واثق الجابري
لا يختلف إثنان على حاجة الحوار البشري؛ إلاّ العصابات والإرهابيين، وما يميز البشر عن سائر المخلوقات؛ أن كل أفعاله مرهونة بالكلمات، ورُبَّ حرف واحد يغير مدلولات معاني، ويحول القضية من أقصى اليمين الى أقصى الشمال، ومن مؤتمر حوار بغداد ومؤتمر الرياض؛ فوارق بالمنطلقات والمرامي والأهداف.
إنطلق مؤتمر حوار بغداد؛ بمشاركة عدة دول؛ دون مشاركة السعودية وتركيا، وأقامت السعودية مؤتمر للحوار دون دعوة العراق وسوريا.
بعد حروب شرسة وصراعات طائفية؛ عُقد في بغداد مؤتمر حوار للإعداد مرحلة ما بعد داعش؛ شعوراً من بغداد بأهمية الحوار وإيجاد تفاهمات، والتخطيط لعملية سياسية وتشريعية وإيجاد سبل للسلام، وإشراك الرأي الدولي؛ لرغبة عالمية وقناعة بتأثير الإرهاب وشمولية أخطاره.
السعودية هي الآخرى أقامت حوار؛ دعت فيه دول التحالف الدولي وبعض الدول الإقليمية؛ إلا أنها استثنت العراق وسوريا؛ في حين انهما الدولتان المعنيتان بصورة مباشرة بمواجهة داعش والمجاميع الإرهابية الآخرى، ويخوضان حرباً شرسة؛ تكاد تضع لمساتها الأخيرة بهزيمة الإرهاب.
لم تأت مسألة الحوار جزافاً؛ وإنما لقناعتين مختلفتين أولهما: ان الأطراف العراقية أدركت حاجتها الفعلية للحوار وحقن الدماء وتوحيد الخطاب والرؤى، والحديث بصراحة من دولة إستطاعت الإنتصار على إرهاب عالمي؛ فيما كانت القناعة الثانية: متراجعة عن دعمها للتطرف والمراهنة على الصراعات الطائفية، وأن الإستمرار لا تُجدي نفعاً وتأتي بنتائج عكسية؛ لذا تسعى لتحالفات تبرر أفعالها السابقة والداعمة لمجاميع إرهابية، وكلا الطرفين أقروا بوجوب الحوار والقناعة بحاجة المنطقة للتسويات السياسية؛ اذن هي تسوية في المنطقة؛ ولكنها على خلاف بين نظرة السعودية والعراق.
أن إقامت السعودية لحوار بعيداً عن بغداد وسوريا والأطراف المعنية بالصراع؛ محاولة لتعزيز نفوذها وتقليص الدور الإيراني؛ فيما تدل عدم دعوة العراق على إصرار السعودية على عدم تسمية ما يُقاتله العراقيين والسوريين بالإرهاب؛ بل معارضة غير معنية بالمشكلة العالمية مع الإرهاب، وهذا ما يختلف عن وجهة النظر العراقية، التي تدعو لإيجاد حلول من داخل العراق بين الأطراف التي تؤمن بالعملية السياسية، وأن أختلفت توجهاتم، مع اعلام بقية الدول لإجل المساعدة؛ كون الإرهاب له جذور دولية فكرية.
مفارقة لدى بعض القوى السياسية العراقية؛ بأنها تنتقد عدم دعوة العراق الى مؤتمر الرياض؛ فيما تعارض دخول العراق في حوار يحقن الدماء.
السعودية لا تملك الجرأة على الإعتراف بأخطائها، وأن أموالها وأعلامها ساعد بشكل مباشر وغيره بتنامي الإرهاب؛ رغم قناعتها بأن مركب التسويات تحرك في المنطقة، ووحوارها تدافع على مقود قيادته؛ إلا ان الحلول في العراق وسوريا لا تكفيها تواقفات الخارج؛ ان لم يك في داخل دولها إجماع سياسي؛ على وجوب الحلول الحوارية والإلتقاء عند المشتركات؛ لذا من الأجدر بالقوى العراقية أن تبحث حلول وتعتقد مؤتمرات وحوارات داخل العراق، ويكون شامل لمختلف المكونات المتفقة والمختلفة؛ للخروج برؤية عند نقطة الوسط، ومراجعة العملية السياسية برمتها، وإيجاد قوانين إنتقالية لفترة ما بعد داعش؛ لمعاقبة من تورط بالإرهاب، وفض النزاعات والثارات، وتعويض الضحايا وإعادة النازحين؛ مع شراكة مجتمعية توازي دور الحكومة، وإذا كانت السعودية بالفعل تسعى للحفاظ على نفسها من الإرهاب؛ فعليها مراجعة أفعالها تجاه العراق.
https://telegram.me/buratha