القضاء الأعلى إدارة شؤون الهيئات القضائية، وينظم القانون، طريقة تكوينه، واختصاصاته، وقواعد سير العمل فيه) هذا بالنسبة للامور الادارية ، وحقيقة لافهم هذا الطرح وكانما الهيئة تريد ان تبني لها دولة خاصة في داخل الدولة .
ثالثاً :- ربط منظومة المفتشيين العموميين بالهيئة وان يكون تعيينهم واقالتهم عبر هيئة النزاهة حصراً ...الخ .
عندما ابحث في النقطتني اعلاه لا استغرب ان الهيئة تحاول ان تستحوذ على صلاحيات دولة رئيس الوزراء ومجلس النواب وتعطي نفسها الحق في تعيين واقالة المفتشين العمومين بل كافة الجهات الرقابية ، و بخلاف مانص عليه في المادة (80) خامساً من الدستور العراقي والتي تنص على ان ( يمارس مجلسالوزراء الصلاحيات الآتية:
خامساً :ـ التوصية الى مجلس النواب، بالموافقة على تعيين وكلاء الوزارات والسفراء واصحاب الدرجات الخاصة، ورئيس اركان الجيش ومعاونيه، ومن هم بمنصب قائد فرقة فما فوق، ورئيس جهاز المخابرات الوطني، ورؤوساء الاجهزة الامنية.)
خاصة وان درجة المفتش العام هي وكيل وزير وفقاً لنص المادة -٣- من الامر ١٩ لسنة ٢٠٠٥ والتي تنص على ان ( يتقاضى المفتش العام راتب ومخصصات وكيل وزارة ).
واضافة الى كل ذلك فأن وظيفة المفتش العام هي التحقيق في الفساد الاداري والمالي ، ادارياً بعكس هيئة النزاهة التي تحقق جزائياً ، وان مكاتب المفتشيين العموميين هي اعين للرقابة الداخلية في الوزارت والمؤسسات وتندمج مع مبداء الرقابة الداخلية وياليت لو عدل قانونها لتكون رقابة سابقة وليست لاحقة ، ولذا هيئة النزاهة لاتستطيع ان تفرض وجودها على جميع اجهزة الرقابة ، بل ان تعدد اجهزة الرقابة له فوائد كبيرة ويؤدي الى كشف الفساد بصورة اسرع وبشفافية اكبر حتى وان تواطئت احدى هذه الاجهزة مع المفسدين ، مع ان بعض الدول فيها اجهزة رقابة متعددة تزيد على ( ٩ ) اجهزة .
رابعاً :- نبذ معايير المحاصصة الحزبية في تولي الوزارت والوظائف ... الخ .
لاعرف ماهو مبدأ هذا الرفض والنبذ من ضمن معايير مكافحة الفساد ، فنظام الدولة هو برلماني والانتخابات تجري بكتل واحزاب ، واختيار الوزراء يخضع لاتفاقات سياسية ، فكيف يتم هذا النبذ وهل الحزبية فاسدة أم محرمة ، يفترض ان تحدد وظائف محدد يمنع على المنتمي الى الاحزاب من تولي وظائفها ، كما نص عليها الدستور في المادة (٩) في منع افراد الجيش والقوات الامنية من العمل السياسي ومن الممكن اضافة الاجهزة الرقابية مع صعوبة تطبيقها الفعلي ، لوجود الانتماءات أو الاهواء المبطنة أو الخفية .
خامساً :- منع الوزراء والمسؤلين كافة من تعيين اقاربهم ... الى الدرجة الرابعة تفعيلاً للنصوص القانونية واتخاذ عقوبات صارمة بحق المخالفين .
حسناً تم طرح هذه النقطة في منع المسؤلين في الوظائف العامة من تعيين اقاربهم الى الدرجة الرابعة ، لكني لم اجد ان هناك نص قانوني يمنع هذه التعينات كما ورد في الرؤية ، فقط وجدته في قوانين التنظيم القضائي في منع القضاة من نظر دعاوى اقاربهم الى الدرجة الرابعة ، وودت ان يقترح لهذه الفقرة اضافة بمنع الوزراء وغيرهم من تعيين من يجالسوه او يصاحبوه ، لان في بعضها خطورة اكبر من القرابة في الفساد وهذا الشيء ايضا معمول به عند رد القضاة ( وايضاً شكليا لاتطبيقياً ) ، كما نص عليه في قانون المرافعات العراقي رقم (٨٣) لسنة ١٩٦٩ والذي ينص في (المادة ٩١ ) منه على الاتي
لا يجوز للحاكم او القاضي نظر الدعوى في الاحوال الاتية :
1 - اذا كان زوجا او صهرا او قريبا لاحد الخصوم الى الدرجة الرابعة .
2 - اذا كان له او لزوجه او لاحد اولاده او احد ابويه خصومة قائمة مع احد الطرفين او مع زوجة او احد اولاده او احد ابويه .
3 - اذا كان وكيلا لاحد الخصوم او وصيا عليه او قيما او وارثا ظاهرا له او كانت له صلة قرابة او مصاهرة للدرجة الرابعة بوكيل احد الخصوم او الوصي او القيم عليه او باحد اعضاء مجلس ادارة الشركة التي هي طرف في الدعوى او احد مديريها .
4 - اذا كان له او لزوجة او لاصوله او لازواجهم او لفروعه او ازواجهم او لمن يكون هو وكيلا عنه او وصيا او قيما عليه مصلحة في الدعوى القائمة .
