المقالات

ابني لم يمت


  عبد الكاظم حسن الجابري مازال عطره يفوح في كل مكان, وما زالت صِوَرِهِ تتراءى في جدران البيت, وعذوبة صوته وهو يناديني "صباح الخير يمه" تبعث السعادة في نفسي.
طوله الفارع, وقوامه الممشوق, وشعر الحريري الاسود, وعيناها الجميلتين, كلها صفات تزيد من تألق ولدي محمد.
يتكلم بحنان, ويتعامل بعطف, يساعد المحتاجين, ويرسم بيديه الكريمتين أملا لغد أجمل, لا تفارق البسمة شفتيه, ولا تغادره الهمة لفعل الخير.
كل صور محمد مطبوعة في عينيَّ, لا تغادرني أبدا, مازال طفلي الجميل, وهو ينعم بالدفء حين يلتحف صدري, ويفترش ذراعيَّ, صور محمد كلها جميلة, وكلها منقوشة في كل زوايا البيت, على الجدران, وعلى الأبواب وفي قلبي.
تزاحم صور محمد الجميلة, تجعله حاضرا معي في كل لحظة, فأنا ارى تلك الصور في وجه أبيه المتعب, وفي عَيْنَيْ أختيه, اللتان كان لهما محمد’ سورا, وحصنا, وفرحا, وبهجة.
محمد ابني كله جميل, في عبادته, في عمله, في خدمته للآخرين, وكل من يعرفه يتذكره بفخر واعتزاز, مما يعطيني فخرا وعزا لا يضاهى, محمد الجميل في كل شيء, إختار الجمال حتى في موته, أبى إلا أن يكون موته شهادة في سبيل الله.
حتى في وداعه الأخير, لم يترك محمد الإبتسامة, رغم دموعنا أنا وأبيه, وتعلق أختيه بثيابه.
 سألته في تلك السفرة الأخيرة, محمد من لنا أنا وأبيك وأختيك وأنت ترى شراسة المعارك وأخشى فقدك وانت وحيدنا؟!.
فأجابني بهدوئه المفعم حيوية وإيمان, وهو يقبل يدي كما إعتاد كل صباح:
-أمي ألم تعلمي إن القتل لنا عادة, وكرامتنا من الله الشهادة, ثم أين أنتِ من سيدتنا زينب عليها السلام, حين فقدت إخوتها وبنيها, أمي أستودعك الله فهو خير من تودع عنده الودائع.
كان كلامه كالنسيم العليل, وقد مسح بكلماته كل ضيق وحزن في داخلي, ليبدلها إلى فرح وإبتسامة.
كان هذا الوداع الذي تيقنت إنه الأخير, فليس من عادة محمد إذا ذهب أن يلتفت إلى الوراء ويعود, لكنه هذه المرة إلتفت وعاد لي, وقبل جبيني ويدي, وفعل مثل ذلك مع أبيه, وأعطى أخواته شيئا أصر على أن لا أراه.
غادر محمد بجماله, وهو يردتي زيه العسكري, رافعا شعار النصر.
 بعد وصوله إلى مقره إتصل بي قائلا:
-امي أنا وصلت بالسلامة, وأطلب منك أن تدعين لي, وتبرئيني الذمة, فغدا لدينا هجوم, وإن شاء الله سنزف لك بشرى تحرير جرف الصخر قبل العاشر من المحرم.
حملتني عواطف الإمومة رغما عني, فلم أجبه إلا بدموعي, وأعطيت الهاتف الجوال إلى أبيه, وتوجهت متضرعةً إلى الله أن ينصر محمد والمجاهدين معه, وأن يقر عيني بإحدى الحسنين, أما النصر, أو الشهادة لولدي محمد.
كانت الدقائق تمر ثقيلة, وكأن اليوم التالي صار على بعد سنة, وتوالت الأخبار منذ الفجر, بانطلاق علميات عاشوراء, والتقدم السريع للمجاهدين في قواطع العمليات في جرف الصخر -التي عُرفت فيما بعد بجرف النصر- وأنا أتابع الأخبار لحظة بلحظة, وأتصل بمحمد بين الفينة والأخرى, فيجيب مرة ولا يرد مرات.
كان الإتصال الأخير مختلفا, فالصوت الذي رد علي ليس صوت محمد!. 
-الو محمد
لا أسمع إلا نشيج, وحشرجة كلمات. فكررت القول!
-الو يمه حمودي
-فانفجر المتحدث باكيا قائلا:
-أماه عظم الله أجرك, فمحمد ارتقى شهيدا, وافخري فهو قربان نقدمه بين يدي رب العزة, ولكن –أردف المتحدث- أوصاني محمد قبل الهجوم, إن هو نال الشهادة, أن أتصل بك وأخبرك –لكنك سبقتيني بالإتصال- إن هو أُستشهٍد أن تذهبي لتري ما أعطاه لأختيه عند الوداع الأخير.
أغلقت الهاتف, وتمالكت نفسي, وذهبت إلى إبنتي مناديةً
-فاطمة, زينب, أين ما أعطاكما أخوكما في وداعه الأخير, فعرفتا البنتين بأن أخوهما إسْتُشْهِد لكنهما كتما غير مصدقتين.
أحضرت فاطمة ظرفا ففتحه وقرأت!.
-أماه حينما تفتحين هذا الظرف, إعلمي إني قد إستشهد, ولكن يا أمي تيقني إني حيُ بينكم, أرقبكم من مكاني الجديد في عليين.
عندها إنفجرت باكية, ومهللة في الوقت ذاته: محمد لم يمت إبني لم يمت وشكرا لله إن إستجاب دعائي.
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك