تعيش الأمة هذه الأيام ذكرى عاشوراء هذه الظاهرة الخالدة الفريدة من نوعها في التاريخ البشري بما تحمله من أحزان وآلام ومصائب وفجيعة مالها من فجيعة، نستذكر من خلالها المصاب الجلل والاجرام الأموي الإرهابي التكفيري الدموي البشع أرتكبه الفاسق الفاجر شارب الخمر ومداعب القردة يزيد بن معاوية وبأقذر صورة في صحراء كربلاء ضد ريحانة الرسول (ص) وسبطه المنتجب وسيد شباب أهل الجنة، بمعية أهل بيته المنتجبين وأصحابه الميامين تلك الفئة القليلة التي سطرت ملاحم لم ولن ينساها تاريخ الانسانية لتضحى مدرسة تضحوية مقاومة ومناراً منيرا تضيء طريق الاحرار والابرار ما دامت الدنيا قائمةً لتعيش آلامها ومآسيها وتحزن لها.
عاشوراء هي نبراس العز والوفاء والإباء والخلود والمقاومة والصمود والتضحية والفداء من أجل الانسانية والدين والحق والمنطق والتصدي لظلم وجبروت وفرعنة وطغيان وعصيان الديكتاتوريين على طول تاريخ الأمة، حيث أرسى أسسه الامام الحسين بن علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليهما السلام في طف كربلاء عام 61 للهجرة بما قدمه من غالٍ ونفيس من أجل إحياء الدين الاسلامي الحنيف وإصلاح أمة خاتم المرسلين نبي الرحمة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم، تلك الأمة التي سرعان ما أنحرف وعادت الى الجاهلية القبلية رغم انها كانت قريبة العهد من الرسالة، بفعل قوة وعنف وتزوير الطلقاء مؤسسي الإرهاب التكفيري الدموي .
لا زال كلام الامام الحسين عليه السلام الذي علا في مكة المكرمة قبل خروجه نحو العراق في شهر ذي الحجة عام 60 يدوي في سماء المعمورة عندما قال "إني لم أخـرج أشراً ولا بطـراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنمـا خرجت لطلب الإصلاح في أمــة جدي رسول الله (ص) أريد أن آمـر بالمعروف وأنهي عن المنكر، وأسير بسيـرة جدي وأبي علي بن أبي طالب (ع) فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم وهو خير الحاكمين.." حتى قال (ع)" ألا إنّ الدعيّ أبن الدعيّ قد ركز بين أثنتين، بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة ..."(بحار الأنوار ج44 ص329 والعوالم ترجمة الامام الحسين(ع) ص179 ومقتل الحسين للخوارزمي ج1 ص188 والفتوح لابن أعثم ج5 ص21 وغيرها من المصادر)، فأضحى مدرسة ونهجاً قويماً وصراطاً مستقيماً ومناراً ساطعاً لكل الأحرار والأباة والمقاومين ودعاة الاصلاح الاسلامي الحقيقي يتمسكون به ويسيرون على خطاها ويقدموا الغالي والنفيس حتى تحقيق مطالبهم المشروعة التي منحهم إياها الباري المتعال تلك الحقوق التي أغتصبها وسلبها الحكام الفراعنة الجهلة المتوارثين الطغاة تبعاً لهبلهم ولاتهم وعزتهم التي حطمها علي المختار (ع) في البيت العتيق ليعلن بذلك الرسول الأعظم (ص) انتهاء حقبة عبادة الأوثان.
بعد مرور قرون طويلة على الأمة استنهضت مدرسة عاشوراء الحسين (ع) مرة اخرى همم الأحرار والأبطال والغيارى من خيرة الأمة ليجمعوا قواهم ويوحدوا صفوفهم طلباً للإصلاح ومقارعة لطلقاء العصر أحفاد معاوية وآكلة الأكباد في عصرنا الحاضر اولئك الذين تسلطوا جبروتاً على رقاب المسلمين في السعودية والبحرين والامارات وأخواتها الذين أفسدوا بالبلاد والعباد وقطعوا العهد على إراقةدماء الأبرياء بإرهابهم التكفيري في العراق وسوريا واليمن ولبنان وافغانستان بفتاوى وعاظ سلاطينهم ليعيدوا للتاريخ ذاكرته وصفحاته الإجرامية الدامية حيث الرؤوس المقطعة والأجساد المتناثرة والأوصال المحترقة بالتفخيخ والتفجير والذبح ليلتحق ركب السبي بكل تلك المصائب راسماً صورة واضحة لما جرى في أرض الطف بعاشوراء عام 61 ولم يعد لأحدٍ إنكار ما فعله الحاكم الفاسق الفاجر يزيد أبن أبيه وعامله في العراق أبن زياد بأهل بيت النبوة والامامة والوحي والوصي رغم كل تحريفات الشجرة الملعونة على طول التاريخ الاسلامي .