5 - اذا كان قد افنى او ترافع عن احد الطرفين في الدعوى او كان قد سبق له نظرها حاكما او خبيرا او محكما او كان قد ادى شهادة فيها .
سادساً :- انشاء جهة مركزية لمنح وادارة العقود الحكومية ولاسيما العقود المهمة ، وعدم السماح للوزارت بتولي هذه المهمة ...الخ .
هل تعرف هيئة النزاهة بأن من المستحيلات انشاء هذه الجهة المركزية لادارة كل عقود الدولة العراقية ، لاختلاف الامور الفنية والتفاصيل الدقيقة من وزارة الى اخرى ، وليس بالامكان ان يكون شخص لديه كل الخبرات المختلفة للوزارت ولا المتطلبات لذالك ، ولم افهم ماهي العقود المهمة ومن يحددها ، وهل من المحتمل ان تتدخل ايضاً الهيئة لتقيم العقد المهم ، من غير المهم وهل هذا دورها ، وهل انهت اعمالها ، ولماذا نعين وزراء لادارة الوزارت ، لننهي اعمال الوزراء ونكلف هيئة النزاهة بادارة الوزارت .
٧- انشاء محكمة متخصصة لمحاكمة الوزراء والدرجات الخاصة ... على وفق معايير الخبرة والنزاهة والشجاعة .
من المرات النادرة التي اسمع فيا وجود معايير الشجاعة ، ومن يقدر هذه المعايير ، اضافة الى المعايير الاخرى وماهي هذه المعايير ولماذا تتدخل الهيئة في عمل السلطة القضائية ، وهل تعلم الهيئة بأن نص المادة (95) من الدستور ( يحظر إنشاء محاكم خاصة أو استثنائية ) ، يمنع ويحظر تأسيس محاكم خاصة ، وان هذه المحاكم لو اسست ستكون مخالفة لنص المادة (14) الدستورية والتي تنص على ( العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييزٍ بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي ) .
ثامناً :- اورد في رؤية هيئة النزاهة عدة نقاط ونصوص اخرى بتشديد العقوبات على المتخلفين والمخالفين .
لم اتفاجئ من هذا الطرح ، فانه من نفس سياقات العلاجات غير المدروسة المتبعة سابقاً، ولعقود من قبل السلطة الدكتاتورية ذات النظام الشمولي ، في فرض الامن والنظام الشكلي والمغلق ظاهرياً ، والذي يغلي داخلياً ، الجريمة والعقاب علم كبير لايجوز زيادة العقوبات بدون معرفة تأثير هذه الزيادة على المجتمع وماهي ردة فعله لذالك ، ولان زيادة العقوبات سيؤدي حتما الى زيادة عنف الجريمة والفساد ، ويفترض ان يتوازن الاثنان الى حد معين ، و الذي تكون به العقوبة رادعة للحد المعقول ، العلم في تطور مستمر والعقوبات اختلفت عن السابق وتغيرت الى انواع متعددة منها المجتمعية ومنها الخدمية ، اما فرض عقوبات كثيرة وملء السجون واخراجهم بقوانين العفو ، سيزيد حتماً الفساد وتكثر مؤكداً الجريمة .
تاسعاً :- ورد ايضا برؤية هيئة النزاهة والتي عرضت على لدولة رئيس الوزراء ، نصوص اخرى توجيهية ودعوات للنواب ولرجال الدين .
تمنيت لو انشغلت الهيئة بعملها الرئيسي والمهم بالاضافة الى عملها التحقيقي ، لان التحقيق هو رقابة لاحقة بينما الاعمال الرئيسية الاخرى للهيئة هي رقابة سابقة لحدوث الفساد ، وان تشغل الهيئة نفسها في ايجاد الانظمة التي تمنع الفساد قبل وقوعه ، وتقترح القوانين لتشريعها بذلك كما نص عليه قانون هيئة النزاهة المرقم (٣٠)لسنة ٢٠١١ وفي المادة ( ٣ / رابعا ، خامساً ، سابعاً )
(اعداد مشروعات قوانين فيما يساهم في منع الفساد او مكافحته ورفعها الى السلطة التشريعية المختصة عن طريق رئيس الجمهورية او مجلس الوزراء او عن طريق اللجنة البرلمانية المختصة بموضوع التشريع المقترح .)
( تعزيز ثقة الشعب العراقي بالحكومة عبر الزام المسؤولين فيها بالكشف عن ذممهم المالية ، وما لهم من انشطة خارجية واستثمارات وموجودات وهبات او منافع كبيرة قد تؤدي الى تضارب المصالح ، باصدار تعيلمات تنظيمية لها قوة القانـون بما لا يتعارض معه ، وغير ذلك من البرامج ) .
( القيام باي عمل يساهم في مكافحة الفساد او الوقاية منه بشرطين :- أ- ان يكون ذلك العمل ضروريا ويصب في مكافحة الفساد او الوقاية منه . ب- ان يكون فاعلا ومناسبا لتحقيق اهداف الهيئة ) .
للحديث تكملة طويلة لكني حاولت قدر الامكان الاختصار ، وكنت اتمنى لو ان هيئة النزاهة تعمل وفق استرتيجية سنوية حتى نستوضح من حقيقة عملها على المستوى الزمني القريب ، وايضا ان تعذر على الهيئة اعداد رؤية علمية ايجابية لمكافحة الفساد الاداري والمالي ، فمن الممكن ان تستعين بمختصين لكتابة ذلك بدل من طرح رؤى لايمكن ان تتحقق لاسباب ذكرناها اعلاه .
وللحديث صلة ...
https://telegram.me/buratha