واثق الجابري
عملياً لا يمكن إلغاء الآخر في واقع الديموقراطيات، كما لا يمكن أن تُستغل فسحتها للتسقيط، أو إستخدامها كورقة إنتخابية مبكرة، وما إنتهاج الديموقراطية؛ إلاً وسيلة لتحقيق الأمن والسلم والتقارب من العدالة الإجتماعية، والمحافظة على حقوق الآخر وإحترام الرأي المخالف.
كل فعل سياسي أو رد عليه؛ لابد أن يُراعي التحديات الكُبرى، ولا تحدٍ أسوء من إرهاب داعش والأزمة الإقتصادية.
عمدت كثير من القوى على تحشيد الجماهير والإعلام؛ لأجل التسقيط والإستهداف وإلغاء الآخر، وأن كلف خسران العملية السياسية، أو التمزق أمام أجندات إجتمعت على تدمير العراق والإطاحة بالتجربة الديمقراطية؛ نافية بذلك سمات الدولة الحديثة، والرأي والرأي الآخر، والتعددية وتعدد وجهات نظر ومعارضة، وحرية تظاهر وإجتماع. كثير من الممارسات تفعلها بعض القوى بصفة المُتحدي والصوت الأعلى وإستغلال الجماهير، والصولات المنتظمة على بعضها؛ في بلد يخوض صولته الأخيرة على الإرهاب، وهناك مسؤولية وطنية وأخلاقية؛ تدعو الى نبذ الخلافات والترفع عن المصلحة الشخصية والحزبية، والتبصر على أن الراهن أخطر ما يهدده؛ تفرق أيادي من المفترض أن تجتمع لضرب عدو واحد.هل سمعتم أن معظم الساسة ووسائل إعلامهم يتحدثون عن تعميم الفساد، ويقولون كلهم فاسدون وكلهم فاشلون؛ مستثنياً بذلك نفسه، وكلمة "أنا" لم تعد حكراً ومعظم يقول "أنا أنا" وصور القيادات تملأ الشوارع، فيعترضون على غيرهم ويقبلون لأنفسهم، ولا ينتبهون على أن التسقيط والتشهير والإعتداء على الآخر؛ من أشد مصائب العراق وما يُزيد التوغل فيها؛ إلاّ الإنزلاق في منحدر تضيع الوطن والإتهام بسوء النوايا، ونفس الحقوق التي يعطيها بعضهم لنفسه يستكثرها ويمنعها ويحرمها على غيره.إن الترويج للأخطاء ورمي الحجارة من بين بيوت الزجاج؛ فمن المؤكد ستأتي بنتيجة أن لم تكن مماثلة فهي أسوأ، ومَنْ علم المجتمع على تناول الألفاظ النابية؛ هم مجموعة ساسة إنحدروا الى درك التسافل الوطني، وإستخدام وسائل مشينة ومواقع وهمية وصور فاضحة للرد على الآخر، وما تلك القناني وتقاذف الأحذية داخل البرلمان، وسماجة الخطاب التلفزيوني لبعض الساسة؛ إلاّ خير معلم يتعتقده البعض حسناً، وأن تلفظ كفراً. ممارسة التسقيط؛ معارك شخصية زج الشارع في رحاها، وما تُخرج؛ يصلح أن يكون طعام يتقاسمه المتخاصمون؛ في وقت لاحق بعيد عن أنظار المسحوقين. التظاهر والإعتراض على العمل السياسي مكفولة بالدستور؛ كما كفل حرية الإجتماعات وإقامة التجمعات الجماهيرية، وكل فعل يحدث لتعكير المعركة المصيرية عمل مشين يصب بمصلحة الأعداء، ولا وقت للشارع العراق بالإنشغال بخطابات وتجمعات أن لم تصب بتحشيد الرأي العام بإتجاه المعركة، ولا رد فعل أو إعتراض يثير أزمات؛ إلاّ وأوقف الجهود التي تسعى لجمع القاعدة السياسية والشعبية، وأن كان هناك تنافس فلابد ان يحفظ كرامة عموم المجتمع ويرفع الوعي لإنتاج الأفضل، وأما شعارات بالروح بالدم، أو أنا والكل يذهب للجحيم، وتهديدات بقتل وصولات وسحل، فهي خارج أطر التبادل السلمي للسلطة، وتمهيد للقوة والتآمر والعنف والكيد، والعراق في معركة مصيرية تحتاج توحيد الجهود، وما يُفعل غير ذلك؛ نسأل به جمهور المُتخاصِمين؟!