كان الامام الحسين(ع) ثائراً بأسلوب داعية، وداعية في خط الإصلاح والتغيير. حيث بدأ نهضته وثورته الألهية عندما قيل له: "إنزل على حكم يزيد وابن زياد" فقال (ع) كلمته الصارمة الحاسمة: "لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر إقرار العبيد". وهنا لم يجد بدّاً من أن يواجه العنف بالرفض الحديدي الصارم . لذا علينا أن فهم الأمام الحسين(ع) بالكامل، وللإمامة امتداد يتسع لكلّ ما تتسع له النبوّة ما عدا النبوّة كما قال الرسول الأكرم (ص) مخاطبا وصيه أمير المؤمنين "يا عليّ أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي" .
استنهضت عاشوراء الإصلاح وإعادة الأمة الى الطريق القويم لتعمل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحركت الشارع المتعطش للحرية والاستقلال والاسلام المحمدي الأصيل فكانت النهضة الشعبية في ايران وحركات المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق واليمن والبحرين و.. رافعة راية عاشوراء وتروي ضمأها من الينبوع الحسيني برفعة رأس وشموخ ومعزة، صامدة مضحية مذلة مهينة للطاغوت والفراعنة والقوى التسلطية والمحتلة في كل شبر من أرض المسلمين، فكسروا للشيطان الأكبر شوكته وهزموه وأذنابه وأزلامه ومرتزقته بكل ما أتوا من قوة وإجرام ودموية وبدعم مال بترول الأمة، خليجي المبدأ، تكفيري المقصد، صهيوني الهدف؛ فرسمت سواعده شرق أوسط اسلامي جديد خلافاً لما خطط له أعداء الأمة الجاحدين القاسطين المارقين ليهزموا أذلاء في جنح ظلام الليل الدامس يجرون من ورائهم ذيول الخيبة والفشل والخجل .
لم تبقِ سلطة الإجرام والتكفير والإنجراف الأموي للامام الحسين (عليه السلام) خياراً، حيث شخص (ع) المرض وقرر التصدي لعلاجه أمتثالاً لأوامر الباري الجبار قابله إصرار البعض ممن يطلق على نفسه أسم "الصحابي" بالجلوس في الدار وإنتهاج سياسة النأي بالنفس والابتعاد عما يدور في الأمة الاسلامية؛ لكنه (ع) أبى إلا أن يخرج مصمماً مضحياً بالغالي والنفيس من الشيخ الكبير وحتى طفله الرضيع مرضاة لله سبحانه وتعالى وإستجابة لدعوته في إصلاح الأمة وعلاج الدين وإرجاعه الى موقعه الأساسي وتحكيم شرعة الباري عزوجل في الأرض وبسط العدل ورفع الظلم.. وما أشبه اليوم بالأمس حيث التاريخ يعيد نفسه وسيناريو أحداثه الدامية تكتب من جديد بيد أبناء وأحفاد الشجرة الملعونة من آل سعود وآل خليفة وآل زايد وآل... والظلم يعتري الأرض المعمورة ويفترشها دماً ودماراً وقتلاً وسبياً ونهباً خدمة للأسياد.
عاشوراء لا تزال تحمل كل العناوين التي طرحها الامام الحسين عام 61 للهجرة وسفك دمه الطاهر وأهل بيته وأصحابه المنتجبين الميامين على أرض الطف بكريلاء، حيث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما يعني إصلاح الأمة ليستشعر الطلقاء أبناء الشجرة الملعونة الخوف والفزع على سطوته وسلطانهم وبغيهم وضلالتهم وتزويرهم للحقائق، ناشرين الارهاب التكفيري عنصراً هاماً وستراتيجياً في تفريق الأمة وتشتيت شملها ونشر الكراهية والعداء بين أبنائها فتكون الفاجعة الدامية ونارها تحرق العباد والبلاد.. حتى استشعر الأحرار والأباة التكليف وأستنهضوا هممهم في حشد شعبي ومقاومة اسلامية ودفاع وطني ولجان شعبية يهرع الى سوح الجهاد مقتلعين جذور الفتنة، ناشرين المحبة والمودة والتآخي والتآزر بين صفوف الأمة، منتصرين للمظلوم والمستضعف من كل فئة وقوم ودين وعقيدة، رافعين رايات النصر الحسيني المؤزر؛ ودعاة الزيف الأموي أحفاد ذوات الرايات الحمر متشتتين مهزومين هلكى على أرض المسلمين الطاهرة بخيبة كبيرة وفشل ذريع يقادون نحو مزبلة التاريخ والراعي غير قادر على إنقاذهم.. والنصر قريب بعون الله .
https://telegram.me/buratha